جدة – أشارت دراسة تحليلية لسوق النفط من شركة الخبير المالية إلى إصرار المملكة العربية السعودية على الدفاع عن حصتها السوقية في مواجهة الإنتاج المتزايد للنفط للمنتجين المنافسين، وذلك بعدم خفض الإنتاج، وتحلل الدراسة الرؤية المستقبلية للنفط بناءً على الأحداث الاقتصادية والجيوسياسية، وأنه من المتوقع أن تبقى أسعار النفط منخفضة في العام الحالي ومعظم العام القادم، حيث يرجح استمرار فائض العرض النفطي العالمي، وأن ينمو حجم الطلب بنسبة بسيطة فقط. كما تتطرق الدراسة إلى توقعات العرض والطلب والمؤثرات السلبية والإيجابية للنفط في المنطقة، حيث سيؤدي الارتفاع الكبير في حجم إنتاج الأعضاء الرئيسيين بمنظمة أوبك وإمكانيات العرض الجديد من إيران إلى مزيد من الضغوط على أسعار النفط. وإلى جانب ذلك، أتاحت الابتكارات التقنية لإنتاج النفط الصخري قدرة كبيرة على الصمود في مواجهة المتغيرات.وذكرت الدراسة أنه من المرجح أن يؤدي انخفاض معدل النمو في الصين، وهي إحدى أكبر الدول المستهلكة للنفط، إلى انخفاض الطلب على النفط. كذلك فإن معظم الطلب الإضافي في الفترة الأخيرة كان ناتجًا بشكل رئيس عن تكوين مخزونات استراتيجية، ويمكن أن يبدأ هذا الطلب بالتراجع بحلول السنة القادمة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تؤدي مستويات المخزونات النفطية القياسية الحالية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى تأخير توقيت أي زيادة في أسعار النفط. وعلى الرغم من قيام شركات النفط الكبرى بتقليص خططها التوسعية، فإننا لا نتوقع أن يؤدي ذلك إلى أي تأثير فوري حيث إن البدء بتنفيذ معظم مشاريع الاستثمار يستغرق بضع سنوات. كما يمكن أن يؤدي تزايد الاعتماد على التقنيات الأكفأ استخدامًا للوقود وارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي إلى تزايد الضغوط. إضافةً إلى ذلك فيمكن أن يؤدي أي تصعيد غير متوقع للصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم إلى عكس اتجاه سير أسعار النفط.كما ذكرت الدراسة أنه وبعد أن اقتربت أسعار النفط اليوم من أدنى مستوياتها في ست سنوات ونصف السنة، بعد تراجعها بحوالي 60% من المستويات المرتفعة التي شهدتها خلال السنة الماضية. بدأت الدول الكبرى المصدرة للنفط، بخفض أسعارها منذ الربع الأخير من العام 2014 في محاولة للدفاع عن حصتها من السوق وإجبار المرافق الإنتاجية الأعلى كلفة على الإغلاق. وقد ثبتت حتى الآن إلى حد كبير عدم فعالية الجهود التي بذلها اتحاد المنتجين لإغراق السوق النفطية بفائض العرض وإخراج منتجي النفط الأعلى كلفة تشغيلية من السوق، وعلى الأخص المنتجين في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تصدر الولايات المتحدة قائمة المنتجين السنة الماضية ورفض كبار المنتجين في الخليج الاتفاق مع أعضاء أوبك الآخرين على خفض الإنتاج النفطي، أصبحت التوقعات المستقبلية لأسعار النفط تبدو منخفضة. كما توقعت شركات النفط الكبرى أيضًا فترة ”مطولة“ من تراجع أسعار النفط وقامت بتقليص خطط إنفاقها الرأسمالي. ومع عدم ظهور أي بوادر على تراجع حجم العرض العالمي، وفي ظل التوقعات بنمو الطلب على النفط بوتيرة متواضعة، فإننا نتوقع أن تبقى أسعار النفط منخفضة في العام 2015 ومعظم العام 2016.وكان نمو العرض النفطي عاملاً مسيطرًا ساهم في تراجع أسواق النفط منذ شهر يونيو السنة الماضية. ولايزال حجم العرض النفطي العالمي يفوق حجم الطلب، وتظهر أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن انعدام توازن العرض والطلب قد وصل إلى حوالي 2.6 مليون برميل في اليوم في الربع الثاني من السنة، مقارنةً بما مجموعه 0.8 مليون برميل في نفس الفترة من السنة الماضية.