كتب - علي الشرقاوي:
لقد وصلت الرواية والقصة في البحرين في بعض مراحلها إلى أن تكون مؤثرة على جيل كامل من القراء الشباب، سواء في البحرين أو الخليج العربي أو في الساحة العربية كلها، من هنا فليس من الغريب أن يكون لها شيء من الاهتمام من جانب المستشرقين، الذين يرون أن هناك ثمة تجارب تستحق الوقوف أمامها والنظر إليها بعيون مغايرة مما يطرح .والمستشرقة بربرا ميخالاك بيكولسكا والتي سبق أن طرحنا رؤيتها للشعر في البحرين، اهتمت أيضاً بالقصة والرواية في البحرين، وهنا نحاول أن نلقي الضوء على شي من رؤيتها لأدبائنا البحرينيين.
وتقول بربرا إن تطور النثر في البحرين يرتبط بتطور الصحافة في خمسينات القرن العشرين، وقد بدأت مجلة (الأضواء) الثقافية الأدبية بالصدور، في عام 1965، بعد أربع سنوات ظهرت مجلة (صدى الأسبوع). على صفحاتها نشرت أولى التجارب الأدبية لكتاب البحرين المبتدئين. وقد كان تأسيس أسرة الأدباء والكتاب البحرينيين في 1969، وإصدار الفصلية الأدبية «كتابات» 1976 نقطة تحول في حياة البلاد الفكرية، ومجلة «كلمات» التي ظهرت 1983 كانت لسان حال أسرة الأدباء. وتعتبر الآن (البحرين الثقافي) إحدى أبرز المجلات الأدبية الثقافية، وقد أخذت بالصدور 1994.
ويعبر علي سيار، في أعماله، عن أن الناس الشرفاء لا يستطيعون إيجاد مكان لهم في هذا العالم إلا بصعوبة بالغة. إن طمع المال وعشق السلطة يحطمان الفرح وجمالية الحياة.
تعكس قصص محمد الماجد أفكار جيل كامل، وهواجسه، وقلقه، وهي تعتبر وثيقة قيمة، ومثيرة للاهتمام. جوزيف كونراد يؤكد أن الفن أذن العالم وعينه الكبيرتان. إنه يسمع، يرى، يحس بالخجل، يثير، يوقظ الضمير. وهذا فعلاً ما يميز أعمال خلف أحمد خلف، الذي يزاول نشاطات صحافية ومسرحية كثيفة. في نصوصه يقدم صورة للناس الذين لم يستعدوا لملاقاة الحياة ومشاقها. وهم سلبيون لأقدارهم، ولا يناضلون من أجل مصير أفضل.
ويقدم محمد عبدالملك في قصصه خلاصة تجاربه الحياتية. ومن خلال أسلوبه الواقعي يعطينا وصفاً لحياة البحرين قبل اكتشاف النفط ويظهر حيادية المجتمع السلبية إزاء الظلم الواقع على الضعفاء. يبتعد الكاتب عن السياسة مركزاً على القضايا الأخلاقية، ويتناول موضوعات عامة مثل العزلة، والماضي، والخوف، والمتمزق الداخلي في النفس. محمد عبدالملك يثبت أن بساطة الأسلوب لا تعني عدم القدرة على بناء عمل إبداعي متعدد الأبعاد.
أما العالم المتخيل في أعمال عبدالله خليفة فهو حافل بالتأملات الشخصية والتفكر بأمور الحياة، وكذلك بالتجارب، والهواجس، والمخاوف. فالحياة مليئة بالمصادمات مع الأقدار، وبتجليات الصراع من أجل البقاء، وبالمعضلات، والنزاعات الداخلية. والناس يحتكون بشكل دائم بالعقبات الصعبة. وبغض النظر عن حبكة قصصه المتعرجة، فالكاتب يلمح أن هناك قيماً عليا، تعطي الإنسان القوة لمحاربة كل صنوف الشقاء، وتحديات القدر. وهذه القيم هي الفرح بالحياة، والقدرة على رؤية جمالية الكون، والانسجام مع المحيط، واحترام التقاليد، والحرية، والحب، والأمل.
