بيروت - (أ ف ب): يتجه الرئيس السوري بشار الأسد للانتقال من طرف معزول على الساحة الدولية إلى شريك محتمل في المساعي المبذولة لتسوية النزاع في بلاده، بفضل دعم حليفيه الروسي والإيراني وفي ظل تردد الدول الغربية التي كانت تطالب برحيله.
والأسد الذي وصل إلى سدة الرئاسة منذ 15 عاماً وهو الناجي الوحيد من الثورات العربية التي أطاحت بعدد كبير من الرؤساء العرب، يبدو اليوم أكثر ثقة بفعالية إستراتيجيته القائمة على تقديم نفسه السد المنيع في مواجهة الإرهاب.
وباتت فكرة ضرورة بقاء الأسد في السلطة للتصدي للتنظيمات المتطرفة على غرار تنظيم الدولة «داعش» أكثر تداولاً في الأسابيع الأخيرة. ولم يعد مطلب رحيل الأسد بالنسبة إلى واشنطن ولندن وبرلين وحتى باريس شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات حول مستقبل سوريا.
ويقول مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس «إيريس» كريم بيطار «أعتقد أن الانتصار المؤقت لنظام الأسد نابع من سياسة الأمر الواقع».
ويضيف «يتدخل الروس والإيرانيون في الملف السوري بفعالية أكثر من الغرب، هم يتحركون ولا يبدون مرونة ومتصلبون في آرائهم، في حين لا يملك معارضو نظام الأسد إستراتيجية واضحة ويدفعون ثمناً باهظاً جراء أساليبهم الخاطئة».
واندلعت الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد منتصف مارس 2011 تزامناً مع ثورات «الربيع العربي»، وتحولت بعد قمعها بالقوة إلى نزاع مسلح شاركت فيه أطراف عدة، وتسبب بمقتل أكثر من 240 ألف شخص ونزوح الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.
ومع ظهور «داعش» في سوريا وسيطرته على نحو نصف مساحة البلاد مرتكباً جرائم غير مسبوقة، أصر الأسد على تقديم نفسه بمثابة الطرف الوحيد القادر على التصدي للمتطرفين.
ولم يتمكن الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن من القضاء بالكامل على «داعش» عبر الضربات الجوية التي شنها ضد مواقع وأرتال المتطرفين على الرغم من تحقيقه بعض النجاحات. وتمكن الأسد، على غرار والده الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حكم سوريا بيد من حديد بين عامي 1970 و2000، من الاستفادة من الوقت.
ويضيف بيطار «يستفيد نظام الأسد من انتصار الثورة المضادة على المستوى الإقليمي ومن فكرة خاطئة لدى الدول الغربية مفادها أن القومية الاستبدادية في العالم العربي هي الحصن الوحيد ضد المتشددين».
ميدانياً، خسر الأسد خلال أربع سنوات ونصف من الصراع ثلثي مساحة البلاد التي باتت تحت سيطرة كل من «داعش» والفصائل المعارضة بالإضافة إلى جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.
ومع ذلك، لا يزال الأسد يمسك بالمناطق الإستراتيجية مع سيطرته على دمشق، وحمص وحماة وسط البلاد، وعلى الساحل غرباً وجزء من محافظة حلب شمالاً، وهي المناطق التي يعيش فيها 50% من إجمالي عدد السكان في سوريا.
ويعد الدعم الثابت الذي تقدمه كل من روسيا وإيران بمثابة الورقة الرابحة التي يمكن للأسد الاعتماد عليها في مقابل مرواغة وتردد خصومه الذين يطالبون برحيله الفوري وغير المشروط.
وترى الباحثة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية موريال أسبورغ أن الأسد باق في السلطة اليوم لأن «معارضيه منقسمون جداً ومترددون في التدخل مباشرة أو في دعم الفصائل السورية للإطاحة به، في حين لا يتوانى حلفاؤه عن دعمه عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً ومادياً.
ويوضح الباحث في مركز كارنيغي للأبحاث في الشرق الأوسط يزيد صايغ أن بقاء الأسد في الصراع ليس مرتبطاً بقوته وإنما بتردد خصومه. ويقول «المشكلة الرئيسية هي أن القوى الغربية لم ترد أبداً ولا تريد التدخل في سوريا ولا تدرك ما الذي ينبغي القيام به بمواجهة تنظيم الدولة».
ويضيف «تحرك الروس بذكاء، عدلوا موازين القوى لإعطاء الأسد مزيداً من الوقت، ووضعوا الأمريكيين في موقف دفاعي من دون أن يكون هناك تغيير فعلي على الأرض».