بقلم: أحمد الشيخ الفضالة*
في مثل هذا الشهر منذ خمسة وعشرين عاماً وبالتحديد يوم الجمعة الموافق 7 سبتمبر 1990م، صعدت روح الوالد الشيخ عبدالله بن ناصر الفضالة إلى بارئها الرحمن الرحيم بعد اشتداد المرض عليه الذي صاحبه في العشر السنوات الأخيرة من عمره المبارك صابراً محتسباً.
ولد الشيخ عبدالله في مدينة المحرق سنة 1918م، وتوفي والده «ناصر» وهو لم يتجاوز عامه الأول، فذاق مرارة اليتم منذ ريعان طفولته، ونشأ عصامياً في كنف والدته «فاطمة» رحمها الله. عاش حياة الفقر كأغلب أقرانه في ذلك الزمن، وتلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب عند «المطوع»، وألقى الله في قلبه حب العلم والتعلق بالمسجد منذ طفولته، فنشأ محباً للعلم الديني، وتلقى تعليمه الديني على يد الشيخ عبداللطيف بن علي الجودر (1296-1366هـ) رحمه الله.
وجد نفسه وهو في ريعان الصبا مسؤولاً عن إعالة والدته،، فاضطرته ظروف المعيشة الصعبة للعمل في صيد البحر، حيث تعلم السباحة وخوض البحر على يد المرحوم «محمد المنصور الفضالة» غفر الله له، وهو زوج شقيقته الوحيدة «هيا» رحمها الله، ولما أصبح شاباً، واشتد ساعده دخل في حملات الغوص والتي كانت هي مصدر الرزق الرئيس في ذلك العصر، كما عمل في ذلك الوقت أيضاً حائكاً للملابس.
ومن شدة شغفه بالعلم الشرعي هاجر إلى الإحساء والتحق برباط الشيخ محمد بن أبي بكر، ومكث في الإحساء 4 سنوات لتلقي العلم الفقهي والشرعي على يد الشيخ محمد بن أبي بكر رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وأدى فريضة الحج أثناء فترة دراسته تلك.
ولما عاد للبحرين عين إماماً في أحد مساجد المحرق الواقع وسط السوق. وفي عام 1953م قررت حكومة البحرين ابتعاث مجموعة من طلبة العلم المجتهدين والمميزين إلى جامع الأزهر الشريف في قاهرة المعز، وكان الشيخ عبدالله من ضمن المجموعة التي رشحت واختيرت لتكون أول بعثة تخرج من البحرين للدراسة بالأزهر، وذلك بتشجيع من الوجيه والتاجر المعروف «الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب الزياني» رحمه الله وغفر له.
تزوج الشيخ عبدالله وهو ابن الثامنة عشر من عمره قبل هجرته للدراسة بالإحساء، وأنجب من الأبناء: منيرة، محمد، وأمينة رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه.
كانت البعثة الأولى التي غادرت البحرين تضم إضافة له كل من المشايخ: يوسف الصديقي، أحمد المطوع، راشد البوعينين، ثم التحق بهم فيما بعد الشيخ محمد بن عبداللطيف آل سعد رحمهم الله جميعاً.
استغرقت دراسته بالأزهر الشريف مدة 5 سنوات إلى أن نال الإجازة (الشهادة) العالمية عام 1958م وكان شيخ الأزهر في ذلك الوقت هو فضيلة العالم الجليل الشيخ محمود شلتوت، عليه رحمة الله، والذي تشرف الشيخ عبدالله بتلقي العلم على يديه. وأثناء إقامته بالقاهرة تزوج بالسيدة المصون منيرة أطال الله في عمرها.
