^  في جولة دبلوماسية شارك فيها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي بن عبدالله في حواره الذي نشرته الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 29 مارس 2012، قارئ صحيفة “البيان” الإماراتية، كشف بن علوي عن رؤية الدبلوماسية العمانية للكثير من القضايا العربية الساخنة، فبدأ بتشخيص الأوضاع في سوريا، وعرج على الحالة الليبية، ثم تناول المشكلة اليمنية، كي يصل إلى الملف النووي الإيراني، لكن يتوقف مطولاً عند اقتراح خادم الحرمين العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، الداعي لضرورة تحول مجلس التعاون من حالته التنسيقية إلى المستوى الاتحادي. يلخص بن علوي رؤيته لفكرة الاتحاد الخليجي قائلاً “لو لم يكن لدينا مجلس التعاون لقلنا إن هذه الفكرة يمكن أن ندرسها.. لكن، الآن لدينا كيان له آلياته، وقوانينه وحقّق الكثير من الأشياء. فكرة الاتحاد غير مفهومة بالنسبة لنا.. هي فكرة نبيلة في مجملها، وربما تحدث في غير هذا الزمان ونكنّ لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلّ تقدير، ونرى فيه الزعيم العربي الصادق في مواجهة مشاكل الأمة العربية، وهو بالتأكيد يقصد الخير.. ولكن هناك أشياء غير مفهومة من حيث التطبيق والآليات، ولا من حيث الحاجة أو الإيجابيات أو السلبيات. الاتحاد بكل ماله من تطلّعات، ليس في منطقتنا فقط بل في كل العالم العربي، لايزال فكرة.. ولكن مجلس التعاون كيان قائم”. حملت إجابة الوزير العماني الكثير من الواقعية التي، يبدو أنه استقاها من خبرته الغنية في مجال العمل السياسي، وتعود إلى احتكاكه بالمؤسسات الدبلوماسية العربية والدولية، منذ أن كان طالباً على مقاعد الدراسة في القاهرة، وكان حينها يتولى، أيضاً، إدارة مكتب “جبهة تحرير ظفار”، وتستمد “براغماتيتها” من المزج بين مرحلة “ظفار” القصيرة، وحقيبة وزارة الخارجية التي تشارف على إطفاء شمعة النصف قرن. في البدء لابد من التأكيد على أن هذا التباين في رؤية القادة الخليجيين لمجلس التعاون فيها الكثير من الإيجابية لأسباب ثلاثة، أولها أن أياً منها لا يعكس نوايا تفكر في التضحية بما هو قائم، أو حتى مجرد عرقلته أو التراجع عما أنجزه، وهو ما أكد عليه بن علوي ذاته، حين شدد على أن “مجلس التعاون كيان قائم”، وثانيهما أن الطريقة التي يدير فيها القادة الخليجيون ذلك التباين في وجهات نظرهم من واقع مجلس التعاون، تتحلى بالقبول بالآخر، الأمر الذي يشيع التفاؤل في صفوف مواطني المجلس ممن يخشون عليه من مصير انهيار مماثل عرفته، بسبب الخلافات الرسمية العربية، تجارب “اتحادية عربية” خلال نصف القرن المنصرم، أحدها في المشرق وأخرى في المغرب العربيين، وثالثهما أن في حديث المسؤول العماني، دعوة مبطنة للمواطن الخليجي، كي يمارس دوره المسؤول في تعزيز المسيرة الخليجية كي تنتقل إلى حالات أكثر رقياً عما هي عليه الآن. يثير حديث المسؤول العماني الكثير من القضايا ذات البعد الاستراتيجي التي تستحق التوقف عندها ومناقشتها بعمق وهي: أول تلك القضايا، هي أن أي تغير يمكن أن يطرأ على الحالة السياسية الخليجية، وبفضل الثقل الاستراتيجي الدولي الذي تنعم به دول “المجلس”، لا يمكن أن يكون محض محلي، بل هو محصلة تفاعل قوي بين ثلاثة عوامل: أولها محلي، وثانيها إقليمي، وثالثها، وهو في غاية الأهمية، دولي. هذا لا يعني تقزيم العامل المحلي، لكنه بالقدر ذاته يدعو للأخذ في الحسبان دور العاملين الآخرين: الإقليمي والدولي. ثانيها، هي تلك الزاوية الحادة التي ينبغي النظر من خلالها إلى الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية، وأثارت تساؤلات حصرت نفسها في طبيعة العلاقة القائمة بين المواطن العربي بالسلطات القائمة، لكنها لم تتناول علاقة أي من تلك السلطات بالمؤسسات الإقليمية العربية، مثل جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي من جهة، وعلاقة المواطن العربي، المباشرة أو غير المباشرة، بتلك المؤسسات. فأي تغيير، بغض النظر عن اتجاهه، يستتبعه منطقياً تغيير موازٍ آخر للعلاقتين اللتين نتحدث عنهما. ثالثها، هو الدور الذي يفترض أن يمارسه المواطن الخليجي، تجاه “مجلس التعاون الخليجي”، والخطوات التي يفترض اتخاذها من أجل تطوير مسيرة هذا “المجلس”، وهي ذات شقين: الأولى فردية، والمقصود بها المسؤولية الشخصية الملقاة على عاتق كل مواطن، لضمان تقدم “المجلس”، والحؤول دون تراجعه. أما الثانية فهي ذات طابع مؤسساتي، وتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني الخليجية التي مايزال حضورها ضعيفاً، بل وشكلياً في أحيان كثيرة. وينبغي التشديد هنا على أن المقصود بهذه الأخيرة المنظمات المدنية المشتركة للمهندسين والأطباء والمرأة.. إلخ، وليست تلك الرسمية المنبثقة من الوزارات، مثل المجالس النوعية والمراكز المتخصصة التي أنشأتها حكومات الدول الخليجية، دون التقليل من أهمية هذه الأخيرة، بل والحاجة الماسة لها، والمسؤولية التي تقع عاتقها. فالمجلس بحاجة لهما معاً كي تكون خطواته منتظمة، لا عرجاء. رابعها، هي المهمة المناطة بالسلطات التشريعية، ويقع على عاتقها مسؤولية من الخطأ تقزيم الدور الذي بوسعها القيام به، حتى تلك التي ماتزال صلاحياتها محدودة، ويراها البعض منا مجرد هياكل شكلية تجميلية مشلولة الإرادة، لكنها، في الحقيقة، ماتزال قادرة على إنجاز بعض التقدم، فيما لو استخدمت هامش الصلاحيات الضيق المتاح لها. بل ربما تحاول تلك التي بين يديها صلاحيات أوسع من الأخرى أن تمارس دوراً في توسيع تلك الهوامش الضيقة التي تقلص من صلاحيات شقيقاتها. بقدر ما شكلت دعوة الوزير العماني نزوعاً نحو التريث والسير ببطء لكن بثقة نحو الاتحاد نظرة واقعية، مثلت دعوة العاهل السعودي نظرة مستقبلية طامحة تضع المواطن الخليجي ومنظماته المدنية، قبل الحكومات، أمام تحدٍ حقيقي، كي يحثان خطاهما سوية، للانتقال التدريجي المدروس من الحالة التنسيقية إلى الحالة الوحدوية. وربما آن الأوان كي يبدأ الجميع، حكومات ومواطنون، مسيرتهم لتعزيز ما هو قائم، والسير بثقة في اتجاه ما هو طموح، وليس أمنية.