وتتطور أحداث قصص عبدالقادر عقيل وفق ما خطط لها المؤلف، الذي من خلال الاستذكار، وتداعي الأفكار، يلغي الطريقة التقليدية لسرد الأحداث حسب تواليها الزمني المنتظم. معظم أعماله يقتصر بناؤها على مجال التخيل، والأحلام، والتمنيات.
إن الإبداع الأدبي ليس فقط جهداً كتابياً صعباً، بل هو فرح يأتي من خلال عملية الكتابة، التي تنتج واقعاً آخر يتحكم فيه المبدع. ومثل هذا الواقع أنتجته فوزية رشيد التي أفلحت في الوصول إلى طعم العصر، وحققت كتبها نجاحاً كبيراً في الساحة الأدبية. وهي تبرز المصير الفاجع للناس الملتزمين بالنضال من أجل الحرية والعدل، المدافعين عن حقوقهم وكرامتهم.
يجعلنا أبطال فوزية رشيد نبحث عن المعنى؟، والغاية، والدوافع التي تحركهم، وتترك فيضاً من الأسئلة لا ينتهي. وهم أناس نلتقيهم في الشارع، يختلفون عنا كثيراً، وفي الوقت نفسه يشبهوننا كثيراً. السؤال عنهم هو السؤال عن أنفسنا. هزيمتهم لها طعم هزيمتنا. حياتهم واقعية تبعث الخوف كحياتنا.
وتمثل أعمال نعيم عاشور نظرة جديدة غير مباشرة إلى العالم معتمدة على استخدام أدوات تعبيرية جديدة. لا يمكن تحليل مجموعاته القصصية كلها من وجهة نظر عقلانية، فتعددية المعنى ميزتها المشتركة.
وعلى ما يبدو فإن فريد رمضان مشدود لموضوع الموت، حيث يبحث بشكل دائم عن أجوبة لأسئلة متعلقة بماهية الموت ومسألة ترقبه وقدومه. غالباً ما يتناول قضية معنى الوجود الإنساني في هذا العالم، من خلال الاتكاء على الماضي، والتاريخ، والدين، تاركاً مجالاً واسعاً لتأويل أحكامه الخاصة.
وتحتوي أول مجموعة لمنيرة الفاضل «الريمورا» على قصص ذات موضوعات اجتماعية، تتناول فيها القضايا الحساسة بين الرجل والمرأة. وتعالج موضوع العلاقات في الأسرة الواحدة، وتكشف عن مكانة الأم والأخ الأكبر المعنوية. في مجموعتها «للصوت.. لهشاشة الصدى» منيرة الفاضل لا تمس القضايا الوجودية وحسب، بل الصوفية أيضاً. وهي مرتبطة بالحياة اليومية ومواجهة الواقع, يدرك الأبطال أن الميزة الأساسية لوجودهم هي التغير، فكل شيء خاضع للنمو والانقضاء. إن السمة الرئيسة لقصص منيرة فاضل هي أن الأبطال في غالبيتهم يظلون مجهولين، فليست مهمة أسماؤهم، ولا يهم من هم، ترمي الكاتبة أمام عيوننا مشهداً شاملاً غنياً بالحياة الاجتماعية المتنوعة.
ومن جانبه يقدم جمال الخياط في مؤلفاته النثرية صورة واقعية للحياة البحرينية المعاصرة، فالشخصيات الأدبية منغمسة في صراعات، سببتها المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، والأبطال كثيراً ما يتعرضون للاختبار فيخرجون منتصرين، إن مؤلفات جمال الخياط تشير إلى التزامه الشديد بالقضايا الاجتماعية المتعلقة بتطور البحرين.
وتبني عائشة الغلوم قصصها حول المفاهيم الأساسية الأخلاقية والوجودية، مثل الخير، والشر، والوحدة، وهي تعبر عن موقفها المضاد لانعدام التضامن بين الناس، وفقدانهم الإحساس بعذابات الآخرين.
وتطرق أعمال حسن بوحسن موضوع الريف البحريني، مشكلاته وعاداته وتقاليده، أبطاله هم عادة كبار السن الذين خبروا الحياة جيداً، المؤلف يتحدث بحنين عن الريف الذي تغيرت معالمه بعد اكتشاف النفط.
ويتركز بعض قصص مهدي عبدالله حول صراع الناس اليومي مع الواقع المحيط، أعماله تمثل شكلاً واقعياً لإظهار عملية التحولات الاجتماعية، والتغيرات في علاقات الناس، وظروف معيشتهم.
