عواصم - (وكالات): حذرت أنقرة موسكو من تكرار اختراق مجالها الجوي خلال شنها غارات على سوريا، فيما ندد حلف شمال الأطلسي بهذا التوغل الروسي «البالغ الخطورة» داخل الأجواء التركية، ودعا روسيا إلى «الوقف الفوري لهجماتها ضد المعارضة السورية والمدنيين»، بينما تستعد قوات الرئيس بشار الأسد لاجتياح ريفي حمص وحماة بإسناد جوي روسي.
وفي موازاة التصعيد، واصل تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي تدمير المواقع الأثرية وسط سوريا وآخرها قوس النصر الشهير في مدينة تدمر المدرجة على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي.
ومع مواصلة روسيا شن ضربات جوية في سوريا، أعلنت أنقرة أن مقاتلات إف 16 تركية اعترضت طائرة حربية روسية انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود السورية وارغمتها على العودة، وفق وزارة الدفاع التركية. كما أكد الجيش التركي في بيان آخر تعرض مطاردتين تركيتين «لمضايقة» من طائرات ميغ 29 مجهولة على الحدود السورية. وحذر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في تصريحات لقناة خبر تورك الاخبارية من أن «قواعد الاشتباك لدينا واضحة ايا كانت الجهة التي تنتهك مجالنا الجوي»، مضيفاً «لدى القوات المسلحة التركية اوامر واضحة. حتى لو كان طيراً فسيتم اعتراضه». واستدعت انقرة سفير موسكو احتجاجاً على اختراق مجالها الجوي.
ويختلف الموقفان الروسي والتركي بشأن الأزمة في سوريا، إذ تعد موسكو الحليف الرئيسي للرئيس بشار الأسد بينما تدعو انقرة إلى رحيله كحل وحيد للنزاع. وأعلن حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي تركيا إليه، عقب اجتماع طارئ بشأن الأزمة السورية أن «الحلفاء يحتجون بقوة على هذه الانتهاكات للأجواء السيادية التركية، ويدينون التوغلات والانتهاكات لأجواء الحلف الأطلسي. ويلحظ الحلفاء كذلك الخطر البالغ لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة». ودعا روسيا إلى «الوقف الفوري لهجماتها ضد المعارضة السورية والمدنيين». وأعرب مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية من جهته عن قلقه إزاء هذه الانتهاكات. وقال «لا أعتقد أن هذا كان حادثاً (...) هذا يؤكد الشكوك في نواياهم ويثير تساؤلات حول سلوكهم وتصرفهم بشكل مهني في الأجواء». وفي بروكسل اعلن رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك والرئيس التركي رجب طيب اردوغان انهما بحثا في بروكسل «المنطقة الآمنة» التي تطالب انقرة بإقامتها على طول حدودها مع سوريا.
وصرح توسك بعد استقباله اردوغان في بروكسل أن «الاتحاد الاوروبي مستعد لمناقشة كل الموضوعات مع تركيا، وقد تحدثنا تالياً عن إمكان إقامة منطقة عازلة في سوريا». وسرعان ما جاء الرد من موسكو برفض إقامة منطقة آمنة شمال سوريا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف «بالتأكيد، نرفض هذا الأمر. ينبغي احترام سيادة الدول». وفي موسكو، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان شن 25 طلعة جوية استهدفت 9 مواقع تابعة لتنظيم «داعش» في سوريا في الساعات الـ24 الأخيرة. وقالت إنها تهدف إلى «زعزعة السلسلة القيادية وضرب لوجستية الإرهابيين».
وبحسب البيان، شملت الضربات في محافظة حمص وسط البلاد مركزاً قيادياً في الرستن ومستودعات ذخيرة ومركز اتصالات في تلبيسة. وطالت في إدلب شمال غرب سوريا معسكر تدريب في جسر الشغور ومواقع في منطقة جبل القبة. كما استهدفت مركزاً قيادياً في محافظة اللاذقية غرباً. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن «داعش» غير موجود عملياً في المناطق المذكورة. فمنطقة جسر الشغور على سبيل المثال خاضعة لسيطرة «جيش الفتح» الذي يضم جبهة النصرة ومجموعات إسلامية تقاتل النظام و»داعش». وبحسب مدير المرصد رامي عبد الرحمن، يشمل «نطاق عمليات الطائرات الروسية محافظات حماة وادلب وحمص واللاذقية والرقة شمالاً ومناطق سيطرة تنظيم داعش في ريف حلب الشرقي شمالاً، في حين يواصل النظام السوري عملياته الجوية في محافظة دير الزور شمال شرق البلاد، ومدينة حلب وريف دمشق ودرعا جنوبا». وأعلن 41 فصيلاً مقاتلاً في سوريا، أبرزها حركة «أحرار الشام الإسلامية» و»الجبهة الجنوبية» و»جيش الإسلام»، في بيان مشترك أن «الاحتلال الروسي الغاشم قطع الطريق على أي حل سياسي»، داعين دول الجوار إلى «تشكيل حلف إقليمي في وجه الحلف الروسي الإيراني المحتل لسوريا».
في المقابل، أبدى فصيلا «كتائب بدر» وعصائب «أهل الحق» الشيعيان العراقيان ترحيبهما بضربات روسية على «داعش» في العراق، وقالا إنهما يتطلعان لرؤية طائرات روسية تقصف مواقع التنظيم في العراق وطرق إمداده مع سوريا، مشيران إلى أن جهود أمريكا لم تفلح في القضاء على التنظيم. في غضون ذلك، واصل تنظيم الدولة «داعش» استهداف المواقع الأثرية في مدينة تدمر الأثرية وسط سوريا.
وقال المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم «تلقينا معلومات ميدانية مفادها أن قوس النصر دمر»، واصفاً المعلم الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام ويقع عند مدخل شارع الأعمدة بـ»ايقونة تدمر».
ويأتي تدمير قوس النصر الذي فخخه التنظيم قبل أسابيع وفق عبد الكريم، بعد تفجير مواقع أثرية عدة داخل مدينة تدمر التي يسيطر عليها التنظيم منذ 21 مايو الماضي، ما أثار تنديداً دولياً واسعا جراء استهداف هذا التراث الإنساني العالمي. وقالت المديرة العامة لمنظمة يونيسكو ايرينا بوكوفا في بيان «إن هذا التدمير الجديد يكشف مدى خوف هؤلاء المتطرفين من التاريخ والثقافة، ويظهرهم على حقيقتهم كنموذج للحقد والجهل».
وتشهد سوريا نزاعاً بدأ منتصف مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية قبل أن يتحول إلى حرب دامية متعددة الأطراف، تسببت بمقتل أكثر من 240 ألف شخص وبتدمير هائل في البنى التحتية بالإضافة إلى نزوح الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.