إلى كبار المسؤولين في البلد، إلى أصحاب القرار، لنعتبر من قصتين كانتا بمثابة جرس الإنذار لوجود كارثة اجتماعية تحت الركام، فالطفل (عمر) و(السيدة أم عبدالله) ليسا سوى غيض من فيض ما يدور في عمق المجتمع. قيل ونشر الكثير حول الروايات المتعلقة بقصة عمر، الطالب الذي ضج الشارع بإرغام مدرسته له على تقبيل قدمها، ولن أزيد في الشجب والاستنكار لهذا التصرف غير المسؤول الصادر من مربية يفترض بها أن تكون نموذجاً للإنسانية والمبادئ والقيم وضبط النفس!. ما أود طرحه هو تساؤل بسيط يتمحور حول صمت بعض الأصدقاء والزملاء من حولي عن قول كلمة حق في هذه القصة، وسأوسع الدائرة قليلاً لأشمل صمت المواقع الاجتماعية التي لم تتضمن شجباً واستنكاراً لهذا التصرف، وهو ما يأخذنا إلى صمت بعض الجهات الأهلية عن التفاعل مع القضية، والاكتفاء بالتفرج فقط. التصرف خطأ جملة وتفصيلاً، وأحلف بالله العظيم أنه لو كان بدل الطفل (عمر) طفل آخر اسمه (جعفر مثلاً) وحصل له ما حصل، فسوف أكون أول من يكتب عنه ويتفاعل مع قصته بمنطق الحق، وبمنطق تصويب الخطأ، تحت مظلة احترام الآخر، وحقوق الطفل التي يراد لها أن تكون مصانة. ما تحتاجه البحرين اليوم هو الاتفاق بين أطرافها على مواجهة الأخطاء ، وقياس الأمور بميزان الحق الذي لا يفرق بين قصة سنية أو شيعية، فالميزان الصحيح هو الخطأ والصواب، والفيصل في كل الأمور هو التعايش واحترام الآخرين وصون كرامة الإنسان فهل سنظل تائهين في دوامة الأمراض الاجتماعية، وإلى متى سيظل صوت العقل مغيباً! أنتقل من (عمر) إلى (أم عبدالله)، تلك السيدة القروية التي لجأت للصحيفة قبل عشرة أيام تقريباً من أجل نشر قصتها، تشكو التهديد والترويع من بعض الشباب المغرر بهم، بسبب اختلافها في الرأي حول الأحداث، وبسبب مناداتها بالهدوء والاستقرار وكف الضرر عن الناس فقط لا غير. هذه السيدة أم لشاب سعودي ارتضى أن يعيش مع أمه البحرينية وعدم تركها، يعمل في وظيفة حكومية، وشارك في مسيرات الولاء ورفع فيها رايتي البحرين والسعودية، ليجسد نموذجاً للّحمة الاجتماعية والعلاقات الأسرية بين البلدين الشقيقين، هذا الشاب يفترش كرسي سيارته في المواقف العامة هو ووالدته، يجوبان الشوارع غير قادرين على الذهاب لمنزلهما بسبب تهديد وتعدي بعض الشباب عليهما وكسرهم للأبواب والشبابيك دون رادع، وكل ذلك في ظل رفع أكثر من 6 بلاغات في مركز الشرطة المعني، ولا تزال أم عبدالله خارج بيتها حتى اليوم!. لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه لاستلام رسالة تهديد خطية تفرض عليهما عدم العودة للقرية كونهما شخصين (غير مرغوب فيهما)، فهل ستصل الأمور إلى هذا الحد في بلد عرف عنه الهدوء والاستقرار، ولماذا نرسخ من تقاليد في مجتمعنا النامي، هل نرسخ صورة العيش في دولة المؤسسات والقانون أم نترك الفرصة لتشويه هذه الصورة وتحويلها إلى شريعة الغاب! هل نتحدث عن حقوق إنسان في المحافل المختلفة، ونترك المتشدقين يقولون ما يريدون، في الوقت الذي نغفل فيه حقوق هذه السيدة البحرينية وابنها اللذين لا يسعنا سوى رفع التحية لجرأتهما على الحديث وكسر الصمت. لا نتحدث عن السياسة هنا، بل نتحدث عن أبسط حقوق العيش الكريم لأي مواطن له الحق الكامل في التعبيرعن رأيه، وتبني ما يريد من مواقف، في إطار احترام الإنسانية والقانون، فهل سيترك المسؤولؤن الفرصة لظهور أكثر من (عمر) وأكثر من (أم عبدالله)؟.. ألم يحن الوقت لإدراك حجم المرض المستشري في مجتمعنا حتى النخاع. ما أحوجنا إلى رسم ملامح التحضر، الذي يبدأ بالاعتراف بالأخطاء ومحاولة إحداث التغيير الحقيقي ابتداء من النفس، وما أحوجنا إلى صحوة تحافظ على ما تبقى من طيبة في النفوس من جهة، ولنستعيد من خلالها ما فقدناه من جهة أخرى، ولعلني أحمل الكثير من الخوف عند بروز حالة اجتماعية تتطلب التصدي لها بقوة العقل والمنطق، في حين يتم الاكتفاء بالتهاون وغض الطرف على أرض الواقع. [email protected]