اختتم مهرجان البحرين الدولي للموسيقى في نسخته الرابعة والعشرين بروائع أغنيات وموسيقى الشعوب، التي التقت في موسمها المعتاد بقلب مرفأ الكون، عبر سيرة جميلة بدأت بفن الباليه الروسي في الرائعة العالمية آنا كارينينا بمسرح البحرين الوطني، وصولاً إلى مختارات من ألحان الوطن العربي التي اقتسمتها فرقة البحرين الوطنية للموسيقى على خشبة الصالة الثقافية. وفي المسافة ما بينهما، جاءت الموسيقى باتساع مداها خطاباً ثقافياً جميلاً، جمع المئات من الجماهير على مدى أيام انعقاد المهرجان منذ الثامن من أكتوبر الجاري وحتى التاسع عشر منه، منتقلاً بذاكرة الصوت والسماعيات إلى أوطان عدة. وقد شكلت هذه الأيام تداخلاً ليس موسيقياً فحسب، بل وحتى عبر بعض الندوات التي تناولت الإيقاع وفكرة الموسيقى والأوبرا ضمن نقاشات كان لها ثراؤها الخاص في سياق المهرجان.
وكانت انطلاقة مهرجان البحرين الدولي للموسيقى هذه المرة عبر خاتمة الأعمال الكبرى للكاتب الروسي تولستوي «آنا كارينينا» التي قدمتها فرقة سان بطرسبورغ الروسية للباليه على مدى يومين، بقيادة الفنان ومصمم الرقصات بوريس إيفمان، في سرد بصري مثير ووحي موسيقي لتشاكوفيسكي، وسينوغرافيا دقيقة. وتناول العرض بملابساته المدهشة قضايا الطبقية والإكراه الاجتماعي والحرية الفردية عبر تحولات عاشقة مرت بالخيانة، ثم بالإحباط والهلوسات وصولاً إلى الانتحار، تم عرضها جميعاً في تعابير جسدية راقصة مثلت أقصى حالات الغضب والجنون والعشق والخوف والحيرة وصراع الذات التي برع تولستوي في إظهارها في روايته.
ثم أعقب ذلك حفل «وصلة» الذي قدمته الفرقة الوطنية التونسية للموسيقى في العاشر من شهر أكتوبر على خشبة الصالة الثقافية. وقد جسد هذا الحفل رحلة سماعية فنية رائعة، استعادت الموروث الموسيقي التونسي بتاريخه العريق وذكراته المتسعة، في تفاعل جمهوري واسع، استلهم من ذاكرة تونس واحداً من أجمل خطاباتها الموسيقية. أتبع ذلك حفل «المكسيك تغني للعالم» الذي أقيم في الحادي عشر من هذا الشهر، برفقة ثلاثة من ألمع الفنانين المكسيكيين المرموقين وهم: الميزوسوبرانو إنكارناسيون فاسكيز، التينور خوسيه لويس أوردونييز، وعازف البيانو رودولفو ريتر، والذين قدموا مزيجا فريدا من ألحان الأوبرا الكلاسيكية والأغاني المكسيكية الأصيلة التي جسدت روعة وجمال الثقافة والفن المكسيكي.
وبعدها جاء الدور على العرض الموسيقي العالمي «المخلوقات الخيالية مع ألاسدير مالوي» الذي جاء من أوروبا والمملكة المتحدة ليصحب جمهوره من العائلات إلى موسيقى تفاعلية، كسرت الاعتيادي وأعادت نسج ذاتها في سياق تعليمي وترفيهي أمتع الحضور. وقد صنف هذا العرض ضمن الفئة العائلية، متناولا مجموعة من المفاهيم المختلفة التي استندت على الموسيقى لإيصال رسالتها. وفي صوت التونسية درصاف حمداني، كانت الموسيقى تنسج حواريتها ما بين سيدة الظلام وجارة القمر، في حفل «فيروز وباربرا»، تأكيداً على دور الموسيقى في إلغاء للمسافات، وكشف لفعل الغناء في الروح. وقد تمكنت درصاف برفقة الملحن الفرنسي دانيال ميل إيجاد القواسم المشتركة ما بين المطربتين، حتى بدت الموسيقى المصنوعة في لبنان أو على ضفاف نهر السين، لها أصل واحد، أو أنها تعكس اللوحة ذاتها أو الحالة المزاجية نفسها في تجربة خصبة واستثنائية.