ومنذ بدء تراجع أسعار النفط الخام، سادت التوقعات على نطاق واسع بأن منظمة أوبك سوف تقوم بخفض إنتاجها النفطي في محاولة منها لرفع الأسعار. غير أن الكارتل، الذي ينتج حوالي 40% من النفط الخام العالمي، لم يستمع للنداءات التي وجهها بعض أعضائه خلال اجتماعهم السنة الماضية لخفض الإنتاج، بل قام بزيادة إنتاجه بأكثر من 1.7 مليون برميل في اليوم منذ نوفمبر 2014.وأبدت إيران التي توصلت إلى اتفاق نووي تاريخي مع قوى العالم العظمى الشهر الماضي، أنها على استعداد لرفع إنتاجها النفطي بمعدل 500.000 برميل في اليوم خلال أسبوع بعد رفع العقوبات المفروضة عليها. كذلك تشير التقديرات إلى أن إيران تملك حوالي 30 إلى 40 مليون برميل من النفط في ناقلات نفط راسية في الخليج الفارسي ويمكن أن يتم إرسالها إلى السوق فور سريان مفعول رفع العقوبات.ومن المرجح أن تسهم زيادة العرض النفطي الإيراني في استمرار المستويات المرتفعة للعرض النفطي العالمي، وأن تؤثر على أسواق النفط في المستقبل القريب. ولكن يرى الكثير من الخبراء أن إيران لن تتمكن من التأثير فعليًا على حجم العرض قبل مرور ستة أشهر على الأقل أو لربما أكثر من سنة.وأدت الزيادة الحادة في إنتاج النفط الصخري إلى تحول كبير في عوامل العرض والطلب في سوق النفط العالمية. وقامت الولايات المتحدة بزيادة إنتاجها النفطي بوتيرة عالية لتصبح أكبر دولة منتجة للنفط في العالم في العام 2014. وكان الكثير من الخبراء يرون في السابق أن انهيار أسعار النفط السنة الماضية سوف يؤثر بشكل كبير على القطاع النفطي الأمريكي، غير أن إنتاج النفط الصخري استمر قويًا إلى درجة كبيرة.وعلى الرغم من تلاشي الجدوى الاقتصادية لشركات النفط الصخري بفعل أسعار النفط المنخفضة، يبدو أن النفط الصخري سوف يستمر في التأثير بقوة على السوق النفطية العالمية في المستقبل المنظور. ووفقًا لتقرير نشرته مؤخرًا الوكالة الدولية للطاقة حول سوق النفط العالمية، من المرجح أن يستمر حجم العرض النفطي الإجمالي في الولايات المتحدة بالنمو على مدى العام 2016، ولكن بمعدل أبطأ بكثير مقارنةً بالعام 2014. كما أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه من المتوقع نمو إنتاج النفط الخام الأمريكي بمعدل 8.6% في العام 2015 ليصل إلى 9.47 مليون برميل في اليوم، أي إلى أعلى مستوىً له منذ 45 سنة.وأظهرت أحدث توقعات الوكالة الدولية للطاقة أن حجم الطلب العالمي على النفط سوف يتجاوز 95 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية العام 2016. غير أن الوكالة تتوقع تراجع نمو الطلب العالمي على النفط إلى 1.2 مليون برميل في اليوم في العام 2016 من حوالي 1.4 مليون برميل في اليوم هذه السنة.وقام صندوق النقد الدولي مؤخرًا بخفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام 2015. وإلى جانب ذلك، قام المصرفان المركزيان في الولايات المتحدة والصين، أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم، بتقليص توقعاتهما لنمو الناتج المحلي الإجمالي فيهما للعام 2015، ما أضاف إلى مخاوف حول مدى تحسن الطلب النفطي. كما أظهرت الأرقام الأخيرة نمو الاقتصاد الصيني بمعدل 7% خلال الربع الثاني 2015 مقارنةً بنفس الفترة من السنة السابقة، وهو أدنى معدل نمو تشهده الصين منذ الربع الثاني 2009. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة نمو الطلب الصيني على النفط بنسبة 3% فقط في العامين 2015 و2016 إذا استمر معدل النمو الاقتصادي في الصين بين 6% و7%. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أخرى أن نشاط المصانع في الصين قد تراجع في شهر يوليو إلى أدنى مستوياته منذ سنتين. كما توقعت الجمعية الصينية لصناعة السيارات نمو مبيعاتها السنوية من سيارات الركاب والسيارات التجارية بنسبة 3% فقط هذه السنة، مقارنةً بتقديراتها السابقة التي بلغت 7% في شهر يناير، ومقارنةً بمعدل نمو بنسبة 9.9% في العام 2014.