عواصم - (وكالات): تدخل الحرب السورية أحد أقوى فصولها من خلال التدخل الروسي العسكري غير المسبوق فيها إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، والذي أكدته مصادر وزارة الدفاع الأمريكية، وهو ما يجعل أجواء المنطقة مفتوحة على احتمالات متعددة من بينها صدام دولي على الأرض السورية أو على تخومها.
ويعتقد مراقبون أن صراعاً على مستوى آخر قد بدأ في سوريا يذكر بأجواء الحرب الباردة بين الروس والولايات المتحدة وسط انقسام إقليمي، وأن الجبهة السورية أصبحت أسخن من اللازم مما يهدد بانفجار أكبر قد يكون له بعد عالمي، ليس عبر حروب الوكالة بل بالحضور المباشر للجيوش على أرض سوريا لإعادة رسم النفوذ العالمي وخرائطه.
وفي وقت سابق، قالت 3 مصادر لبنانية على دراية بالوضع السياسي والعسكري في سوريا إن قوات روسية بدأت تشارك في عمليات عسكرية هناك دعماً للقوات الحكومية.
وترى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أن التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا لاشك فيها، لكن نوايا موسكو تبقى غامضة في نظر الأمريكيين. وقال مسؤولون أمريكيون رداً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية إن سفينتي إنزال دبابات وصلتا إلى مرفأ طرطوس السوري على البحر المتوسط، حيث لروسيا قاعدة دائمة.
وأضافت المصادر نفسها أن الأمريكيين رصدوا شمالاً في منطقة اللاذقية نحو 10 آليات لنقل الجند ووجود عشرات الجنود الروس. ويتمركز الجنود والآليات في مطار باسل الأسد في اللاذقية الذي يضم مباني مسبقة الصنع يمكن أن تؤوي مئات الأشخاص ومعدات للمراقبة الجوية.
وقالت المصادر نفسها إن الروس ربما يقومون ببناء قاعدة جوية متقدمة لكن ليست لديهم أسلحة حالياً.
ووجود قوات من مشاة البحرية الروس أقرب حالياً إلى نشر قوة لحماية معدات موجودة إلى أن يتم تشكيل مجموعة قتالية.
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية نشرت قبل أيام أن روسيا بدأت تنفيذ خطة للتدخل المباشر في سوريا، وأرسلت طائرات ميغ 31 الاعتراضية المتطورة التي استقرت في مطار المزة، ودفعة من صواريخ «كورنيت 5» المتطورة، وطائرات مروحية، ودبابات «تي 92» مع أطقمها، وسربا من طائرات سوخوي 30 - طائرة تفوق جوي متعددة المهام - وصواريخ جو أرض.
وأكدت الصحيفة أن روسيا أعدت خطة للتدخل المباشر في الحرب السورية، وأن المدد العسكري سيستمر من أجل مساعدة النظام على مقاتلة تنظيم الدولة «داعش»، وربما تنظيمات أخرى، كما أكدت المعارضة السورية وجود قوات روسية تقاتلهم على الأرض.
وقالت مصادر عسكرية وسياسية من المعارضة السورية إن جنوداً روساً يقاتلون على الأرض في سوريا، لكنهم أشاروا إلى أن روسيا لن تقاتل «داعش» بل ستسعى لحماية «الدولة العلوية» التي تعتزم إقامتها غرب نهر العاصي بعدما أيقنت أن النظام سيفقد سيطرته على الداخل السوري، وشددوا على أن روسيا ستكون الخاسر الأكبر إذا تورطت أكثر في القتال المباشر في جبهات القتال.
وقللت روسيا من التقارير الغربية التي تؤكد تدخلها في سوريا، مشيرة إلى أن المساعدات تأتي في إطار تنفيذ عقود قديمة. وأكدت صحيفة «كومرسانت» الروسية أن روسيا تمد الجيش السوري بعتاد يشمل أسلحة صغيرة، وقاذفات قنابل، وناقلات جنود مدرعة من طراز بي تي آر-82أي، وشاحنات كاماز العسكرية.
موسكو أكدت أن تعاونها العسكري مع دمشق لم يتوقف ويتم في العلن، واستغربت ما سمته «الحملة الهيستيرية» في هذا الوقت بالذات، بينما تؤكد صحف أمريكية أن روسيا اتخذت قراراً بالتدخل المباشر في سوريا لمصلحة النظام، ومن أجل حماية مصالحها في البلد الذي يمثل مجالاً حيوياً واستراتيجياً مهماً لها، خاصة بعد أن فقدت قبل سنوات حليفاً أساسياً لها هو معمر القذافي وبلداً استراتيجياً مثل ليبيا.
