6 مليارات دولار كلفة مليوني نازح بتركيا والدعم الدولي 500 مليون
72 ليرة تركية لكل لاجئ يعيش في المخيمات
250 ألف سوري في مخيمات اللاجئين بتركيا
4 ملايين مواطن سوري يُعانون آثار اللجوء والتشريد
أم أحمد: نريد منطقة آمنة داخل بلدنا
أم ريماس: الجميع يعمل بمبدأ من ليس معي فهو ضدي
السوريون خارج المخيمات ليسوا أفضل حالاً ممن في الداخل
«آفاد»: المبالغ المقدمة كدعم من الدول الأخرى ليست كافية
مسؤول «آفاد»: الأمن مستتب والسوريون يحاولون العيش فقط
زيجتان كل شهر ومجلس عزاء أسبوعياً وبالمخيم يعيشون في سلام
في المخيم محل للتسوق ومكان لممارسة الرياضة وقاعة للأفراح والمناسبات
كتب - حذيفة إبراهيم:
«من لا يريد العودة إلى منزله»، كلمات رددها مسن التقاه الوفد الصحافي البحريني إلى تركيا بمخيم «نازب2»، فاق عمره الـ 70 عاماً، وهو متطوع داخل المخيم في تصليح المصاحف الممزقة أو المهترئة، وقال «نحن نعامل هنا بشكل جيد، سواء إدارة المخيم أو الناس، ولكننا نريد العودة إلى منازلنا، نريد العودة إلى سوريا»، والمحظوظون من الذين نجوا من القتال في سوريا، هم الذين يصلون إلى تركيا.
ومنذ اندلاع الثورة السورية، يعاني أكثر من 4 ملايين مواطن سوري بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، من آثار اللجوء والتشريد بين الدول، أو حتى في الداخل السوري، فيما يزيد وجود الأطفال من المأساة والمعاناة بين اللاجئين السوريين.
ويعيش في تركيا حالياً بحسب منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، أكثر من مليوني لاجئ سوري، يقطن 250 ألفاً منهم في المخيمات في مختلف المناطق التركية الحدودية مع سوريا، فيما ينتشر الباقون ليواجهوا مشاق الحياة في مختلف المدن، إلا أن العديد منهم لجأوا إلى اسطنبول.
وبحسب مسؤولين أتراك، ومنظمة «أفاد» فإن اللاجئون في تركيا كلفوا الدولة التركية أكثر من 6 مليارات دولار، فيما لم يتجاوز الدعم الدولي، ودعم المنظمات غير الحكومية الدولية أكثر من 500 مليون دولار، وتكفلت تركيا بباقي تلك المبالغ، مشيرين إلى أنهم مستمرون في دعم اللاجئين مهما كلفهم الأمر. وتمنح الحكومة التركية أرباب الأسر اللاجئة في المخيمات بطاقة ائتمانية، يتم تحويل مبلغ 72 ليرة تركية «9 دنانير بحرينية» مقابل كل شخص في العائلة، ويتم وضعها في حسابهم شهرياً، ومن خلالها يستطيع كل شخص أن يشتري احتياجاته من المحلات الموجودة داخل المخيم، والاستفادة من بعض الخدمات غير المجانية.
«الوطن»، زارت برفقة الوفد الصحافي البحريني في تركيا، مخيمات اللاجئين في منطقة «غازي عين تاب» التركية الحدودية مع سوريا، وتحديداً مخيم «نازب 2» والذي يعتبر أفضل المخيمات التي استقبلت اللاجئين السوريين في تركيا ويضم قرابة الـ 900 كبينة مؤقتة، تحوي أكثر من 5 آلاف لاجئ سوري، إضافة إلى زيارات أخرى لمسؤولين في منظمة «أفاد».
وقال اللاجئون السوريون في تركيا، إنه ورغم الخدمات المقدمة لهم إلا أن بلدانهم تبقى هي الأفضل، فيما يعتبر اللاجئون في المخيمات أفضل حالاً أحياناً من الذين في خارجها.
الهروب إلى الأمان
الناجون من القتال في سوريا، لم يجدوا بداً من الهروب إلى إحدى دول الجوار، والمحظوظون منهم يصلون إلى تركيا، كونها أكثر الدول التي تقدم خدمات للاجئين السوريين، والذين يضطرون إلى السير لمسافات طويلة تتجاوز عشرات الكيلومترات أحياناً في تضاريس معقدة، لحين وصولهم إلى أأمن المناطق مع الحدود. وما أن يصل النازحون إلى أحد المخيمات، حتى تبدأ إجراءات التسجيل الرسمية، والتي أصبحت بحسب مسؤول مخيم «نازب 2» مصطفى، من خلال نظام متطور، تقرر فيه منظمة «أفاد» والتي مقرها في أنقرة، إلى أين تذهب تلك العائلة، وما هي المخيمات الجاهزة لاستقبالهم، حتى يتم نقلهم إلى هناك.
