توفي 717 حاجاً وأصيب 863 آخرون في تدافع بمشعر منى في أول أيام عيد الأضحى المبارك، في أسوأ حادث مأساوي يطال الحجاج منذ سنين.
ودعا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي إلى فتح تحقيق بأسباب الحادث حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية.
وقالت الوكالة إن ولي العهد الذي يتولى أيضاً رئاسة لجنة الحج العليا، أصدر أمره خلال اجتماع طارئ للقيادات الأمنية المشاركة في أعمال الحج في مقر وزارة الداخلية بمنى.
وأمر ولي العهد بـ»تشكيل لجنة تحقيق عليا لتتولى التحقيق في الحادث ومسبباته وصولاً إلى معرفة الحقيقة»، وإحالة نتائج التحقيق إلى «مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للتوجيه بما يراه».
وقال مسؤول بوزارة الصحة السعودية إن التدافع وقع عندما كان الحجاج الوافدون من مختلف أنحاء العالم يرمون جمرة العقبة، قبل أن يبدؤوا بطواف البيت العتيق ونحر الأضاحي.
وأوضح المسؤول لوكالة «فرانس برس» أن الحادث وقع قرب إحدى الجمرات، عندما حاول حشد من الحجاج المغادرة، فيما كان عدد كبير يحاول الوصول إليها.
وفي أول رد فعل رسمي على الحادثة، نسب وزير الصحة السعودي خالد الفالح الحادث إلى عدم التزام بعض الحجاج بالتعليمات.
وقال الفالح لقناة الإخبارية الرسمية «لو التزم الكل بالتعليمات لما حصلت مثل هذه الحوادث»، مضيفاً «الكثير من الحجاج يخرج في خارج موعد التفويج وهذا هو العامل الرئيس وراء مثل هذه الحوادث».
وأعلن الوزير حالة التعبئة لإسعاف الجرحى ومعالجتهم، قبل أن يتعهد بإجراء تحقيق «سريع وشفاف» في الحادث.
وأظهرت الصور المنشورة على الإنترنت العديد من الحجاج ممددين أرضاً دون حراك، بينما تناثرت مقتنياتهم الشخصية من أحذية ومظلات يستخدمها الحجاج للوقاية من الشمس.
وحاول عناصر أجهزة الإغاثة والأمن تنظيم إجلاء الجثث على نقالات، وبحسب الصور، فإن الحادث تم على طريق إسفلتية تمر بين آلاف الخيم البيضاء المنصوبة سنوياً في منى لاستقبال الحجاج.
وقال شاهد سوداني كان في منى عند وقوع الحادث «كان الناس يعانون من العطش ويفقدون وعيهم، وراح الحجاج يتعثرون فوق بعضهم البعض».
وأغلقت السلطات السعودية الطرق المؤدية لمكان الحادث عند تقاطع طريقين، لتسهيل حركة الحجاج في وادي منى على بعد بضعة كيلومترات عن مكة المكرمة، بينما خصصت 4 مستشفيات و220 سيارة إسعاف ومروحيات في إطار علميات الإغاثة.
وأجرت السعودية في السنوات الأخيرة أعمالاً واسعة النطاق لتعديل البنى التحتية لتسهيل حركة الحشود وتجنب مآس مماثلة.
وخصصت المملكة أكثر من مئة ألف رجل أمن لحماية الحج هذه السنة، حيث شكلت قوات الأمن السعودية سلاسل بشرية على طول الطرق لتنظيم سير الحجاج، فيما قدم متطوعون على طول الطريق صناديق الطعام وزجاجات الماء البارد للحجاج.
وأفادت السلطات السعودية أن أكثر من 1,4 مليون أجنبي وفدوا إلى مكة لأداء مناسك الحج وحوالي 600 ألف من داخل المملكة.
وقال الدفاع المدني السعودي إن الازدحام الشديد وقع عندما وصلت مجموعتان كبيرتان من الحجاج في نفس الوقت إلى تقاطع طرق على شارع 204 في منى على بعد بضعة كيلومترات شرق مكة، بينما كانوا في طريقهم لرمي الجمرات.
وأضاف «تباشر الفرق الآن تفكيك الكتل البشرية وتفويج الحجيج إلى طرق بديلة»، لافتاً إلى أنه تم الدفع بأكثر من 220 سيارة إسعاف و4 آلاف عامل إنقاذ إلى الموقع لمساعدة الجرحى.
