عواصم - (وكالات): أبرزت الصور المروعة للطفل السوري الذي لفظته الأمواج على شاطئ تركي فظاعة أزمة اللاجئين المتفاقمة وأدت إلى توجيه الاتهامات إلى أوروبا بأنها أصبحت «مقبرة» للمهاجرين.
واتهم الرئيس التركي المحافظ رجب طيب أردوغان الدول الأوروبية بأنها حولت البحر المتوسط، مهد حضارات قديمة، إلى «مقبرة للمهاجرين تتحمل قسماً من المسؤولية في مقتل كل لاجئ». كما انتقد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ألمانيا بسبب تعاملها مع الأزمة بعد انتشار مشاهد الفوضى في بلاده. وظهرت الانقسامات العميقة في أوروبا عندما أجرى أوربان محادثات مع كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة أسوأ أزمة تشهدها القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.
وعقب مشاهدته صورة الطفل السوري دعا رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي العالم للتحرك لإنهاء الحرب في سوريا، بينما قال نظيره الإيطالي ماتيو رنزي إن أوروبا لا يمكنها الاكتفاء بالتعبير عن المشاعر لمقتل لاجئين يفرون من الحرب والاضطهاد.
وفي مشاهد تعبر عن يأسهم، تدفق مئات المهاجرين على محطة القطارات في بودابست عند فتحها أمس، لركوب قطار توقف في وقت لاحق عند الحدود النمساوية وأنزل الركاب قرب مخيم للاجئين.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، قال أوربان إن تدفق المهاجرين إلى بلده «ليس مشكلة أوروبية بل ألمانية». وقال أوربان إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت أنه لا يمكن لأي من المهاجرين مغادرة المجر بدون تسجيلهم فيها تماشياً مع قواعد الاتحاد الأوروبي «الواضحة» بأن الدولة التي يدخل إليها المهاجرون أولاً يجب أن تتعامل مع طلباتهم للجوء.
وأضاف «لا أحد يريد البقاء في المجر أو سلوفاكيا أو بولندا أو أستونيا. جميعهم يريدون التوجه إلى ألمانيا. ومهمتنا هي فقط تسجيلهم». وواجهت المجر انتقادات بسبب بنائها سياجاً على الحدود مع صربيا ورفضها السماح للمهاجرين بالصعود إلى القطارات والتوجه إلى ألمانيا. ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تقاسم استقبال نحو 100 ألف لاجئ، أي بزيادة كبيرة عن العدد المنصوص عليه في الاتفاق الحالي وهو 32 ألف لاجئ. كما صرحت ميركل أن فرنسا وألمانيا اتفقتا على حصص ملزمة من أعداد اللاجئين. وانتقد توسك تصريحات أوربان لصحيفة «فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ» الألمانية أن تدفق اللاجئين إلى أوروبا «ومعظمهم من المسلمين» يهدد الهوية المسيحية للقارة. وقال توسك «إن الإشارة إلى المسيحية في نقاش علني حول الهجرة يجب أن يعني إظهار الإنسانية لإخواننا». وتنتشر الانقسامات بين الدول الأوروبية التي يعبر منها المهاجرون خاصة اليونان وإيطاليا والمجر، والدول الأخرى التي يرغب المهاجرون في الوصول إليها في شمال وغرب أوروبا. وفي بريطانيا لم تقبل حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سوى 216 لاجئاً، ووقعت عشرات الآلاف العرائض التي تطالبها بتغيير موقفها. وما زالت أوروبا حيث يتصاعد التوتر في مواجهة تدفق اللاجئين، تحت صدمة صور جثة طفل قذفتها الأمواج إلى الشاطئ بعد غرق مركبين يقلان مهاجرين سوريين.
وانتشرت صور لجثة الطفل أيلان الذي يرتدي قميصاً أحمر وملقى على وجهه على الشاطئ قرب بودروم أحد المنتجعات التركية الرئيسة. وانتشر هاشتاغ «الإنسانية لفظت على الشاطئ» على موقع «تويتر» وأصبح بين القضايا الرئيسة المتداولة على موقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير. وتساءلت صحيفة «الأندبندنت» البريطانية «إذا لم تغير هذه الصور القوية جداً لطفل سوري ألقت الأمواج جثته على شاطىء، موقف أوروبا فما الذي سيغيره؟». وفي إيطاليا، كتبت صحيفة «لاريبوبليكا» في تغريدة «الصورة التي تسكت العالم»، بينما رأت فيها صحيفة «الباييس» الإسبانية «رمزاً لمأساة الهجرة». فيما عنونت الإسبانية «ايل بيريوديكو» أيضاً «غرق أوروبا».
وأفاد صحافي كردي بأن عائلة الطفل ويدعى أيلان الكردي نزحت مرات عدة داخل سوريا وإلى تركيا هرباً من أعمال العنف قبل أن تقرر الهجرة إلى أوروبا. وروى والد الطفل عبد الله شنو أن ولديه «انزلقا من بين يديه» حين انقلب المركب الذي كان يقلهم إلى اليونان.
وقال لوكالة دوغان للأنباء التركية «كانت لدينا سترات نجاة لكن المركب انقلب فجأة لأن بعض الناس نهضوا، كنت أمسك يد زوجتي لكن ولدي انزلقا من بين يدي».
وكان الطفل أيلان بين مجموعة من 12 مهاجراً سورياً غرقوا بعد انقلاب المركب الذي كان ينقلهم من بودروم نحو جزيرة كوس اليونانية. وعثر على الشاطئ نفسه على جثتي شقيقه غالب «5 سنوات» ووالدتهما ريحانة.
وتواجه أوروبا تدفقاً هائلاً للاجئين من جميع الجهات حيث عبر أكثر من 350 ألف شخص مياه البحر المتوسط في قوارب متهالكة خلال أغسطس الماضي، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. إلا أن زخم المهاجرين ينتقل حالياً إلى دول غرب البلقان بسبب خطر العبور، وعبر نحو 50 ألف شخص المجر في أغسطس الماضي فقط ويحاول معظمهم الوصول إلى دول غرب وشمال أوروبا. وغادر قطار يقل مهاجرين بودابست ووصل إلى بلدات قريبة من الحدود النمسوية حيث تم إنزالهم ونقلهم بالحافلات إلى مخيم مجاور، بحسب وكالة «ام تي اي» للأنباء. إلا أن عدداً كبيراً منهم رفض مغادرة القطار، وهتفوا بغضب «ألمانيا، ألمانيا»، وحملوا لافتات كتب عليها «ساعدونا»، و«النجدة».
وسمحت المجر لعدة آلاف بالصعود إلى القطارات المتوجهة إلى النمسا وألمانيا الاثنين الماضي، إلا أنه تم إغلاق المحطة في اليوم التالي أمام أي شخص لا يحمل جواز سفر من دول الاتحاد الأوروبي أو تاشيرة سارية. من ناحية أخرى عرض الملياردير المصري نجيب ساويرس شراء جزيرة في إيطاليا أو اليونان وتنميتها لمساعدة مئات الآلاف من اللاجئين الذين يهربون من سوريا ومن دول أخرى تشهد نزاعات.