طلبت من الإمام الحصول منه على إذن الرحيل والموافقة على رفع الحجز عن الجمال
قررت مغادرة الرياض والإمام طلب مني البقاء فترة أطول
الإمام أبدى سعادته بزيارتي ومعرفة عادات الغربيين وأخلاقهم
أهداني الإمام فرسين عربيين هدية كان قرر إرسالها لباشا بغداد
النفوذ تأخذ تشكيلات مختلفة عن الدهناء
أنزلنا مرافقاً لقاع بئر وأنزلنا
القرب الواحدة تلو الأخرى وملأنا 15 قربة
عشاؤنا شاة مذبوحة.. واحتفاظ الطباخ بالكُلى من أجلي أغضب المرافقين العرب
الإحساء كمنطقة تجارية بموانئها
ومزارعها أكبر من الرياض
خاب أملنا عندما اكتشفنا أن خيام
الشعر أكوام صخور في الظلام


كتب – عبدالرحمن صالح: الدوسري:
وصلت رحلة بيلي للرياض لنهايتها من خلال ما ذكره د. عيسى أمين في فصول كتابه «رحلة بيلي إلى الرياض .. والأوراق الخاصة»، حيث تتكشف في الفصل الأخير الكثير من المفارقات والصراعات التي لم يكن بيلي ينتظرها، ولم تكن في بال بيلي تلك الفصول التي من أجلها سعى للقيام برحلته للرياض. وقال بيلي في سياق حديثه عن الرحلة «كان الوزير راغباً في توقيع اتفاق بيننا وبين عرب عمان وصور والخليج تعفيهم فيه عن التقيد بقانون منع تجارة الرقيق وأن نعاملهم مثل معاملتنا لسلطان زنجبار، والذي سمحنا له بمباشرة هذه التجارة، مقابل ذلك يتعهد الوزير نيابة عن الإمام بتوقيع معاهدة يلتزم فيها بعدم تعرض عرب عمان والخليج لخطوط التلغراف أو الإتيان بأعمال النهب».


وداع الإمام
وأكد بيلي أنه لم يوافق على هذه الاقتراحات وطلب منه الانصراف، وأضاف:» وكنت متأكداً حينذاك بأنه لن يقوم بترتيب زيارتي لوداع الإمام، يكاد صباح الثامن من مارس أن ينقضي دون عودة الوزير أو حتى الرجال والجمال، ومع ذلك فقد أخذت الحيطة في جمع عدد لا بأس به من قرب الماء خوفاً من المضي خمسة أيام في الطريق دون وجود مصدر آخر، جاء الوزير قبل منتصف النهار وطلب منى التريث، فكان ردي بأنني قد عقدت العزم على المغادرة في المساء وأنني الآن في انتظار موعد لمقابلة الإمام، وكاد النهار أن ينتهي دون وصول الرجال والجمال ، لذا قررت بنفسي التوجه إلى رئيس القافلة محذراً بأن حياته سوف تكون ثمناً لأي تأخير، فأفاض في الاعتذار، وأخبرني صبي صغير مرافق لقافلتي بأن الجمال ليست على مسافة بعيدة ولكنها محجوزة بأمر من الرياض، عدت فوراً إلى رئيس القافلة وأخبرته بأنني لا أقبل بهذه التصرفات، في حوالي الساعة الرابعة بدت الأمور وكأنها أخذه في الاستياء ولذا قررت أن أذهب إلى الإمام في القلعة وأن أحصل منه على إذن بالرحيل وموافقة في رفع الحجز عن الجمال التابعة لي، وقبل مغادرتي المنزل أخذت كل الاحتياطات اللازمة لضمان سلامة أمتعتنا وحفظها من العبث، بعد أخذ كل الاحتياطات توجهت أنا والمترجم إلى القلعة وحاول أحد الحراس منعي من الخروج فلم ألتزم بذلك ولم أعطه أي انتباه، بلغني نبأ تحرك الجمال الخاصة بي وأنا في منتصف الطريق إلى القلعة فقررت العودة إلى السكن والاطمئنان على استعدادات الرحيل بعدها عدت مرة أخرى إلى القلعة وقابلت الإمام الذي رحب بي مرة أخرى وأخبرني برغبته في التعاون من أجل السلام.