وبعد استقبال العائلة من قبل المخيم، تبدأ إجراءات الفحص الطبي وغيرها، ومن ثم تسجيل الأطفال في المدرسة التابعة للمخيم، والتي تضم كافة الصفوف منذ الروضة وحتى المرحلة الثانوية.
اللاجئون يخضعون أيضاً إلى قوانين داخل المخيم، ولا يمكنهم الخروج إلا بتصريح خاص من إدارة المخيم، ويكون لمدة وقتية، ومن يقرر منهم ترك المخيم، تنقطع عنه تلقائياً المعونة المقدمة من الحكومة التركية.
حياة صعبة
وتحدث اللاجئون الذين التفاهم الوفد الصحافي البحريني عن معاناتهم في داخل سوريا وبعد اللجوء، إذ قالت المعلمة في مدرسة مخيم «نازب 2»، إن خروجها من سوريا إلى تركيا كان بعد قصف قوات الأسد لمنزلهم، وتهدمه بالكامل. وبيّنت أنها تعمل كمعلمة صف في الروضة بمدرسة المخيم، وهي تدرس قرابة الـ 50 طفلاً على الأغاني والأحرف والأرقام باللغة العربية والتركية، بعد أن تعلمت هي بدورها تلك اللغة في المخيم.
وتابعت، أنا أعمل هنا، وأحصل على قرابة 150 دولار أجراً مقابل تدريسي للاجئين، رغم أنني أقطن في ذات المخيم.
وأشارت لاجئة أخرى، إلى أنها تقطن في المخيم منذ سنتين ونصف، وهي محظوظة كونها لم تصل بالتهريب، وإنما من خلال الطرق القانونية.
فيما قالت معلمة أخرى، كانت تدرس التركية، إنها وصلت بالتهريب إلى الحدود، عن طريق أحد عناصر الجيش الحر، إذ أن القصف ووجود فصائل متعددة على الطريق، تصعب من مهمة وصولهم إلى بر الأمان، أو حتى تجوالهم داخل المدينة.
أما أم أحمد، والتي تعمل في مشغل خياطة داخل المخيم، فرفضت في البداية الحديث قائلة، «لا نريد التصوير، كل الوفود الذين قدموا إلى المخيم لم يعيدونا إلى بلداننا، ولم يتغير شيء، لا نريد التصوير أو الحديث»
ثم تابعت، نريد منطقة آمنة داخل بلدنا، لا نريد أن نبقى هنا، أمي وأولادي في سوريا، وأنا أريد الذهاب إليهم، وانادي بالمنطقة العازلة هناك، وأطالب الدول بأن تساعد فيها.
وصادفنا المشرف على مسجد المخيم، وهو شخص مقعد يدعى ديبو محمد، والذي أشار إلى وجود 600 طالب ذكور، و350 طالبة إناث، ويحفظونهم القرآن، سواء القراءة العربية الصحيحة، أو ختم القرآن، وتخرج إلى الآن 4 حفاظ من المسجد.
وتابع «بالنسبة للكبار، لدينا دورات محو الأمية، وتحفيظ القرآن، وقراءته، وغيرها من الدورات الأخرى المطلوبة، وهي مخصصة للكبار والمسنين.
أما المعلمة أم ريماس، فتحدثت عن المشكلة الأساسية في الخروج من سوريا قائلة، «الجميع يعمل بمبدأ من ليس معي فهو ضدي، سواء قوات النظام أو جبهة النصرة أو داعش أو غيرها، ونحن لا نستطيع التحرك بسهولة ويسر، وإلا تعرضنا للقتل».
السوريون خارج المخيم
السوريون خارج المخيمات ليسوا بأفضل حالاً ممن في الداخل، وقد يكونون في بعض الأحيان بحال أسوء، إذ يعمل البعض منهم في المقاهي والمطاعم، خصوصا الأطفال كندلاء، ويتقاضون أجور تتراوح بين 100 – 150 دولار، فيما يلجأ من لم يستطع العمل منهم إلى سؤال الناس في قارعة الطريق، وهو الأمر المنتشر كثيراً في ميدان «تقسيم» وسط اسطنبول.
أما مصطفى العقاد، وهو طفل سوري من حلب، يعمل كنادل في أحد مقاهي مدينة غازي عانتاب، فأشار إلى أنه يعمل براتب 300 ليرة تركية، 40 دينار بحريني، في الشهر، ويعيل أسرته التي هربت من القتال في سوريا.
وأشار إلى أنهم كانوا يملكون مصانع في سوريا، إلا أنها تدمرت جميعاً جراء الحرب، ولا يستطيعون إعادتها، واضطروا للخروج من حلب، والعيش كلاجئين في تركيا، إلا أنهم خارج المخيمات.
