كتب - موسى عساف:
«نباتي ولا يشرب الكحول ويزرع بنفسه حديقة منزله ويتنقل على دراجة هوائية».. كانت هذه أهم الصفات التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية للتعريف بالزعيم الجديد لحزب العمال البريطاني جيريمي كوربن، والذي انتزع أمس (السبت) رئاسة الحزب وبفارق كبير (59.5%) عن منافسيه الثلاثة اندي بورنهام وايفيت كوبر وليز كيندال.
كوربن، ابن السادسة والستين والأب لثلاثة أبناء تزوج ثلاث مرات، متقشف جداً في حياته، فهو لا يملك سيارة، يوصف بـ «المتمرد، حيث عارض حزبه وتمرد عليه 533 مرة منذ العام 1997، دخل مجلس العموم البريطاني للمرة الأولى عام 1983 نائباً عن دائرة إيزلينتغتون الشمالية في لندن، واحتفظ بمقعده إلى اليوم وباكتساح جماهيري كبير، حيث حقق في انتخابات عام 2015 ما يزيد عن 21 ألف صوت.
يرى فيه أنصاره بأنه النموذج الحقيقي لليسار البريطاني، والصورة النمطية ليسار شمال لندن، فهو يسعى إلى إلغاء سياسات التقشف وزيادة الضرائب على الشركات والأكثر ثراء وإعادة تأميم قطاعي سكك الحديد والطاقة، فيما يعتقد خصومه بأن نهاية الحزب ستكون على يديه، وكان من أقوى تلك التصريحات ما قاله زعيم الحزب السابق توني بلير بأن «فوز كوربن برئاسة حزب العمال سيعرض الحزب للاندثار».
صعود كوربن داخل أروقة الحزب كان مفاجئاً للجميع، خصوصاً أنه ليس خطيباً مفوهاً ولا قيادياً يتمتع بجاذبية، لكن أفكاره اليسارية تلقى تأييداً كبيراً من الناشطين والنقابات، خصوصاً فئة الشباب، أما خارج الحزب فيرى الكثيرون أنه سيجعل من حزب العمال البريطاني امتداداً للأحزاب اليسارية في القارة العجوز والرافضة لسياسات التقشف مثل حزب سيريزا اليوناني وبوديموس الإسباني.
ولد كوربن في 26 مايو 1949 في تشيبنهام (غرب) لعائلة يسارية، إذ كان والده المهندس وأمه المُدرسة من أنصار السلم، وقد التقيا إبان الحرب الإسبانية. وتلقى كوربن تعليمه في مدرسة ببلدة نيوبورت بمحافظة شروبشاير بغرب إنجلترا، وترك المدرسة في سن الـ 18 من دون أن يكمل تعليمه الجامعي، مع أنه عاد لاحقاً فالتحق لبعض الوقت في بوليتكتيك شمال لندن. وبعدما أمضى سنتين في العمل التطوعي في جامايكا، عاد إلى بريطانيا وانخرط في العمل النقابي، فصار منظماً متفرغاً في نقابة موظفي القطاع العام.
ورغم نجاحه الساحق في استحقاقات الحزب؛ إلا أن كثيراً من المحللين يرون أن توليه لرئاسة الحكومة سيكون مستحيلاً، مشيرين إلى أن إمكانية فوز حزب العمال في الانتخابات التشريعية عام 2020 ستكون ضئيلة، وفي حالة امتداد تأثير داعمي اليسار فسيبقى حزب العمال بعيداً عن السلطة لفترة طويلة مع بقائه أقوى الأحزاب البريطانية المعارضة.
كوربن يمثل التيار اليساري في حزب العمال، والذي فقد منذ عقدين، حين تولى زعامته توني بلير الذي وعد بـ «حزب العمال الجديد»، حيث جر الحزب إلى اليمين وجعل سياساته تقترب من سياسات المحافظين، ولم يفق الحزب من هذا الغياب إلا بعد هزيمتين انتخابيتين عام 2010 و2015، لينفرد المحافظون بالحكم، فيما انشغل العمال في البحث عن هويته وقيادته الجديدة، والتي وجدت ضالتها أخيراً في جيريمي كوربن.