^ يعتقد باري بوزان، أحد أبرز المختصين في البحوث الأمنية، أن الأمن هو “العمل على التحرر من التهديد”. وفي سياق النظام الدولي، فهو “قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية”. بسؤال بسيط وطبقاً لتعريف بوزان ونظرته، في حالة دول الخليج العربي وإيران؛ من يريد العمل على التحرر من تهديد الآخر؟ بنظرة إلى الخلف؛ نرى أن هناك تجاوزات فارسية على كل الأعراف والقوانين الدولية وحق الجيرة فيما يتعلق بتعامل إيران مع دول مجلس التعاون،نأخذ منها كعينة؛ التدخل الإيراني الفاضح في الشأن البحريني وقبل ذلك في الكويت واليمن والمملكة العربية السعودية و الخ.... نرجع قليلاً إلى الخلف، حيث تم تأسيس مجلس التعاون على إثر توتر العلاقات العربية الإيرانية بعد ثورة 1979 والتي رافقتها حرب إيرانية عراقية وتهديد إيراني موجه نحو دول الخليج العربي، هنا يتضح لنا ملامح من يبحث عن الملاذ الأمن نتيجة تجاوزات الطرف الآخر. في الجانب الإيراني نرى أن ما بعد تسونامي الحرس الثوري التي اجتاحت السياسة والاقتصاد منذ سنوات، تم اقتلاع البرامج السياسية التي تتعلق بعلاقات إيران ودول الخليج العربي ومن ثم رميها في سلة المهملات. كانت هناك عدة تيارات وأفكار وبرامج متضاربة يعتقد أصحابها أنه لابد من مساهمة كل الأطراف المطلة على هذا البحر أن يؤدوا دورهم الأمني في إدارته. وتخالف هذه النظرة أطراف أخرى لها مقولة أخرى لإدارة أمن الخليج، حيث تعتقد هذه الأطراف أن المنافسة وأخذ المبادرة وزمام الأمور هو الحل الأنجع لصالح طهران. لكن سرعان ما جاءت “تسونامي” بقيادة المرشد وحطمت كل ما هو موجود من برامج عمل وركزت على أسلوب “الهيمنة” فيما يتعلق بأمن الخليج العربي، والتهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق مضيق باب السلام(هرمز) خير دليل على ذلك.( مع العلم أن تواجد برامج سياسية إيرانية للتعاون الأمني فيما يتعلق بإدارة أمن الخليج قبل مجيء أحمدي نجاد لا يعني أن الجارة الفارسية تحترم الجوار والقوانين الدولية وإنما هناك برامج وخططاً أخرى بموازات هذا العمل تجتاح دول الخليج بأشكال أخرى مستهدفة أمنها القومي). نرجع مرة أخرى إلى تعريف بوزان في مقولة الأمن ونستخرج من تعريف بوزان هذه الأسئلة؛ هل لدى الطرفين (إيران ومجلس التعاون) القدرة على الحفاظ على كيان ومستقبل بلدانهم وهل لدى هذه البلدان التماسك الكافي ضد قوى التغيير؟ (وأضيف أنا: من هي قوى التغيير ؟) خليجياً، هناك مشكلات داخلية على الساحة الخليجية تليها تعاطي دول مجلس التعاون مع الملف الإيراني والتساهل مع الأمريكان. على الساحة الداخلية الخليجية لم يستطع مجلس التعاون أن يمرر البنود المهمة التي تسير به نحو الوحدة وظل هذا المجلس إدارة غير قادرة على تنفيذ الكثير من بنود النظام الداخلي له، الأمر الذي إن تم تنفيذه لشهدنا اليوم كيف تعاملت أكبر دول العالم مع إدارة مجلس التعاون بشكل مختلف عما عليه الآن. إيرانياً، هناك عوامل عدة لاستفحال البعبع الفارسي أمام دول مجلس التعاون، أهمها؛ الجغرافيا والأيديولوجيا والتعدد العرقي. السيطرة الفارسية على الساحل الشرقي للخليج العربي الممتد على الضفة الشرقية وخليج عمان من أهم محطات انطلاق الاستراتيجية الإيرانية المعادية نحو دول الخليج. أضف إلى ذلك العامل الأيديولوجي المتمثل في تصدير الثورة والمترجم على أرض الواقع بالتوسع الفارسي باستخدام المذهب. العامل الثالث والهام أيضاً هو التعدد الإثني والقومي في إيران. تخوفاً من استخدام العامل الثالث(التعدد القومي) من قبل أي جهة