البقاء فترة أطول بالرياض
يقول د . عيسى أمين في حديثه عن رحلة بيلي الأخيرة «طلب مني الإمام البقاء فترة أطول في الرياض فأجبته باستحالة ذلك حيث إني قد قمت بترتيب رحلة العودة وأنني قررت المغادرة في الليل، أبدى الإمام سعادته بزيارتي له وأخبرني عن معرفته التامة بعادات وأخلاق الغربيين وذلك عندما كان في مصر وأنه على علم بحضاراتهم، وحسن أخلاقهم وطلب مني أن أقوم بإبلاغه عن أعمال القرصنة التي ربما تصدر من القطيف أوالعجير حيث سيقوم بتأديب الجناة وبنفس الأسلوب طلب منى حماية مصالحه في الخليج، وأكد لي صدق نواياه.. وطلب منى بأن أكتب إليه، أخبرت الإمام بأني قد كتبت له في السابق ولم أحصل منه على رد مناسب وكان تعليقه على ذلك بأن رده كان لايزال متأثراً بحوادث سابقة مع المقيم الذي سبقني وأنني أستطيع اعتبار الأمر منتهياً الآن وقد أبلغ ممثليه على الساحل بذلك، ثم طلب منى أن أقبل هديته « وهي فرسان عربيان « والتي كان قد قرر سابقاً إرسالها إلى باشا بغداد وأنها - أي الهدية - تنتظرني في القطيف.
وأرسل الإمام خادماً من عنده لمرافقتي حتى ساحل الجزيرة بعدها طلب منى إمكانية السماح له بالتقدم إلى الإحساء حيث إن ناقته أسرع من ما لدي فأذنت له بذلك، بعدها وجدت أنني مازلت غير قادر في المغادرة وأن رجالي أصابهم العناد فأخبرت رجالات الإمام بأنني لو استطعت المغادرة في التاسعة مساء فإنني سوف أقدم لهم الهدايا وإلا لا شيء تماماً.. وفعلاً وفقت في ذلك وما أن بدأنا المسير حتى وصل رجل من طرف الإمام وأحضر معه ساعة جيب خاصة بالإمام كانت قد تعطلت وطلب منى إمكانية إصلاحها « لقد تم بالفعل إصلاحها في فترة لاحقة في إنجلترا وأرسلت إلى الرياض مرة أخرى « ، ما أن غادرنا سور الرياض حتى ابتدأ رئيس القافلة في التذمر والمطالبة بالبقاء مدة أطول، لم أتمالك نفسي في هذه الظروف وأنذرته بسوء العاقبة في النهاية وافق على قراري ومضى في طريقه وكانت البداية لرحلة العودة.
المسير على أطراف الدهناء
يواصل بيلي الحديث عن الرحلة « في صباح التاسع من مارس وبعد قضاء ليلة خارج الرياض وقياس المسافات اللازمة، وبعد عبور العارضة قابلتنا تلال «العون» وهي امتداد لتلال التمامة والتي عبرناها في طريقنا إلى الرياض، لقد قررت اليوم أن أرغم رجال القافلة على المسير حتى الوصول إلى مصادر المياه على أطراف الدهناء ومضينا في الظلام ولكن بعد توقفنا قام رجال القافلة بتهديدنا بالمغادرة دوننا، لم يصل خادم الإمام بعد وأصبح أمامنا ما يقارب 250 ميلاً من المسير في أرض لم يسبق لأي من الرجال المرافقين دخولها عدا الصليبي «من قبيلة الصلايب» والذي لا يعرف طريقه في هذه المناطق وقد بلغ الآن السبعين من العمر، أما الشيء الآخر والذي كان يقلقني فهو أن الماء متوافر في منطقة واحدة فقط خلال السبعة الأيام القادمة من مسيرتنا وأن هذه المنطقة تبعد يومين من موقعنا الحالي وعند مدخل صحراء النفوذ، حاولت إقناع المرافقين فقدمت لهم القهوة ووعدتهم بوليمة في الطريق، في صبيحة العاشر من مارس ابتدأنا من موقعنا في العرمة وكان مزاج رئيس قافلتنا جيداً وسرنا ست ساعات على أطراف وادٍ عميق وبعدها، ابتدأنا في الصعود إلى ارتفاع ستين أو ثمانين قدماً، بعدها وصلنا لقمة هضبة استطعنا منها مشاهدة النفوذ في الجهة اليسرى من موقعنا.