وقامت دول كثيرة بزيادة احتياطياتها النفطية الاستراتيجية للاستفادة من أسعار النفط المنخفضة. ووفقًا لما أوردته إدارة معلومات الطاقة، ارتفعت المخزونات النفطية التجارية بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى مستويات قياسية بلغت 2876 مليون برميل في شهر مايو، أي بزيادة 300 مليون برميل تقريبًا عما كانت عليه قبل سنة. ولامست مخزونات الخام الأمريكية 464 مليون برميل في منتصف شهر يوليو، أي بزيادة 100 مليون برميل تقريبًا عن متوسطها الموسمي لخمس سنوات.وعلى الصعيد الإقليمي، أعلنت الإمارات مؤخرًا عن إلغاء الإعانات والدعوم على الوقود في إطار الجهود الهادفة إلى تعزيز الصحة المالية للدولة. وقد أدت هذه الخطوة إلى زيادة أسعار البترول، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الدخل الحقيقي للمستهلكين، وبالتالي إجبار المستهلكين على تقليص إنفاقهم على الوقود. ووفقًا لدراسة أجرتها بي بي ستاتستكس، استهلكت دول الشرق الأوسط حوالي 13.7% من النفط العالمي في 2014. ويبدو هذا الاستهلاك مرتفعًا جدًا بالنظر إلى عدد السكان، حيث لا يتجاوز عدد سكان دول مجلس التعاون نسبة 0.7% فقط من عدد سكان العالم. فإذا أثبتت خطوة الحكومة الإماراتية هذه نجاحها، يمكن أن تتخذ دول خليجية أخرى تدابير مماثلة، ما يؤدي بالتالي إلى تأثير سلبي أوسع على الطلب الإقليمي على النفط.وأظهرت دراسة أجرتها إدارة معلومات الطاقة أن أعداد السيارات التي تستخدم الوقود التقليدي آخذة في الانخفاض في السنوات القليلة الأخيرة، وأضافت أنها تتوقع استمرار هذا الانخفاض على مدى العقد القادم. كما توقعت ارتفاع أعداد السيارات التي تستخدم أنواع الوقود البديلة في الفترة القادمة، ويرى الخبراء أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم فائض العرض النفطي الحالي.وفي ظل التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يمكن أن يرفع أسعار الفائدة في أواخر هذه السنة، شهد سعر صرف الدولار الأمريكي ارتفاعًا كبيرًا أمام العملات الرئيسة الأخرى. ومن المرجح أن يؤدي أي تحسن في الاقتصاد الأمريكي في الفترة القادمة إلى مزيد من الارتفاع في سعر صرف الدولار الأمريكي. كذلك فإن السلع، والتي تتأثر عكسيًا بسعر صرف الدولار الأمريكي، سوف تتعرض لضغوط بفعل ارتفاع الدولار. ولكن من جهة أخرى، يمكن أن تستفيد العملات الأضعف للدول المصدرة للنفط، ومنها روسيا على سبيل المثال.ونتيجة لاستمرار سياسة منظمة أوبك القائمة على عدم تغيير إنتاجها النفطي، بدأت الخلافات تظهر بين الدول الأعضاء، حيث طلبت الجزائر وأنغولا وفنزويلا وليبيا من المنتجين الآخرين خفض إنتاجهم. ومع تزايد احتمالات توقيع طهران على اتفاق نووي مع الدول الغربية بحلول نهاية هذه السنة، تعززت احتمالات زيادة إيران لإنتاجها النفطي، ويمكن أن تحث إيران دول أوبك على إعادة العمل بنظام الحصص، وبالتالي تتفاقم المواجهات مع المملكة العربية السعودية ويتزايد عدم الاستقرار في المنطقة. ويبين الرسم أدناه التأثيرات الكبيرة على أسعار النفط في الماضي نتيجة للأحداث الجيوسياسية.وتشكل عودة التوترات الجيوسياسية والعنف في سوريا والعراق خطرًا جديًا على استقرار المنطقة. كما يعتبر تزايد نفوذ الدولة الإسلامية وتوقف العمل في حقول النفط والموانئ في مناطق استراتيجية بمثابةٍ تحدٍ جدي يؤثر على الإنتاج النفطي في المنطقة. ويمكن أن تعود أسعار النفط إلى الارتفاع في حالة تصعيد النزاعات في المستقبل وتسببها في إلحاق أضرار بالبنية التحتية النفطية.
970x90
970x90