في مشهد مهيب اختلطت فيه الدموع مع مشاعر الفخر والعز والكبرياء، شيعت الجموع من شعب البحرين أمس شهداء قوة الدفاع البواسل الذين استشهدوا مع أشقائهم وهم يؤدون الواجب الوطني المقدس ضمن عملية «إعادة الأمل» باليمن الشقيق، وذلك إلى مثواهم الأخير بمقبرتي المحرق والرفاع اللتين امتلأتا عن آخرهما، وفاضت أسوارهما بالمشيعين الذين وفدوا من كل محافظات المملكة، وشاركوا أهالي الشهداء والمملكة بأسرها فرحتهم بشهادتهم وجنات الخلد التي يحتسبونها عند الله مستقرا لهم.
مقبرة الحنينية
ففي مقبرة الحنينية بالرفاع، تقدم موكب التشييع المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين وبرفقته سمو العميد الركن الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة قائد الحرس الملكي وسمو الرائد الشيخ خالد بن حمد آل خليفة قائد قوة الحرس الملكي الخاصة، وعدد من كبار المسؤولين وضباط قوة الدفاع والحرس الوطني.
وأكد سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة: «طالما نحن نقف مع إخواننا كتفاً بكتف في هذه المعارك، فإن النصر قريب بإذن الله وليس ببعيد»، مشيداً بـ«مشهد التلاحم والتعاضد من قبل شعب البحرين خلال تشييع جثمان الشهيد «عبد المنعم على حسين»، وقال «إن هذا هو الواجب الوطني بأروع صوره ومعانيه، حيث يقدم شهداء الوطن نموذجاً لفخر وعز البحرين وأيضاً لضباط المملكة من خلال مشاركتهم في المعركة مع إخوانهم من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات»، مضيفاً «أن شهداء البحرين هم فخر لكل الشعب البحريني، وشرف لقوة دفاع البحرين أن تكون في مقدمة الخطوط دفاعاً عن حدود وأمن واستقرار أشقائها»، وشدد على «أن هذا المشهد لن يزيدنا إلا عزيمة وإصراراً على أن نبقى أقوى وأكثر تكاتفاً وإن شاء الله النصر قريب». من جهته، أكد وزير شؤون الإعلام عيسى الحمادي «أن شهداء الواجب قدموا أرواحهم الطاهرة في خدمة الوطن وسطروا أروع الملاحم، وتاريخ البحرين سيسجل أسمائهم بحروف من نور، داعياً لهم الله عز وجل بالمغفرة وأن يتقبلهم شهداء عنده في الفردوس الأعلى من الجنة».
وقال محافظ الجنوبية الشيخ عبدالله بن راشد آل خليفة «إن هذا اليوم شرف لكل من خدم الوطن، وتأكيد على وقوف دول مجلس التعاون مع بعضها البعض في محاربة كل ما يهدد أمنها وأمن المنطقة ككل»، مؤكداً أن «ما حدث يحزننا جميعاً، ولكنه شرف للشهداء ولكل شعب البحرين»، وأضاف «إنه من خلال وقفة دول مجلس التعاون الواحدة والمتضامنة في هذا المصاب، سنتمكن من اجتياز تلك المرحلة،» مضيفاً أن هناك تحديات تواجه أمن الوطن العربي كله ومختلف أرجاء العالم وليس منطقة الخليج فحسب».
بدوره، قال إمام وخطيب جامع الغتم الشيخ صالح عبدالكريم «إنه بقدر الحزن والألم الذي أصابنا في فقد إخواننا شهداء الواجب، فإننا في نفس الوقت نفرح ونستبشر بهؤلاء الشباب المجاهدين الذين لبوا نداء الوطن ولبوا نصرة المظلوم، ونفتخر بمثل هؤلاء، وهم بإذن الله تعالى شهداء ولهم كرامة عظيمة». واستطرد قائلاً «إن الشهيد «عبدالمنعم علي حسين» كان رجلاً صالحاً ومن أسرة طيبة ونحسبهم على خير، فقد عرفناه ووالده من الأخيار الأطهار، وأسال الله عز وجل أن يتقبله من الشهداء، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأن يوفق بقية رجال الوطن من الجيش والحرس وغيرهم للذود عن الوطن وعن المظلومين»، مشيراً إلى أن «مواقف شعب البحرين دائماً مشرفة وتدل على التلاحم الكبير». وأضاف «إن هذا المشهد الذي رأيناه منذ الصباح والزحام الكبير يشير إلى أن الكل يحرص على الحضور والصلاة على روح الشهيد بإذن الله تعالى، وأن التلاحم هذا سواء من الجيش أو الحرس الوطني أو رجال الدين والشعب عامة يدل على كريم معشر هذا الشعب المبارك وتلاحمه وتجاوب بعضهم البعض سواء في السراء أو الضراء».