كانت الأرض منبسطة أمامنا تتخللها بعض التشققات والتي استمرت طوال مسيرنا حتى المساء، وتراءت لنا النفوذ في نهاية الطريق مساء، وعلمنا بأن الماء ليس بعيداً عنا، كان أملي أن يدلنا أحد البدو المقيمين في خيام الشعر إلى مصدر المياه في الصباح، وكانت خيبة أملنا في اليوم التالي عندما اكتشفنا أن خيام الشعر المذكورة لم تكن غير أكوام من الصخور في الظلام، ومع خيبة الأمل هذه وتناقص عدد القرب من سبعة إلى أربعة ازدادت مخاوفي في عدم الحصول على الماء، تختلف النفوذ عن الدهناء بتشكيلاتها الرملية فهي تسمى نفوذاً عندما تأخذ هذه التشكيلات أشكالاً مخروطية وقمعية.. في هذه المنطقة شاهدنا بعض الغزلان وبعض الشجيرات التي نمت على حافة الوديان مع بيض الحباري ووجود بعض الحشرات والسحالي، وقادنا طريقنا لمنحدر في اتجاه النفوذ وكانت الأرض لزجة وذات اخضرار وعرفت أننا قرب الآبار، لقد كانت الآبار قديمة وعميقة وذات فوهات ضيقة تبطنها صخور جيرية.
نزل أحد المرافقين إلى قاع أحد الآبار وأخذنا في إنزال القرب إليه واحدة تلو الأخرى، وهكذا استطعنا ملء خمسة عشرة قربة من عدة آبار، إن الآبار هنا مثل تلك التي في الدهناء قديمة جداً وقد تآكلت صخور فوهتها من تأثير الحبال.. وبعد أن شربت جمالنا دخلنا النفوذ، وتمتاز برمالها الذهبية الناعمة والتي تتجمع في أشكال مختلفة.. وفي مثل هذه الأماكن حيث يختفي الأثر اقتفى رجالنا آثار روث الجمال التي سبقتنا إلى هذا الطريق من قبل واستخدموا الشمس كدليل آخر في النهار واستطعت أن أدرك كيف يفقد الناس طريقهم في مثل هذه المناطق وكيف تستطيع زوبعة بسيطة في أن تغطى المعالم التي من شأنها هداية المسافر.. وعرفت أن الأمل في النجاة يكاد يكون مستحيلاً فيما لو حدث ذلك في فترة الصيف.
شرب دم الجمال لمنع العطش
يضيف بيلي الحديث عن الرحلة « أخبرني البدو المرافقون بأنهم في أصعب الحالات يضطرون لذبح جمل أو أكثر، وشرب القليل من دمه أو استخدام السائل من أمعائه لمنع العطش، توقفنا بعد مسيرة عدة ساعات ووجدت أن القرب التي أعددتها في الرياض أصبحت غير صالحة للشرب بسبب سوء طعم الماء بها ولم أدرِ هل حدث ذلك نتيجة للعبث أو سوء إعداد جلود القرب، لقد وجدت أننا أصبحنا نملك 4 قرب صالحة للشرب فقط ولذا طلبت من كل رجل من رجالي الاحتفاظ بواحدة وأنذرت البدو المرافقون بأنني سوف أقتل من يتجرأ على استهلاك الماء الذي في حوزتنا، أخبرني الصليبي بأنه يدرك الأمر ولكن لا داعي للخوف ولذا نستطيع استهلاك قربة واحدة كل يوم حيث إننا سوف نصل إلى مصادر مياه جديدة في خلال ثلاثة إلى أربعة أيام، وبعد أن نصبنا خيمتنا على إحدى المرتفعات شاهدنا بعض الرجال قادمون إلى طرفنا وعرفنا بعدها بأن خادم الإمام ومرافقيه قد وصلوا إلى طرفنا.. وقد أخبرنا الخادم بأنه نظراً لتأخره عن اللحاق بنا، اضطر إلى أخذ طريق شمال وأقصر من طريقنا ولكنه لا يناسب الجمال المحملة لذا اضطر بعد ذلك سلك طريق عمودي على الأول لكي يلتقي بنا وهذا أدى لتأخره عنا، نصب هذا الخادم خيمته على مسافة منا ولكنه التحق بنا في المساء لشرب القهوة والحديث وأخبرني بأن شيخ السباع نقل عنا معلومات خاطئة إلى الرياض كانت ممكن أن تؤدي إلى مضاعفات لا نعلم عقباها، لا بد أننا نسير الآن على أرض مرتفعة لذا لقد وجدنا الطقس أكثر برودة في الظهيرة قابلنا أناساً من الدواسر وقد نصبوا خيامهم في النفوذ واقترب أحدهم منا ممتطياً خيلاً عربية أصيلة ولكنه لم يكن راغباً في بيعها.
