بيروت - (العربية نت): يبدو أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ماض في خطته الإصلاحية ومحاربة الفساد والمفسدين في إدارات الدولة العراقية، وذلك على الرغم من كل العراقيل والصعوبات التي يواجهها العبادي وقراراته الإصلاحية. والقرار الذي اتخذه العبادي بإلغاء مناصب كانت تعتبر سيادية، خاصة تلك التي تندرج تحت سياسة تقاسم السلطة بين المكونات العراقية الطائفية والسياسية، مثل نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء، يبدو أنه لا رجعة عنها، ويبدو أيضاً أن العبادي مصر على ترسيخ هذا القرار من خلال تجريدهم من أجهزة المرافقة الأمنية الكبيرة التي يستخدمونها وتكلف خزينة الدولة والمؤسسة العسكرية أرقاماً مالية كبيرة. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مقربة من العبادي أن الأخير أصدر قراراً بتحويل كل المخصصات المالية التي كان يحصل عليها هؤلاء الأشخاص من مواقعهم إلى خزينة الدولة، أي أنه قطع عنهم الرواتب التي يحصلون عليها من المالية العامة للدولة.وعلى الرغم من هذا القرار وإصرار العبادي على المضي به، تضيف المصادر أن نواب رئيسي الجمهورية والوزراء السابقين مازالوا متمسكين بمناصبهم رافضين التخلي عن المواقع وما تمثله لهم من إمكانية النفوذ إلى آليات اتخاذ القرارات في الدولة والحكومة، في إطار مساعيهم للالتفاف على قرار استبعادهم. والعبادي الذي حصل على تفويض من البرلمان للمضي بالخطة والعملية الإصلاحية، عمد إلى سياسة التفافية لتفريغ أي محاولة من القوى السياسية التي تتحمل مسؤولية الفساد والانهيار الذي أصاب العراق، وذلك من خلال ضرب الصف الثاني والثالث من موظفي إدارات الدولة، أي أنه عمد إلى ضرب «أقنية الفساد» التي تساعد رؤوس الفساد على نهب المال العام وعرقلة أعمال الدولة والحكومة. وقد وجدت سياسة ضرب «أقنية الفساد» ترجمتها من خلال القرار الأخير الذي اتخذه العبادي بإعفاء نحو 123 موظفاً برتبة وكيل وزارة ومدير عام من مناصبهم وإحالتهم على التقاعد أو تكييف وضعهم الإداري حسب القانون وفق تعليمات تصدرها الأمانة العامة لمجلس الوزراء. وهي خطوة تضاف إلى سلسلة من الخطوات سابقة طالت العديد من موظفي القطاع العام في الدولة ومؤسساتها داخل العراق وخارجه وإحالتهم على اللجنة النزاهة لمحاكمتهم بتهمة الفساد واستغلال إدارات الدولة للإثراء غير المشروع بعد تنحيتهم من مناصبهم.مقربون من العبادي يؤكدون أن الأخير يواجه أزمة في التعامل مع رؤوس الفساد وضربهم وتحجيمهم أو إحالتهم على القضاء المختص، لجهة أن هؤلاء الرؤوس هم في الوقت نفسه قادة الكتل النيابية، إضافة إلى كونهم من قادة الحشد الشعبي الذي يتحمل العبء الأكبر في العملية العسكرية ضد تنظيم الدولة «داعش»، ما يعني أن أي إجراء بحق هؤلاء الرؤوس سينعكس سلباً على عمل الحشد الشعبي، وأن أي ضعف يصيب عمل الحشد الشعبي سيؤثر سلباً على موقع العبادي ودوره.من هنا يعتقد المقربون من العبادي أن تأجيل معاقبة رؤوس الفساد هو الخشية من تضعضع التحالف الشيعي تحديداً وارتداده على الحشد ودوره في محاربة «داعش» خاصة في هذه المرحلة التي تشهد فيها عملية إعادة بناء الجيش والقوات المسلحة عراقيل كثيرة سياسية ومالية وإدارية ولوجستية.إضافة إلى إشكالية الحد من تأثير هؤلاء الرؤوس على الحشد الشعبي، فإن ما يعيق التصدي لهؤلاء البعد والدور الإيراني المعرقل لأي توجه لدى العبادي في ضرب قادة الفساد، لأن طهران ترى في هذا الأمر نيلاً من نفوذها واستهدافاً لحلفائها العراقيين.تردد العبادي في ضرب رؤوس الفساد، يترافق مع موقف حازم من المرجعية الدينية في النجف الأشرف التي تدفع باتجاه خطوة جريئة للنيل منهم ومحاكمتهم، تصل إلى تجريدهم من صلاحياتهم ومواقعهم المؤثرة.وموقف المرجعية في هذا الإطار يقصد منه بكل وضوح كل من نوري المالكي رئيس الوزراء السابق ورئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقائد قوات بدر هادي العامري. إلا أن العبادي وعلى الرغم من الدعم الواسع الذي يحصل عليه من المرجعية في حربه ضد «قادة» الفساد، يدرك أن الواقع الذي يعيشه العراق في هذه المرحلة لا يسمح له باتخاذ خطوة حاسمة ضدهم للاعتبارات التي تتعلق بالحرب على الإرهاب وانعكاسات هذه القرارات على الحشد الشعبي.