واشنطن - (وكالات): تناول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الأوضاع المتدهورة في الشرق الأوسط والأزمات التي تنذر بالمزيد من زعزعة استقراره، وتساءل - في مقال نشرته له صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية - عن السبيل إلى الخروج من الدمار الذي يحيق بالمنطقة برمتها.
وأشار كيسنجر إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا تسبب في جلب الفوضى للبنية الجيوسياسية التي اتسمت بها منطقة الشرق الأوسط عقوداً، وأضاف أن «الولايات المتحدة بحاجة إلى إستراتيجية جديدة إزاء أزمات المنطقة، وأنها أحوج ما تكون إلى الانتباه إلى الأولويات الملحة في هذا المجال».
وأوضح المسؤول الأمريكي السابق أنه «ما إن بدأ نقاش الخطة الدولية الشاملة المشتركة لتنفيذ اتفاق البرنامج النووي الإيراني على أرض الواقع - وذلك من أجل العمل على استقرار الشرق الأوسط على المستوى الإستراتيجي - حتى بدأ الإطار الجيوسياسي للمنطقة بالانهيار». وأضاف أن «التدخل العسكري الروسي في سوريا يمثل أحدث أعراض تفكك الدور الأمريكي الساعي لجلب الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1973».
وأوضح أن مصر تخلت في أعقاب ذلك الصراع عن علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفيتي السابق، وأنها انضمت إلى مفاوضات السلام مع إسرائيل برعاية أمريكية، وأسفرت عن معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل وأخرى بين الأردن وإسرائيل، وذلك بالإضافة إلى اتفاق فك اشتباك بين إسرائيل وسوريا برعاية الأمم المتحدة.
وتحدث كيسنجر عن أزمات أخرى ألمّت بالمنطقة، إلى أن قال إن «هناك أربع دول في الشرق الأوسط تعاني من الفوضى أكثر ما يكون»، مشيراً إلى «ليبيا واليمن وسوريا والعراق»، وأضاف أن «هذه الدول باتت مستهدفة من جانب حركات تريد فرض سيادتها عليها».
وأوضح أن تنظيم الدولة «داعش» يريد أن يقيم دولة «الخلافة الإسلامية» بدلاً من الدول المتعارف عليها في النظام العالمي». وأضاف أن «إيران تدعم لاعبين آخرين يمثلون جماعات جهادية في المنطقة، كما هو الحال مع «حزب الله» أو جماعة الحوثي في اليمن».
وأضاف أن «الشرق الأوسط يعاني من أربعة مخاطر رئيسية تنذر بانهياره، أبرزها الطموحات الإيرانية الرامية إلى إحياء دور الإمبراطورية الفارسية، وكذلك سعي جماعات دينية متطرفة» للإطاحة بالهياكل السياسية القائمة، فضلا عن الصراعات المحلية ضمن الدولة الواحدة بين الجماعات العرقية والدينية، ورابعاً الضغوط الداخلية الناجمة عن الاضطرابات السياسية والاقتصادية المحلية».
وقال إن «المصير الذي آلت إليه الأوضاع في سوريا يعطي مثالا واضحا على التناقضات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط، وأضاف أن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة تسبب في قدوم روسيا إليها بثقلها العسكري».
وأكد أن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تبعث على مزيد من الشك لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وسط الخشية من المواجهة الفعلية بين القوتين الأمريكية والروسية في المنطقة، وذلك لأن الظروف الراهنة تشبه تلك التي أدت للحرب العالمية الأولى، مع الفارق أن تلك الحرب كانت بالأسلحة التقليدية».
ودعا كيسنجر الولايات المتحدة إلى «العمل بشكل جاد وحاسم على منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وبالتالي حظر انتشار الأسلحة النووية لجميع الطامحين إلى الحصول عليها في منطقة الشرق الأوسط».
وقال إن «إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة يمثل أولوية قصوى في الشرق الأوسط، وأن تدمير التنظيم يعتبر أمراً ملحاً وأهم من الإطاحة بنظام الأسد»، ودعا إلى «عدم تمكين تنظيم الدولة من الاستمرار بالاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها، وذلك خشية تحولها إلى ملاذات آمنة للجهاديين حول العالم».
وأوصى كيسنجر «بضرورة استعادة المناطق من سيطرة تنظيم الدولة في المنطقة عن طريق قوات سنية معتدلة أو من خلال قوات تتبع قوى خارجية، بعيداً عن القوات الجهادية المدعومة إيرانياً».
وأضاف أنه «يجب إعادة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة إلى السيادة السنية التي كانت موجودة قبل تفكك كل من السيادة العراقية والسورية». وقال إنه «يجب على الدول الواقعة في شبه الجزيرة العربية وكذلك مصر والأردن، أن تلعب دورا في هذا التطور، ويمكن لتركيا المشاركة في هذه العملية بشكل خلاق، وذلك بعد أن تنتهي من حل أزمتها الدستورية».
كما دعا إلى «إيجاد حل للأزمة السورية المتفاقمة»، وقال كيسنجر إنه «يمكن تشكيل هيكل اتحادي بين العلويين والسنة في سوريا، مما يعني أن يلعب الأسد دوراً في حكم الطائفة العلوية ضمن الاتحاد السوري، مما يقلل من مخاطر حدوث إبادات جماعية أو فوضى قد تؤدي إلى انتصار الإرهابيين».
ودعا كيسنجر واشنطن أيضاً إلى «تنفيذ الضمانات العسكرية التي وعدت بها الحلفاء في الشرق الأوسط إبان مفاوضات اتفاق النووي الإيراني، وإلى التحاور مع إيران كي تلتزم بحدودها المتعارف عليها كدولة، وإلى أن تقرر واشنطن الدور الذي يجب أن تقوم به في القرن الحادي والعشرين».
واختتم بالقول إن «الشرق الأوسط يمثل منطقة الاختبار الأهم الذي يضع سمعة الولايات المتحدة على المحك، وذلك ليس بشأن قوتها العسكرية، ولكن إزاء عزيمة الأمريكيين وقدرتهم على التفاهم من أجل عالم جديد».