وتفيد التقارير الغربية بأن الروس انتظروا طويلاً تعديلاً في موازين كفة القتال في سوريا لمصلحة النظام، لكن أخبار الجبهات منذ فترة تؤشر في مجملها إلى تآكل قدرة الجيش السوري على حسم عدد من المعارك المهمة، وأصبحت مدن الساحل مهددة بما فيها طرطوس حيث للروس قاعدة بحرية تمثل منفذهم الوحيد على المياه الدافئة.
فالمعارك لم تحسم لفائدة النظام، ولم تقبل الدول الإقليمية بالمقترحات الروسية بإدماج النظام في تحالف لمحاربة تنظيم الدولة، كما رأت روسيا أن هناك بوادر للتدخل التركي وربما الغربي شمال سوريا، فاختارت النزول إلى أرض المعركة.
كما زادت خسائر الجيش السوري الأخيرة، مما قد يؤدي لخروج كامل شمال البلاد عن سيطرة النظام في إدلب وحلب ومناطق أخرى قد تصل إلى الساحل، فرجحت موسكو التدخل المباشر لوضع التحالف الدولي ودول الإقليم الرافضة لإدماج نظام بشار في أي تحرك مستقبلي ضد تنظيم الدولة؛ تحت الأمر الواقع.
ورغم العقوبات الاقتصادية، تستغل الدبلوماسية الروسية النشطة ضعفاً أمريكياً في التعاطي مع ملفات دولية -منها سوريا- من أجل تعزيز صعودها، لكن الولايات المتحدة استشعرت خطر التحرك الروسي وحذرت موسكو من زيادة التدخل في سوريا باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى صدام مع طيران التحالف الذي يشن ضربات فيها أو مع قوات المعارضة على الأرض.
وتشعر الولايات المتحدة بريبة من السلوك الروسي الأخير ومآلاته، وقال مسؤول أمريكي «إننا نحكم على روسيا من خلال أفعالها لا أقوالها»، مذكراً بنفي موسكو لتورط قوات روسية في المعارك في أوكرانيا.
وبالنسبة للأمريكيين، فإن السؤال يتمثل في معرفة ما إذا كان الروس يريدون الاكتفاء بدور إنساني أو أنهم سيشاركون في المعارك في سوريا، وضد من سيوجهون جهودهم: تنظيم الدولة الإسلامية فقط أم المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام والمتطرفين في وقت واحد؟ وأكد الناطق باسم البيت الأبيض إيريك شولتز أن الولايات المتحدة «قلقة جداً» من الوضع، وأن بلاده ستنظر بتقدير إلى مساهمات روسية إيجابية في الفوضى السورية، على حد تعبيره، «لكن لن يكون أمراً صائباً للجميع -بما في ذلك الروس- تقديم دعم إلى نظام الأسد».
وحاولت الولايات المتحدة تطويق التعزيزات الروسية إلى سوريا بالطلب من بلغاريا واليونان عدم السماح لطائرات الشحن العسكرية الروسية بعبور أجوائها، لكن الروس وجهوا رحلاتهم في نهاية المطاف باتجاه الشرق عن طريق القوقاز وإيران والعراق، في إشارة إلى إصرارهم على ما يخططون له في سوريا. وأفادت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية بأن إدارة الرئيس أوباما تواجه ضغوطاً متزايدة من زعماء التحالف الدولي لتوسيع العمل العسكري في سوريا بعد التدخل الروسي بإرسال المزيد من الأسلحة والقوات، وهو ما قد يصبح خياراً أمريكياً إذا تواصل التدخل الروسي بهذه الوتيرة.
وفي رد الفعل السوري، نفى وزير الإعلام السوري عمران الزعبي وجود أي قوات روسية في بلاده، لكن رئيس اتحاد الديمقراطيين السوريين المعارض ميشيل كيلو صرح أن «أي تدخل عسكري روسي مباشر سيحولها إلى قوة احتلال أجنبية أتت لتدعم نظاما يقتل شعبه»، مما سيجعلها تتورط في «أفغانستان» جديدة، على حد قوله.