كان رحمه الله زاهداً، منفقاً، محباً للخير، وأذكر أنه كان يأتي لزيارته سنوياً شيخان فلسطينيان من بلاد الشام، وكان يجود عليهما بما تطيب به نفسه، وكان ينصح أبناءه دوماً في حلهم وترحالهم بتقوى الله والمحافظة على الصلوات الخمس وعدم تضييعها في كل الظروف وكذلك بالمحافظة على سائر العبادات. ومع ظروف معيشته القاسية ومظهره الخارجي الذي يوحي بالشدة إلا أنه كان حنوناً عطوفاً على أهل بيته، وأبنائه، وبحكم طبعي الشخصي الهادي القريب من صفاته رحمه الله كان يعاملني كصديق، وأوجد في نفسي الثقة بالنفس في عمر مبكر، ولا أنسى موقفه عندما حصلت بعد تخرجي من الثانوية العامة عام 1973م على بعثة دراسية للدراسة في العراق، ومع تشجيعه لي، وإظهار تماسكه وجلده، إلا أنه كان يبكي سراً بينه وبين نفسه حزناً على فراقي له، لدرجة أنه لما قرب سفري لم يتمالك نفسه وبكى أثناء إمامته للصلاة في مسجد الغاوي بالمحرق.
وبحكم عمله الطويل -لمدة تزيد على 25 عاماً- في القضاء الشرعي كان كثيراً ما يلجأ أليه الأزواج والعوائل عندما يحصل بينهم خلاف، ويقوم بالإصلاح فيما بينهم في مجلسه الخاص الذي كان يعقده يومياً في بيته، دون اللجوء للمحكمة، وبالإضافة لعمله قاضياً كان إماماً راتباً في مسجد الغاوي بمدينة المحرق، كما تولى الخطابة وإقامة صلاة الجمعة في عدة مساجد بالبحرين. وكان يحرص في شهر رمضان من كل عام على تقديم درس بعد صلاة العصر يومياً، يتناول فيه الهدي النبوي ومشاكل الحياة.
من أصدقائه المقربين الوجيه الشيخ عبدالرحمن الزياني، الشيخ يوسف الصديقي، الشيخ محمد بن عبداللطيف آل سعد، ومن رواد مجلسه اليومي الشيخ حسن شويطر، عبدالرحيم روزبه، سلمان بن عجلان، عيسى الكويتي، عبدالرحمن، ومحمد سيادي وعيسى الزياني رحمهم الله أجمعين، وكذلك من أصدقائه ورواد مجلسه اليومي الوجيه محمد بن إبراهيم كمال، والأستاذ محمد يعقوب المفتاح أطال الله أعمارهم.
• وهنا محطات من حياته وأثره:
1. نشأ يتيماً عصامياً، وعمل في شبابه في صيد البحر، كما التحق بالغوص، وعمل بالحياكة.
2. درس الفقه المالكي في الإحساء على يد الشيخ محمد بن أبي بكر لمدة 4 سنوات.
3. كان ضمن أول دفعة من طلبة البحرين المبتعثين للدراسة بالأزهر الشريف 1954-1958م.
4. حصل على شهادة الإجازة الأزهرية العالمية عام 1958م.
5. عمل بعد تخرجه مدرساً بمدرسة عمر بن الخطاب (الشمالية) بالمحرق، ثم انتقل للتدريس بالمعهد الديني.
6. عين قاضياً شرعياً في وزارة العدل، وتدرج إلى أن وصل لمنصب رئيس المحاكم الكبرى الشرعية.
7. عين أماماً دائماً لمسجد الغاوي -الذي بناه على نفقته الوجيه محمد بن يوسف الغاوي رحمه الله- بالمحرق منذ بناء المسجد عام 1961م.
8. تولى منذ تخرجه من الأزهر خطبة الجمعة في مسجد الشيخ حمد بالمحرق، ثم عين خطيباً لمسجد مدينة عيسى.
9. له من الأبناء والبنات 8 توفي 3 منهم. أبناؤه الأشقاء (ناصر، أحمد، أسامة، هشام، وصلاح).
هذا أبي الشيخ القاضي الرئيس، رحمه الله واجعل اللهم قبره روضة من رياض الجنة وأسكنه فسيح جنانه.
وألحقني به في الصالحين.