وقال والد شهيد الوطن «عبدالمنعم علي حسين» «إنه تلقى خبر استشهاد ابنه بمزيج من الفرحة والحزن، ففي الوقت الذي فقد فيه أعز الأشخاص إلى قلبه، ولكنه استشهد في المعركة دفاعاً عن تراب المملكة العربية السعودية وتراب أرض البحرين»، مضيفاً «أن ابنه كان يطلب تلك المنزلة وقد نالها بفضل الله تعالى، فابنه ابن لكل البحرينيين»، سائلاً المولى جل وعلى أن يتقبله من الشهداء ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء.
مقبرة المحرق
وفي مقبرة المحرق ووسط جموع غفيرة من المواطنين وذوي الشهداء والمقيمين، شيعت المملكة بأسرها شهداء الواجب، يتقدمهم المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين، بمشاركة الرائد سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة قائد قوة الحرس الملكي الخاصة، ووزير الدولة لشؤون الدفاع يوسف الجلاهمة ومحافظ المحرق سلمان بن هندي وعدد من المسؤولين وقيادات الدولة وضباط وجنود قوة دفاع البحرين، وأعضاء من مجلسي النواب والشورى ورجال دين.
وصرح سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة خلال مراسم التشييع «إننا كقوة وكرجال قوة الدفاع متمسكين بمبادئنا في الدفاع عن وطننا وأمتنا إن شاء الله النصر قريب، وتحدث سموه عن الشهداء البواسل وقال «خدمت معهم لـ8 سنوات والعمل مع هؤلاء الرجال شرف ولا يمكن وصف مدى تقديري لهم ومواساتي لأهاليهم» وحول تخصيص يوم للشهيد قال سموه «هو تقدير واجب ومستحق لهؤلاء الرجال الذين بذلوا أرواحهم فداء لوطنهم وأمتهم وإن شاء الله منزلتهم في الجنة وعند الله سبحانه وتعالى أكبر وأعلى».
من جانبهم أعرب المشيعون عن تقديرهم لرجال قوة دفاع البحرين الذين يحمون أرض الوطن ضمن قوة التحالف العربي، وعبروا عن فخرهم باستشهاد جنود البحرين البواسل أثناء تأدية واجبهم المقدس ضمن عملية إعادة الأمل في اليمن الشقيق، معتبرين بأنه مصدر فخر واعتزاز لكل بحريني وخليجي وعربي.
وأكدوا بأن استشهاد أبناء الوطن في معارك العزة والشرف والكرامة، قد كتب بمداد من نور، وسيظل التاريخ يذكر هذا اليوم بالمزيد من الفخر والاعتزاز، داعين الله العلي القدير أن يحفظ رجال قوة دفاع البحرين في حلهم وترحالهم، وهم يخوضون معارك البطولة والفداء، مؤكدين بأن حماية الأوطان شرف عظيم لكل بحريني تربى على هذه الأرض، وبأن البحرين ودول الخليج العربي والأمة العربية ستبقى عصية على كل الأعداء مهما بلغت قوتهم. يذكر أنه منذ الصباح الباكر، اكتظت مقبرة المحرق والمناطق المجاورة لها بالمشيعين في مشهد غير مسبوق، وقد كان مشهد تواجد أسر الشهداء وأمهات وأخوات الشهداء وذويهم مشهداً يستعصى على التعبير، حيث رفعوا الأكف بالدعاء للشهداء، وظهرت علامات الصبر والجلد في عموم أهل الشهداء الذين لقوا ربهم في أشرف الميادين وأعظمها مكانة عند الله.