زحمة من الأرقام، إعجاب.. متابعين.. مؤيدين.. معارضين.. إعادة تغريد، وزحمة أخرى ولّدت تلك الأولى من رحم الإنجازات المستمرة في الفضاء الذي أتاح الفرصة للجميع بعد قرون من النوافذ المغلقة التي لا يرى من خلالها النور ولا يسطع نجم إلا من يستحق!
فصار الناس -بعضهم على الأقل- يألفون العمل ويحبّون الإنجاز الذي يؤسسون به معنىً ويرسخون فضيلة ويضعون لبنة في سلّم الإصلاح والتطوير الذي لا يُقاس أثره على المدى القصير، بل هو تراكم ومحصّلة للجهود التي تبذل والإنجازات الصغيرة التي يبني بعضها الآخر .
وعلى إثره انتشرت ظاهرة «المزايدة» وهي المغالاة وإظهار الحرص أكثر من الآخر، حتى بلغ المقامُ بالبعض أن حقّر عمل غيره ليلفت الانتباه إلى عمله -سواءً تعمد ذلك أم لا- ونسف جهود غيره مرتقياً فوق ظهورهم ليقول: ها أنا ذا، وهو ليس بذا !
ولا تقف المزايدة في الأعمال، بل تتعدى ذلك إلى الاعتقاد وهماً كما زعم اليهود بأنّهم شعب الله المختار فلهم الكبرياء والتعالي في الأرض، كما يظنّ البعض أن الحقّ هو ما عنده فقط وأن ما عند غيره هو الباطل، وكأن الحقّ نزل عليه وحده وأنهم هم الفرقة الناجية الوحيدة من الـ 72 الأخرى التي وردت في الحديث.
وقد أصلح النبي في مجتمع الصحابة الذي سادت فيه العدالة والرحمة هذه الظاهرة عندما تنادى المهاجرون والأنصار على دلوٍ في بئر ماء من يسقي به القوم أولًا، فتعالت الأصوات نحن المسلمون الأوائل وكنا مستضعفين في مكة.. وإلخ، فيما افتخر الطرف الآخر بنصرته للنبي واستقباله والوقوف معه.. حتى أعلنها النبي: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة !!
فدع الناس إلا من خير، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، وإنجازاتنا الصغيرة التي نحصدها اليوم لبنات لرفعة هذه الأمة والرقي بها غداً واستعادة حضارتها التي حرمنا أنفسنا منها.. فبدلًا أن تقول: أنا أعمل، وأنت تتفرج، قل أنا أعمل وأنت تعمل، وإن لم يكن فخذ بيدي لنعمل سوياً.

نوح الجيدة