ونتعرف إلى الأبطال في قصص سعاد الخليفة من خلال منولوجاتهم الداخلية، ليس صعباً أن نلحظ ضياعهم في هذا العالم، وهم يحاولون إيجاد الطريق الصحيح في حياتهم، تغدو مراقبة الواقع نقطة انطلاقهم، والكاتبة تجهد في وصف حالات الأبطال الداخلية، ودقائق الأمور التي لها تأثير في نفسية البشر، ويتحقق هذا كله بلغة تصويرية بالغة، محملة بالمجازات، والوصف، والتشبيهات.
ولا يبتعد حسين المحروس عن تصوير المتغيرات بين الأجيال، وفي أعماله ينحو منحى فلسفياً ولا يقبل في الوقت نفسه بمظاهر الظلم في الحياة الواقعية.
وتصور قصص أنيسة الزياني، جميعها، الحياة كطريق حافل بالتحديات والعوائق والتضاد، وتقدم عالم الشخصيات قريباً منا، فهو يمثل المجتمع المعاصر،على خلفية المشهد الاجتماعي الحياتي وتقاليده، الكاتبة تسعى إلى التقاط لحظة رحيل الواقع القديم، واستشراف الواقع الجديد.
وتتناول معصومة المطاوعة المشكلات العامة التي تخص المجتمع العربي، وتصور في معظم قصصها حياة الأسرة وعاداتها، مركزة على مأساة النساء، والظلم، وضعف شخصية الإنسان، ومشكلة إدمان الخمر والمخدرات.
أما أعمال أحمد الحجيري ما هي إلا مقاطع قصيرة من الواقع المعيش، والشيء الأهم فيها تصوير قدرة الإنسان في الاختيار عند الضرورة، وفي حالة المواجهة.
يصور وليد هاشم في رواياته العالم الذي قد تعرض للتشويه، والقيم التي تساقطت وصراعات الأجيال وتفاهات التفكير، والوجود.
أقام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في مقره بالشارقة مؤخراً محاضرة بعنوان “ تسرب الموضوعات والأشكال والأجناس الأدبية العربية إلى بولندا” قدمتها المستعربة البولندية الدكتورة بربرا ميخالاك بيكولسكا رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة ياجيللونسكي، وقدم المحاضرة ناصر العبودي أمين عام الاتحاد.
وأشار العبودي خلال تقديمه للمحاضرة، إلى أن بربرا ميخالاك بيكولسكا اختارت اللغة العربية من بين لغات شرقية عديدة لتختص بها في بولندا ثم جاءت إلى منطقة الخليج العربي ودرست الأدب الحديث في الكويت والبحرين وعمان لتختص بالحديث عنها في عدد من المحافل الأوروبية والمؤتمرات العلمية التي استضافتها خلال الفترة الماضية.
من جهتها كشفت بربرا ميخالاك بيكولسكا أنها قد حصلت على منحة أكاديمية من وزارة التعليم العالي في بلادها للكتابة عن الأدب الإماراتي ضمن اهتمامها بأدب منطقة الخليج العربي، حيث تم التنسيق مع سفارة دولة الإمارات في العاصمة البولندية وارسو، ووزارة الثقافة والشباب والتنمية المجتمع، لهذه الزيارة التي تقوم بها الآن.
وكشفت بربرا ميخالاك بيكولسكا خلال المحاضرة أن حضور الأدب العربي وتأثيره على الأدب البولندي عموماً يتعلق بأدب العصور الوسطى العربية وفقاً للتقويم الميلادي، أي خلال الفترة الممتدة من العام 750 – 1055 ميلادية فحسب، وذلك بحسب ما أوضحت.
جاءت المحاضرة أشبه بدراسة في حقل الأدب المقارن شرحت الباحثة من خلاله أثر بعض الأدباء العرب الكلاسيكيين على أدباء بولنديين وصلت إليهم تأثيرات الأدب العربي عن طريق الثقافة الفرنسية على وجه التحديد، وبالتأكيد حسب قولها “يظهر هنا دور الليالي العربية الألف بوصفها ملهماً بحكاياها ومخيلتها الشعبية فضلاً عن عدد من الشعراء العرب والمسلمين، كسعدي الشيرازي وسواه من أدباء العربية”.