تسعمائة ميل في ثلاثين يوماً
عبرنا أراضي رملية وأخرى صخرية ومرتفعات وأشكالاً تشبه المدرجات وقد غطتها صخور داكنة، كنت طوال هذه الفترة أختبر دليلنا وقد وجدت أنه لا يخطئ أبداً وتابع خادم الإمام ومرافقوه رحلته معنا دون التعرض أو التدخل في أمورنا، في اليوم الثالث عشر عبرنا النفوذ مخلفينها خلفنا ودخلنا أرضاً منبسطة تشبه الوادي بين النفوذ والسمان – تمتاز هذه المنطقة بوفرة الرمال التي تحركها الرياح تاركة طبقات ناعمة منها ومن هذه المنطقة ابتدأنا في عبور تلال السمان وتميز الطقس بالبرودة – وقد استطعنا بالاحتفاظ بما فيه الكفاية من الماء – عند المساء التقينا بقافلة حجاج من الفرس في طريقها إلى مكة، وكانت قادمة من القطيف وفي طريقها إلى الرياض، انتهينا هذا الصباح من منطقة السمان وجئنا إلى النفوذ الصغيرة وبعد مسير عدة ساعات في أرض قاحلة أتينا إلى مناطق ينمو فيها هشيم الشجر، وهنا قابلتنا أكبر قافلة منذ وصولنا إلى الجزيرة العربية، كانت هذه القافلة من عرب الدواسر ومتوجهة غرباً لقضاء فترة الصيف، وحاول أحد أفرادها بيع فرس عربية بأربعمائة دولار، كان معنا رجل من المرة وكان هذا الرجل مرافقاً لخادم الإمام وقد أخبرني هذا الرجل بأن عشيرته تقيم في منطقة قريبة منا وقد حدثنا عن صحراء القطاع الجنوبي «تمامه» وعن جبل جابرين وفيه آثار لمدينة قديمة لم يبق منها إلا الحارة الآن وقد أخبرني أيضاً بأنه يملك ثلاثة خيول عربية تتنقل في مرعاها بين الكويت والبحرين وأنه قد سبق له زيارة نجران وحضرموت وقد نقل عنهما صورة جميلة، لقد أجهدت نياقنا وبدا عليها الجوع والعطش ولا عجب فقد قطعت 900 ميل في ثلاثين يوماً إلى جانب المسافات الأخرى من وإلى مرعاها أثناء بقائنا في الرياض، أقمنا مخيمنا في الليلة الماضية في الجهة الشرقية من التلال الرملية التي تتدرج تدريجياً في اتجاه هذه التلال السوداء ، لقد وجدنا الكثير من الماء في هذه المنطقة وأغلبها على عمق ستة إلى سبعة أقدام، بعد هذه الآبار دخلنا منطقة الإحساء والتي في أغلبها «مؤقتاً» تشبه منطقة السمان، وبعد هبوطنا من الأراضي المرتفعة ارتفعت درجة حرارة الجو وبدأنا نشعر بالحر والذي يشبه ذلك الذي نعاني منه في الخليج، أصاب التعب الجمال وناخ أحدها ولم يجرؤ أحد على أن يلزمه بالحركة، ومع أننا كنا آنذاك قد قطعنا اثنتي عشرة ساعة من الطريق، وكان أملى أن نبقى ساعة أخرى في الليل وذلك لكي نصل إلى الإحساء في مساء اليوم التالي، ولكن وبسبب ما حصل للجمال قررنا التوقف..
أن طريقنا عبر الدهناء كان وعراً بصورة عامة وليس مثل طريقنا إلى الرياض ولم أجد بين الرياض والإحساء تلك المساحات الأرضية المنبسطة مثل تلك التي بين الكويت والسمان، شربنا قهوتنا مع رجال الإمام وأصبحت أدرك الآن بأنه فيما لو خير العربي في حمل ثيابه أو عدة قهوته فإنه سوف يفضل الأخيرة على الأولى، لقد أدخلنا شيئاً جديداً اليوم إلى عاداتنا وكان هذا الجديد دخان العود الذي استنشق الجميع منه بعد شرب القهوة، في هذا اليوم كان عشاؤنا شاة مذبوحة قام طباخنا الخاص بالاحتفاظ بالكلى من أجلي، وكان هذا التصرف مثيراً للرفض من قبل المرافقين العرب الذين لم يرغبوا في تناول العشاء، ولكن وبعد مضي بعض الوقت وجدت أنه لم يبق من تلك الشاة أي شيء.