وقال «المشكلة في سوريا أننا لا نأمن على أنفسنا، الفصائل المتناحرة لا تعطينا مجالاً للعيش، ومن ليس معها فهو ضدها، كما أنهم لا يمكنهم العيش سوياً، ويقتلون كل من ينتمي أو يناصر الفصيل الآخر، أو حتى من يحسبونه عليه.
وتابع، تركت مدرستي، ولم التحق بأي مدرسة هنا، كان طموحي أن أكمل تعليمي، ولكن الظروف لم تشاء، أتمنى لو تعود سوريا، ونعود إلى مقاعدنا الدراسية.
الأمر ذاته لزميله في المقهى، والذي هرب من إحدى المدن السورية، تاركاً وراءه جامعته التي لم يستطع الذهاب إليها منذ أكثر من عامين، ويعمل حالياً كنادل في المقهى لحين استقرار الأمور، وعودته إلى مقاعده الدراسية.
الخدمات
وفي لقاء مع منظمة آفاد «التركية»، أشار عضو مجلس إدارتها للوفد، إن المشكلة التي تواجههم في كون المبالغ المقدمة كدعم من الدول الأخرى، ليست كافية، وأن اللجوء لا زال مستمراً من سوريا إلى تركيا.
وقال إن أكثر من 6 مليارات دولار، تكلفة اللاجئين السوريين حتى الآن في تركيا، لم تساهم الدول والمنظمات بأكثر من 500 مليون دولار فقط فيها، وأنها لازالت تنفق من الميزانية لتوفير أجواء العيش الآمنة وأقل ما يمكن للبشرية استخدامه.
وأوضح أن توفير المعيشة والمشاكل الصحية، والتعليم هي من أكثر ما يستنزف تلك الميزانيات، وهي من أولويات الحياة بالنسبة للبشر، ولا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال. ويوجد في تركيا أكثر من 22 مخيم، إذ يوجد في منطقة أضنا مخيم يضم 10 آلاف لاجئ بسعة 2140 خيمة، وفي منطقة اديامان 2292 خيمة، إضافة إلى المخيمات في مناطق نازب الحدودية مع سوريا.
وتابع، نقوم بتلك الجهود لوحدنا، الدعم غير موجود، والحكومة التركية هي من تكفلت، ولا زالت متكفلة انطلاقاً من مسؤوليتها تجاه دول الجوار. أما مسؤول مخيم «نازب 2» مصطفى، فقد أشار إلى أن تلك المخيمات توفر كافة الخدمات الأساسية للاجئين، كما يتم خلالها التواصل الاجتماعي، وعقد الزواجات، وتوفير قاعة للأفراح والأحزان، وهي تفتتح في المناسبات. وتابع، نقدم كل ما بوسعنا، حتى الموتى، نخير عائلته بين دفنه في تركيا متكفلين بكافة مصاريفه، أو إرساله لسوريا، وحينها تنتهي مهمتنا بوصول جثمانه إلى الحدود. وبيّن أن لا مشاكل تذكر في المخيمات، وتحديداً المخيم الذي يديره، فالأمن مستتب، والسوريون يحاولون العيش فقط. وقال إن المخيم به محلاً للتسوق باستخدام البطاقة، ومكاناً لممارسة الرياضة، وقاعة للأفراح والمناسبات، إضافة إلى قاعات اجتماعية، يوجد فيها مكتبة، ويتم تعليم بعض الحرف اليدوية للاجئين من خلالها، إضافة إلى مدرسة وروضة، ومشغل للخياطة.
وبيّن أن اللاجئين يعالجون بالمستوصف الصحي في المخيم، وفي حال تطور الحالة، يتم إرسالهم إلى مستشفى منطقة «نازب»، وفي حال عدم استطاعتهم المعالجة، يتم إرسالهم إلى المستشفيات الأخرى في المدن القريبة أو حتى العاصمة، بحسب الحالة وتطورها.
وقال «لدينا بمعدل زيجتين كل شهر، وتقريباً مجلس عزاء أسبوعياً، الجميع هنا متواصل، وهم يعيشون بسلام».
بصيص أمل
الأطفال هي أكثر فئة متضررة من اللجوء، فكونهم لا يدركون ما يدار حولهم أمر يصعب المهمة، إلا أن الأطفال في مخيمات اللاجئين أفضل حالاً من اللذين في خارجها، فهم يتلقون التعليم في المدرسة، وباللغتين العربية والتركية.
كما أنهم يعطون بصيص أمل للحياة، فترديدهم للأغاني، والأناشيد، ورسوماتهم المفعمة بالألوان، والحب، تساعد ذويهم على تكبد مشاق الحياة سواء في الداخل أو الخارج.
أما الأطفال خارج المخيمات، ورغم توفر المدارس، إلا أن العديد منهم يوجد متسولاً في الشارع، ويتعرض أحياناً إلى سوء المعاملة سواء من السياح أو من اللاجئين الآخرين، وحتى من بعض المواطنين الأتراك.