وتطرقت بربرا في بحثها إلى مراحل أكثر تقدماً كالرومانسية التي تلت مراحل التنوير الأوروبي عندما “بدأ البحث عن المهرب من الواقع المؤلم إلى عالم الخيال الذي ترسم أفقه الحكايات الأسطورية. لقد سلب الشرق خيال الشعراء البولنديين عندما تعرفوا إلى عالمه السحري الآسر في أعمال بايرون ومور ولامارتين وفولتير، وصولاً إلى القرن العشرين”.
وكشفت بربرا أن حضور الأدب العربي وتأثيره على الأدب البولندي عموماً يتعلق بأدب العصور الوسطى العربية وفقاً للتقويم الميلادي، أي خلال الفترة الممتدة من العام 750 – 1055 ميلادية فحسب، وذلك بحسب ما أوضحت.
جاءت المحاضرة أشبه بدراسة في حقل الأدب المقارن شرحت الباحثة من خلاله أثر بعض الأدباء العرب الكلاسيكيين على أدباء بولنديين وصلت إليهم تأثيرات الأدب العربي عن طريق الثقافة الفرنسية على وجه التحديد، وبالتأكيد حسب قولها “يظهر هنا دور الليالي العربية الألف بوصفها ملهماً بحكاياها ومخيلتها الشعبية فضلاً عن عدد من الشعراء العرب والمسلمين، كسعدي الشيرازي وسواه من أدباء العربية”.
وتناولت بربرا في بحثها مراحل أكثر تقدماً كالرومانسية التي تلت مراحل التنوير الأوروبي عندما “بدأ البحث عن المهرب من الواقع المؤلم إلى عالم الخيال الذي ترسم أفقه الحكايات الأسطورية. لقد سلب الشرق خيال الشعراء البولنديين عندما تعرفوا إلى عالمه السحري الآسر في أعمال بايرون ومور ولامارتين وفولتير، وصولاً إلى القرن العشرين”.
وأوضحت بربرا أنه ما من معرفة واسعة بالعرب وثقافتهم في بلادها، بسبب قلة المجتمع العربي في بلادها بالقياس إلى بلاد أخرى من أوروبا الشرقية. ففي المدينة التي تعيش فيها “لا يوجد سوى عربي واحد ونتعامل معه بوصفه بولندياً هو الذي يتحدث العربية والبولندية بطلاقة لكن لا اهتمامات أدبية لديه حاله حال الكثير من البولنديين”.
وأشارت أيضاً إلى أن سبب عدم إطلالتهم على الآداب العربية الحديثة هو أنه ليس هناك سوى إرث القرون الوسطى من الاهتمام بهذه الآداب والذي يتلقاه البولنديون في المدارس ويرقى إلى المتنبي فالشنفرى، لا أكثر.
وكشفت أن الانقطاع عن الآداب العربية حدث مع بولندا الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية حيث لم تكن هناك أي معرفة بآداب منطقة الخليج العربي تحديداً، إلى أن جرى افتتاح سفارات من دول الخليج العربي في بولندا حديثاً، حيث افتتحت السفارة السعودية قبل خمسة أعوام.
وأوضحت بربرا أن حركة الترجمة من العربية بدأت بعد ذلك من خلال اللغة الإنجليزية. أما بصدد الاستشراق فأوضحت أنه قد بدأ متأخراً في 1919 في مدينة كراكوف مع أن الجامعة التي تنتسب إليها قد أنشئت منذ أكثر من مائة سنة ثم استعرضت جملة من الإشكاليات التي تواجهها الأقسام الثلاثة المختصة بالعربية وآدابها سواء لجهة صعوبة اللغة العربية ذاتها أو أن الاهتمام بها ينشط الآن في أوساط الدبلوماسيين البولنديين العاملين في المنطقة العربية. إن هذا النقاش الذي لم يخل من الصراحة أوضحت خلاله بربرا أنهم بحاجة إلى منح دراسية لطلبتهم الذين يتعلمون العربية ليتلقونها في مناخاتها الأصلية كما إنهم بحاجة إلى أن ترسل الدول العربية أساتذة لغة عربية لا يتقنون أبداً حرفاً واحداً من البولندية.