الوصول إلى مشارف الحساء
يواصل د . أمين وصف رحلة بيلي « في هذا اليوم السادس عشر عبرنا بعض المرتفعات في طريق الإحساء وأقمنا خيامنا قبل المرتفعات الأخيرة، والتي بعدها تقع مدينة الإحساء، في صباح السابع عشر توجهت مع خادم الإمام والمترجم إلى مدينة الإحساء وقد تعمدت أن أسبق البقية الباقية وذلك بقصد الاستطلاع ، كان طريقنا متعرجاً وقد شاهدنا أشجار النخيل في نهايته، وتوجهنا شرقاً في اتجاه جبل منفصل تقع الهفوف عند قاعدته ولو اتجهنا أقصى الشرق فإننا سوف نصل إلى التلال ذات الكهوف والتي يلجأ إليها أهل الإحساء في موسم الصيف، مررنا بخرائب المبرز ونحن في طريقنا إلى الهفوف وأقمنا مخيمنا في إحدى المزارع الواقعة في الجهة الجنوبية من الهفوف.
تبدو المدينة أكبر من الرياض وأكثر زرعاً وتأتي الإحساء بموانئها « العقير والقطيف « في مقدمة المراكز التجارية الكبرى، وتشتهر إلى جانب ذلك بصناعة العباءات والأسلحة، أما باقي الأسلحة فإنها تستورد من دمشق ونجران والبصرة، وتمتاز الإحساء بوفرة المياه العذبة والتي تتدفق في كل الاتجاهات وتروي البساتين والمزارع وعلى مسافة خمسين ميلاً في الطول، وخمسة عشر ميلاً في العرض وبشكل بيضاوي، هنا قابلنا الكثير من المزارعين والذين كانوا يستخدمون الحمير لنقل منتجاتهم إلى البلدة، وقد أرسل لنا حاكم الهفوف بعض المواد الغذائية ولكن لم يأت أحد لمقابلتنا، لذا لم أمكث مدة طويلة في الإحساء ولذا فإن تقريري عنها قصير جداً.
وفاة أمير نجد بالكوليرا
في اليوم السابع عشر وصباح اليوم الثامن عشر عبرنا المنطقة الرملية والواقعة بين الإحساء وميناء العقير .. في الحقيقة أن الإحساء واحة في الصحراء وما إن غادرناها حتى دخلنا إلى الصحراء مرة أخرى وحتى أطراف العقير، لقد وجدنا أن سفينتنا التجارية كانت في الانتظار وكما هو متوقع كانت هناك سفينة أخرى صغيرة في انتظارنا قرب الشاطئ، مررنا في طريقنا بمدينة المنامة وقابلنا شيخها ومن هناك توجهنا إلى بوشهر، تتميز علاقة بعض القبائل بالسلطة المركزية في نجد بالحاجة إلى الحماية وتقدم المرعى لها في أراضي نجد في فترة انتقالها، وتنقسم هذه القبائل بصورة عامة إلى قبائل مرتحلة وأخرى مقيمة.. فأما المقيمة منها فإنها عادة ما تستوطن مناطق معينة وتمارس الزراعة أو التجارة ويقيم زعيمها في منطقة قريبة من العاصمة ويقوم بتقديم الدعم العسكري للإمام متى ما احتاج الأخير إليه، مع بقاء هذه الصفات المميزة لهذا المجتمع فإننا نستطيع الجزم بأن المجتمع العربي هنا لن يتغير عن هذه التركيبة الاجتماعية والتي لازمته منذ فجر التاريخ، لقد لاحظتم بأنني استخدمت الإمام أو الأمير وأعنى بهما الحاكم أو رئيس السلطة في نجد وأنه وفي الحقيقة يطلق لقب الشيخ على هذا الحاكم ولكن وبعد توطد السلطة تغير ذلك إلى أمير وبقى لقب الإمام يستخدم بواسطة المقربين من نفس الحاكم، ويقصد منه الزعيم الروحي والذي تمنح له السلطة والمزايا التي كانت تمنح لرجل الدين عندما كان رجل الدين والملك شخصية واحدة
