لقد كان من أبلغ الأقوال المأثورة التي حملها ونقلها إلينا موروثنا الثقافي ذلك القول القائل: «اتق شر الحليم إذا غضب».. ولقد اختص الحليم بهذا القول عمن سواه لأن غضب الحليم ليس كأي غضب، فالحليم ليس من عادته أن يستثار و«يشتط» غضبه لأبسط الأمور وأتفهها بل تراه يأتي على نفسه مرات ومرات ويصطبر على العداوة والأذى من الغير حتى إذا طفح كيله وبلغ سيل الأذية الزبى؛ فعندها تجد السحر ينقلب على الساحر وتجد ذلك الحليم الذي كان الناس من قبل يضربون بحلمه الأمثال والعبر يستنفد ما أوتي من صبر وروية ويحول صمته إلى حمم وبراكين من الغضب المتفجر يصبها فوق رؤوس أعدائه صباً ويقذف في قلوبهم الحسرة والندامة.
شاهد العالم وقرأ وسمع عن الحيثيات والتفاصيل المطولة التي عنيت بالملف البحريني وواكب الجميع التطورات التي صاحبت الحراك المزعوم في البحرين منذ بداياته ولغاية اليوم، وعرف الجميع بلا استثناء أن الأمر برمته قد كان مؤامرة حاكتها عدوة البحرين الأزلية.. ألا وهي إيران وأذنابها في المنطقة، وبالرغم من المحاولات اليائسة التي قام بها هؤلاء الشرذمة الباغية لإعطاء حراكهم صفة الشرعية وحشد الرأي العام الدولي؛ وذلك عبر تأسيس قواعد للمعارضة في الخارج ودعمها مادياً وإعلامياً لإيصال صوت نشازها للعالم، غير أن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل ولم يعد يجد هؤلاء المارقون أسواقاً يعرضون فيها بضاعتهم السياسية الكاسدة ذات الصلاحية المنتهية طامعين بالحصول على ثمن عمالتهم وخيانتهم.
وخلال السنتين الأخيرتين وصل الأمر إلى مرحلة بات من الصعب السكوت عليها وتجاهلها؛ حيث خرج هؤلاء الإرهابيون من جحورهم حاملين ومحملين بجرعة جديدة من إرهابهم والمتمثل بالعبوات الناسفة والألغام الأرضية، وبالفعل تم تنفيذ عدة عمليات نتج عنها استشهاد وجرح العديد من رجال الأمن والمدنيين، ليطل علينا بعدها خفافيش الظلام والضلال متباهين ومتبجحين بانتصاراتهم المزعومة ومتوعدين بالمزيد من الإرهاب حتى تحقيق طموحاتهم السياسية الباطلة.
وعلى النقيض من حجم كل ذلك الإرهاب الذي عانت منه مملكة البحرين، فإن الدولة البحرينية حافظت على ضبط النفس وإبداء مزيد من سعة الصدر ولين الجانب، وماذا كان الرد؟ مزيداً من الإرهاب والجرائم بحق الآمنين ومزيداً من الإساءة لرموز الدولة ومؤسساتها والتشهير بها على ألسنة دعاة النضال مدفوعي الأجر.
وعادت إيران لرفع وتيرة تدخلها من خلال تكثيف محاولات حرسها الثوري لتهريب الأسلحة والذخائر عبر المياه الإقليمية البحرينية لدعم المحسوبين عليها ومدهم بيد العون لإلحاق الخراب والتدمير بمملكة البحرين، إلا أن إيران أظهرت قمة الغباء السياسي والدبلوماسي حين أقنعت نفسها بأن تدخلها الصارخ في الشأن البحريني وتصدير إرهابها الفارسي الأسود لهو بالأمر الذي سيسهل إخفاؤه أو إنكاره، وأن محاولاتها الدؤوبة للعبث بالأمن الداخلي البحريني ستمر مرور الكرام، ولكنها كانت مخطئة وواهمة كلياً؛ فيقظة الأجهزة الأمنية البحرينية وجاهزيتها العالية قد قوضت جهود إيران الحثيثة واليائسة وقطعت الطريق أمامها وحالت دون إنجاح هذه المؤامرات، فبعد أن أيقن النظام البحريني خبث النوايا الإيرانية وبعد أن ضاق ذرعاً بتمادي أصحابها وأذنابها؛ عندها قرر تغيير لهجته السياسية والرد على هذه التجاوزات الوقحة بما يتناسب مع حجمها.
وبالأمس القريب شهدنا آخر تلك التجاوزات حين كشفت الأجهزة الأمنية البحرينية وكراً جديداً من أوكار الضلال ومعملاً من معامل تفريخ الإرهاب صنيعة أيادي طهران الخفية في منطقة النويدرات، حيث استخدم هذا الوكر كمخزن للأسلحة المصنعة في إيران وكمعمل لتصنيع الألغام والعبوات الناسفة، ولولا عناية الله ومن ثم يقظة العيون الساهرة التي فوتت عليهم إرهابهم وكانت لهم بالمرصاد لحصل ما لا يحمد عقباه.
وبعد كشف هذا الدليل الذي أضيف إلى ما سبقه من أدلة دامغة على ضلوع إيران لا بل وتزعمها للمؤامرة الموجهة ضد مملكة البحرين وضد شعبها، لم يعد بإمكان النظام البحريني السكوت على هذه العنجهية الفارسية والتطاول البربري الصفوي ليجيء الرد مزلزلاً وعلى الطريقة البحرينية التي جاءت كترسيخ وتطبيق عملي لمقولة «اتق شر الحليم إذا غضب».. فقررت البحرين رسمياً طرد القائم بأعمال سفارة إيران وسحب سفير المملكة من طهران وهي رسالة لكل من تسول له نفسه العبث بأمن البحرين أو محاولة المساس بسلمها الداخلي وبسيادة أرضها وشعبها.
نعم.. هذه هي البحرين العظيمة وهذا هو نظامها الذي لم ولن يرضى الذل والمهانة لشعبه ولوطنه، فخطاب الوسطية والاعتدال هو لغتنا لمن يستحق، ولمن لا يستحق فجعبتنا مليئة بالمفاجآت التي نباغت بها أعداءنا كلما دعت الحاجة لذلك، لسنا كسوانا نسوق لبطولات خرافية زينتها لهم عقولهم المهترئة، بل إنما نحن قوم إذا قالوا فعلوا.. لا نلقي بالاً للحروب الكلامية، نعلنها صراحة في وجه أعدائنا: لا نخاف في الله لومة لائم.. نتسابق لميادين العزة والشموخ لا يثني عزمنا الجبناء والمندسون والعملاء.. شعب واحد بايع قائده على السمع والطاعة وهتف بصوت واحد «لبيك يا بحرين».

عماد الصعوب