وكارثة أمس هي أسوأ واقعة خلال الحج منذ يوليو تموز 1990 عندما تعرض 1426 حاجاً للموت داخل نفق المعيصم قرب مكة أثناء شعيرة رمي الجمرات.
وأظهرت صور نشرت على حساب الدفاع المدني السعودي على موقع «تويتر»، حجيجاً على محفات ينقلها عمال طوارئ إلى سيارة إسعاف.
وشهد الحج كوارث في الماضي بينها حوادث تدافع وحريق في الخيام وأعمال شغب، لكنها أصبحت أقل تكراراً في السنوات القليلة الماضية بعد أن أنفقت الحكومة مليارات الدولارات على تطوير وتوسيع البنية التحتية لمواقع الحج وتكنولوجيا السيطرة على الحشود.
وظهر في فيديو على «تويتر» لم يتم التحقق من صحته، أشخاص بملابس الإحرام ممدين على جانب طريق فيما يحاول حجاج وعمال إنعاشهم.
وذكر صحافيون من «رويترز» في جزء آخر بمنى أنهم سمعوا صافرات سيارات الشرطة والإسعاف، مستدركين «لكن الطرق المؤدية إلى مكان الحادث أغلقت».
وعرضت قناة العربية التلفزيونية لقطات لموكب من سيارات الإسعاف يجتاز الخيام في منى، ونقل بعض المصابين في طائرات هليكوبتر.
وقال المتحدث الرسمي باسم الدفاع المدني «عند الساعة التاسعة من صباح الخميس العاشر من ذي الحجة، وأثناء توجه حجاج بيت الله الحرام إلى منشأة الجمرات لرمي جمرة العقبة، حدث ارتفاع وتداخل مفاجئ في كثافة الحجاج المتجهين إلى الجمرات عبر شارع رقم 204 عند تقاطعه مع الشارع رقم 223 بمنى، ما نتج عنه تزاحم وتدافع بين الحجاج وسقوط أعداد كبيرة منهم في الموقع».
وقال حاج عربي طلب عدم ذكر اسمه إنه كان يتمنى أن يرمي الجمرات اليوم لكنه خائف من المخاطر.
وأضاف «أنا منهك جداً بالفعل، وبعد ما حدث لا يمكنني الذهاب، سأنتظر الليل وإذا لم يحل الموقف سأرى ربما أوكل شخصاً آخر برمي الجمرات نيابة عني».
وتضمنت جهود تحسين السلامة أثناء رمي الجمرات توسيع المكان وبناء جسر من ثلاثة طوابق حوله، وزيادة عدد نقاط دخول الموقع والخروج منه.
وينتشر أكثر من 100 ألف من أفراد الشرطة لتفريق التجمعات، قبل أن تصل إلى مستويات تكدس خطيرة، كما تم تركيب الآلاف من كاميرات الفيديو.
وظل ضابط يكرر في مكبرات الصوت قائلاً: «أيها الحجاج.. ما في شخص يدفع الثاني وما ترجعوا من نفس الطريق اللي جيتوا منها، غادروا من الجهة الثانية».
وقبل بدء موسم الحج الثلاثاء الذي يشمل هذا العام حوالي مليوني حاج بحسب إحصاءات سعودية، أدى انهيار رافعة عملاقة في باحة المسجد الحرام بمكة إلى مقتل 109 أشخاص 11 سبتمبر.
ويرمي الحجاج في أول أيام العيد 7 حصى على جمرة العقبة الكبرى، ثم في اليومين التاليين 21 حصاة على الجمرات الثلاث «الكبرى والوسطى والصغرى».
وتعود المأساة الأخيرة في الحج إلى 12 يناير 2006، عندما قضى 364 حاجاً في تدافع في المكان نفسه.
وبعد رمي الجمرات في آخر أيام الحج، يتوجه الحجاج إلى مكة المكرمة للطواف حول البيت العتيق «طواف الوداع»، آخر شعائر الحاج قبيل سفرهم مباشرة.
وقبل التوجه إلى منى تجمع الحجاج الأربعاء في سهل مزدلفة على صعيد جبل عرفات حيث باتوا حتى طلوع الفجر، بينما كان العديد من الحجاج قد خيموا عند سفح جبل عرفات، حيث أمضوا ليلتهم بعد أن قضوا يوم التروية بمشعر منى رغم الحر الشديد.