لقد انشغلت ومنذ عودتي بأمور المناطق الوسطى والشرقية من الجزيرة، لقد تدهورت صحة الأمير فيصل منذ مغادرتي الرياض، وقد أصيب بالشلل في شهر يونيو الماضي وأصبح عبدالله هو الحاكم الفعلي ومع رغبتي في مقابلته أثناء تواجدي في الرياض إلا أنه لم يحاول عقد لقاء معي .. في شهر أغسطس توفي أمير نجد ونقلت الأخبار إلى لندن عن طريق مصر، ويبدو أن وفاته كانت بسبب الكوليرا في الثالث عشر من رجب 1282هـ الموافق الثاني من ديسمبر 1865 ، وبوفاته انتقلت السلطة إلى ابنه عبدالله والذي قام بدوره بالحد من سلطة الوزير محبوب ومصادرة بعض ممتلكاته، لقد أدت هذه الأعمال إلى سوء في العلاقة بين عبدالله ومحبوب والذي ينتظر الآن الفرصة المناسبة للهرب من الرياض، ولا أعتقد أن وضع عبدالله السياسي أحسن من وضع والده سابقاً، فإن منطقة الإحساء تنتظر الفرصة المواتية لفك الارتباط السياسي ، يتميز سعود بعكس أخيه يحب الاستقرار ولذلك نجد أن الغالبية من مؤيديه من الحضر بينما يفضل عبدالله حياة الفروسية والبداوة وأغلب مرافقيه ومحبيه من القبائل والبدو الرحل، هذا ويتنافس محمد بن ثنيان وثنيان بن ثنيان على نفس المركز والسلطة وبالتالي يصبح عدد المتربصين لعبدالله ثلاثة من أقربائه وأعدائه في نفس الوقت، وبصورة عامة فإن هناك بعض القبائل النجدية التي تنتظر الفرصة المناسبة للثورة، ولكن ولغاية الآن فإنه يبدو وكأن السلطة النجدية قد كتبت لها الاستمرارية وأنه ما أن يستقر عبدالله في السلطة ويقوم بتقوية أحلافه القبلية فإن ذلك يعني وبصورة مباشرة سيطرته التامة على زعماء الساحل، ومد هذه السيطرة إلى المناطق الشرقية للجزيرة من الكويت وحتى رأس الحد.
تدخل بجانب سلطان مسقط
يواصل بيلي الحديث «ما أن عدت من الرياض ومن رحلة الوفاق حتى طلبت مني حكومتي التدخل إلى جانب سلطان مسقط، ولذا توجهت لمسقط لمقابلة السلطان الذي طلب منى التدخل بأية صورة أراها مناسبة وقام بتسليمي طلباً بهذا الشأن مع صورة منه أرسلت إلى السلطة النجدية في نجد ولكن دون رد منها، بعدها توجهت إلى إنجلترا، وبعد عودتي من إنجلترا طلبت من حكومتي التدخل الفوري وذلك لخطورة الوضع في مسقط.. فتوجهت لمسقط وبينما كنت أجري استعداداتي الخاصة بقضية مسقط قتل السلطان بينما كان نائماً وقام ابنه القاتل بإلقاء عمه السيد تركي في السجن، وأعلن نفسه سلطاناً على مسقط بعد أن سجن خادم والده في غرفة دون أبواب وهدد والدته بالنفي والطرد، وعرض أخوته «غير الخلصاء» للبيع في سوق العبيد بحجة أنهم أبناء الجواري، بعدها قام الحاكم الجديد بفرض القوانين الجائرة والتي أثرت على الوجود الإنجليزي في مسقط وعلى الرعايا الإنجليز وأثارت حالة من الفوضى الإدارية في البلاد، توجهت إلى مسقط وقمت بنقل رعايانا على ظهر سفينتي وأرسلت الهنود في سفن أخرى إلى خارج البلاد وحاولت إنقاذ حياة السيد تركي وخادم السلطان «أو وزيره المسجون في غرف تم إغلاق جميع منافذها بالبناء»، وكان ذلك انتقام شخصي أيضاً من أهالي صور والذين حاولوا قتلي في المناطق التابعة لزنجبار سابقاً « لقد ذكرت ذلك في رسالتي رقم 113 المؤرخة أول فبراير 1862»، أود في النهاية شكر الملازم وارنر « Warner» لتأديته الواجب بصورة مثالية والتزامه بالتعليمات الخاصة برحلة العودة من الرياض، وانتظاري في سفينة صاحبة الجلالة برنيس « Berenice» ، وأعتقد هنا بأنها كانت أول سفينة ثقيلة تبحر في مياه غير مدروسة وغير مخططة بين اليابسة وجزر البحرين، أوصى أن تنظر الحكومة في مكافأة السيد دووس « Dawes» لما قدمه من خدمات ومساعدات جليلة أثناء الرحلة وإلى مترجمي جيولوكاس «Geo – Lucas «لقيامه بالترجمــــة اللازمة في هذه الرحلة وفي رحلات أخرى في مناطق الخليج.