كانت عجلة التحرك الفارسي تزيد تجاه الدول العربية حيث يقطن الضفة الشرقية للخليج العربي عرب أقحاح لهم تاريخ يمتد إلى مطلع فجر الحضارات في العالم واليوم هؤلاء لديهم مشروعهم وتطلعاتهم في حق تقرير المصير الأمر الذي يخيف طهران حيث المنطقة هي مصدر ما يقارب 80 بالمائة من الدخل القومي السنوي للدولة الفارسية. فامتداداً للضفة الأحوازية هناك الشعب البلوشي المضطهد من قبل الدولة الفارسية حيث تمتد سيطرة البلوش على ضفة خليج عمان بأكمله. ويرتبط البلوش ودول الخليج والأحواز بعلاقات ثقافية ودينية وتاريخية وطيدة الأمر الذي يخيف طهران أيضاً. وإلى جانب العرب والبلوش هناك شعوب أخرى كالشعب الازربايجاني والشعب الكوردي والتوركماني وقوميات أخرى كاللور في وسط إيران والجيلك في الشمال وقوميات أخرى تعاني من بطش الدولة الفارسية. فالتخوف الإيراني من التعدد القومي واللغوي والإثني الذي يشكل أكثر من 70 بالمائة من إجمالي سكان إيران يجعل طهران تتخذ سياسة هجومية تجاه دول الجوار وترمي كل إنتاجات علم العلاقات الدولية في سلة المهملات بغية حفظ الجغرافيا. زيادة على ذلك أن من هو معروف في سياسة الدول المارقة أن فشلها في معالجة القضايا الداخلية ومواجهة مشكلاتها يدفعها إلى المغامرات الخارجية بهدف توحيد الصف الداخلي والتغلب على الانقسامات الداخلية من ناحية، وبالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار من خلال إثارة القلاقل والاضطرابات بما يضمن لها توجيه التحركات وضبط إيقاع التفاعلات بما يتفق ومصالحها الاستراتيجة. وهو ما تسعى إليه إيران في سياستها تجاه دول المنطقة بصفة عامة ودول الخليج العربي على وجه الخصوص. نستخلص من ذلك أن الرؤية الإيرانية لأمن الخليج تنطلق من السعي إلى السيطرة والهيمنة على المنطقة وشعوبها مستغلة الاضطرابات وكل أشكال اللعبة القذرة بما فيها تهريب المخدرات إلى بلدان الخليج العربي، في المعسكر الخليجي نرى أن هناك مجاملات مع إيران والطرف الآخر(الولايات المتحدة). يبدو أنه على دول مجلس التعاون أن تفكر جيداً في الضفة الشرقية للخليج العربي وساحل خليج عمان وكيفية استخدام هذا القدر الكبير من الطاقة الاستراتيجية المحبوسة في هذه المنطقة. فحسب معرفتي بالفصائل المتبنية حق تقرير المصير للشعب العربي الأحوازي والشعب البلوشي أرى أن هناك استعداداً أحوازياً وبلوشياً للعمل المشترك ضد العدو المشترك. يبدو أنه اتضح هنا جواب آخر لأسئلة استخرجناها من تعريف بوزان لمقولة الأمن حيث لإيران قدرة التدخل في شؤون دول الخليج العربية وزعزعة الاستقرار، وفي المقابل لدى دول مجلس التعاون قدرة الخلاص النهائي من تدخلات إيران بدعم حق تقرير مصير الشعب العربي الأحوازي والشعب البلوشي وكذلك بمطالبة الولايات المتحدة باتخاذ موقف شفاف ورادع وصارم تجاه إيران وتطلعاتها التوسعية على حساب العرب. إذن قوى التغيير (في تعريف بوزان) وتحديداً في حالة إيران ودول الخليج العربي ممكن تغييرها واستخدامها لصالح المصالح العربية حيث تتغير اللعبة من لعبة خليجية إيرانية إلى لعبة جديدة بعنوان( أحوازية -إيرانية وبلوشية -إيرانية) شريطة أن كل الأطراف المعنية تكون متساوية الأسهم في التخطيط والبرمجة والأداء، فحسب ما هو معروف لدينا من القوى الأحوازية والبلوشية أن هناك حسابات ورؤى مختلفة فيما يتعلق بالخلاص النهائي من إيران وعلى دول الخليج العربي أن تستدرك الأمر قبل فوات الأوان وصول قافلة الفرس إلى البر العربي المطل على الضفة الغربية.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}