وفاة لويس بيلي
توفى السير لويس بيلي العضو المحافظ في البرلمان عن منطقة شمال هاكنى، ورغم أن السير لويس بيلي لم يكن عضواً بارزاً في البرلمان ولكنه كان رجلاً متميزاً في حد ذاته، لقد كان صديقاً للسير توماس كارليل وقد كانت إنجازاته العسكرية والدبلوماسية مثالاً للتفاني في الخدمة الوطنية، لقد كان والده السير جون هيند بيلي – أما حياته العملية فقد بدأها بالخدمة العسكرية في الهند واشترك في الحرب الفارسية وله من العمر ست عشرة سنة، وكان ملازماً للجنرال جاكوب هناك في سنوات الحرب « 1856» . ومع ذلك فقد تميزت سيرته العملية بالعمل في المجال السياسي أكثر من العسكري، لقد انتقل في وظائف سياسية من طهران إلى هيرات وبلوشستان وأفغانستان، ومن ثم في منصب القنصل العام والمقيم السياسي في زنجبار، ولكن تبقى سنوات خدمته في الخليج « كمقيم سياسي في بوشهرو على مدى إحدى عشرة سنة»، أهم سنوات خدمته والتي تميزت بالقضاء على القرصنة وإخضاع القبائل المشاغبة، لقد جمع أثناء سنوات خدمته القصائد والمقالات عن وفاة الحسن والحسين، بعدها انتقل إلى مركز الوكيل الخاص للحاكم العام لإقليم راجبوتانا، وفي عام 1874 اضطر إلى إلقاء القبض على « جيكوار» الحاكم الفاسد! لإقليم بارودا واستلم السلطة بدلاً منه، وقد أعطي وساماً « K.C.S.I « جزاءً لهذا العمل، ولقد كان مفاوضاً جاداً في أفغانستان وتقاعد بعد ذلك مع حصوله وساماً جديداً «K.C.B» ، في 1885 انتخب للبرلمان بأغلبية 400 صوت مرشحاً عن منطقة شمال هاكني وبقي فيه حتى 1886، لقد كان عضواً ملتزماً بالأمور البرلمانية وكثيراً ما تحدث عن الأمور التي لها علاقة بالهند أو السياسة الخارجية بصورة عامة ولكنه مع ذلك لم يتطلع إلى منصب أعلى من ذلك في البرلمان وكان له من العمر 67 يوم وفاته.
تأبين لويس بيلي
«General Sir Lewis Pelly, K.C.B, K.C.S.I., MP»من ملفات الجمعية الملكية للجغرافيا – يونيو 1892 – لقد كانت وفاة لويس بيلي في فالموث 22 أبريل الماضي «عن عمر يناهز السابعة والستين» خسارة كبيرة وفقداناً لإحدى الشخصيات المهمة واللامعة من شخصيات رجالنا في الهند ، لقد كان والده المرحوم جون هنيد بيلي من منطقة هايد هاوس في مقاطعة جلوكستر شاير ، وقد تعلم بيلي في رجبي والتحق بالجيش بمجرد بلوغه السادسة عشرة ولو قرأنا سجله الحافل من تلك اللحظة وحتى أربعين عاماً من الخدمة في الهند فإننا نطالع سجلاً لإنسان مرموق ولشخصية فذة ولخدمات جليلة، وإننا وعرفاناً منا بذلك الدور سوف نختصر ذلك السجل فيما يلي : التحق بيلي الفيلق السابع عشر للخيالة وبرتبة ملازم ثانٍ في بومبي عام 1841 وعمل في إدارة الوحدة في عام 1842 ليرقى بعدها إلى ملازم في عام 1843 ، عمل في الفترة بين 1851 – 1852 مساعداً للعقيد اوترام وباقي المقيمين في بلاط جايكوار ونقل بعد ذلك إلى الخدمة المدنية في السند في عام 1853، وتمت ترقيته في عام 1856 إلى نقيب، وعمل أثناءها قائماً بأعمال المساعد الخاص الجنرال جون جاكوب القائم بأعمال المفوض العام في السند والتحق في العام التالي بالقوة المرسلة إلى فارس وفي سلاح الخيالة.. وبعد فترة وجيزة عين في منصب المساعد السياسي للسير جيمس اوترام، حصل بعد الحرب الفارسية على وسام وميدالية ونقل عام 1858 برتبة رائد إلى سلاح الخيالة في حدود السند، في الفترة بين 1859 – 1860 عمل في منصب أمين سر البعثة الإنجليزية في البلاط الفارسي وأصبح قائماً بالأعمال الدبلوماسية بعد تقاعد ابن عمه السير هنري رولنسون وأرسل في بعثة من طهران إلى هيرات، ومنها إلى الهند عن طريق سيستان وأفغانستان وبلوشستان، في عام 1861 تمت ترقيته إلى رتبة رائد وأرسل إلى كلكتا ومنها إلى جزر القمر ، في الفترة بين 1861 – 1862 كان قائماً بأعمال القنصل في شرق أفريقيا، وفي نهاية عام 1862 عين مقيماً سياسياً في الخليج ورقي إلى مقدم في عام 1863 ، في عام 1864 كان مفاوضاً لإمام مسقط في اتفاقية كابل التلغراف، وفي عام 1865 زار نجد، في عام 1868 منح لقب فارس الهند ورقي في عام 1871 إلى رتبة عقيد، في عام 1872 رافق السير بارتل فرير في رحلته إلى شرق أفريقيا، 1873 عين وكيلاً لدى الحاكم العام لملكة راجبوتانا، وفي عام 1874 حصل على لقب فارس الفرسان وعين وصياً خاصاً في بارودا، في عام 1875 طلب منه إلقاء القبض على صاحب الجلالة جيكوار، وكان عليه أن يستلم السلطة في مملكة بارودا، في ديسمبر 1876 عين متحدثاً رسمياً ومفاوضاً في المفاوضات الأفغانية وأعطي وساماً آخر K.C.B ، عاد بعد هذه الخدمة الأخيرة إلى بريطانيا وقد أثنت الحكومة على جهوده وإنجازاته.
التعرف على بيلي
لقد تعرفت على بيلي أثناء خدمتي في السند عام 1853 عندما كان السير بارتل فرير مفوضاً عاماً هناك والذي أثارته إمكانات بيلي الثقافية والإدارية، لقد كانت هذه العلاقة الأولى مع السير بارتل فرير حافزاً لوظيفة أخرى في فارس ولقد أبدى بيلي في الوظيفة الجديدة في البلاط الفارسي القدرة على خدمة الملكة والوطن دون كلل واعترف مالكوم بهذه الإمكانات والقدرات، ولذا نود هنا أن نختصر بعضاً من سجلات فترة خدمة بيلي في بلاط فارس، لقد تم تعيين بيلي في منصب قائم بأعمال أمين السر بواسطة قريبه السيرهنري رولنسون سفير صاحبة الجلالة في فارس عندما تم إلحاق أمور البعثة في فارس إلى الحكومة في الهند ولقد سافر بيلي من طرابزون إلى طهران على ظهر حصانه لاستلام هذا المنصب، ولكن وبعد مضي عام واحد وبسبب تغيرات حكومية في لندن تحولت أمور البعثة مرة أخرى إلى لندن بدل الهند وتمت ترقية بيلي إلى مسؤول الأمور السياسية ولكن كان لابد من انتقاله إلى دائرته الأولى في الهند، وامتطى بيلي حصانه مرة أخرى وتوجه إلى هيرات عاصمة الإقليم الغربي في أفغانستان، وكانت رحلته هذه عبر الحدود الشمالية للهند موضوعاً تناولته الصحافة والناس لمدة طويلة، فلقد ارتدى بيلي في هذه الرحلة زيه العسكري وقطع 800 ميل في مناطق مناوئة للوجود الإنجليزي، ولقد كان الماجور بيلى آنذاك أول أوروبي وأول إنجليزي يعبر هذه المنطقة « ماراً بهيرات وكندهار»، ومنذ الحرب الأفغانية الأولى، في مايو 1872 وصلت إلى بوشهر وكان الصيف في أوج حرارته وكان المقيم السياسي بيلي مقيماً آنذاك في ذلك البناء الكبير والتابع إلى المعتمدية وما أن وصلت سفينتنا البخارية إلى الميناء حتى وصلتنا دعوة لطيفة من المقيم يدعونا فيها إلى لقائه في دار الاعتماد، « أو المقيمية «، ومن ثم نقلنا بواسطة الخيول إلى المقيمية حيث قضينا ثلاثة أيام في ضيافة المقيم السياسي، لقد كان بيلي سهل المعاملة ولكنه دقيق في تنفيذ واجباته وخاصة المهمة منها، لقد كان ملتزماً بمسؤوليات جمة وأمور هامة في نفس الوقت الذي كان يستعد لإرسال مساعده إلى البحرين تساعده في ذلك سفينتان حربيتان، ورغم ذلك فإنه لم يغفل عن ضيوفه أبداً، وكان يرعى أمورهم الخاصة ويحاول أن يجعل بقاءهم معه ممتعاً، لقد كانت أحاديثه تغطي عدة مواضيع في نفس الوقت وفي شؤون شتى ومختلفة، وكانت سنوات خدمته الإحدى عشرة في الخليج دليلاً على تفانيه في خدمة الإمبراطورية وترسيخ وجودها ومصدراً جاءت منه السمعة العظيمة له ولإنجازاته.