بيروت - (أ ف ب): لم يحقق الجيش السوري رغم مرور نحو 3 أسابيع على بدء الغارات الروسية الكثيفة المساندة له أي مكاسب استراتيجية ميدانية في الهجوم البري الذي يقوده على جبهات عدة في البلاد ويروج له عبر إعلامه، رغم الدعم الروسي والإيراني والمكثف.
ويربط محللون ذلك بالإرهاق الذي يعاني منه الجيش بعد أكثر من 4 سنوات من الحرب، بالإضافة إلى رغبة موسكو في مساعدة النظام على أحكام إمساكه بمناطق سيطرته أكثر من رغبته بمساندته لاستعادة مناطق أخرى.
ويقول الباحث في الشؤون السورية في مركز كارنيغي يزيد صايغ «المساهمة الجوية الروسية وحدها غير قادرة على ترجيح الكفة لصالح النظام خصوصاً مع وجود ثغرات ونقاط ضعف كثيرة لدى القوات البرية السورية».
وبدأت موسكو، حليفة دمشق التي وفرت لها دعماً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً منذ بدء النزاع عام 2011، شن ضربات جوية في سوريا في 30 سبتمبر الماضي. وبعد أسبوع، بدأ الجيش السوري بدعم من مقاتلين إيرانيين ومن «حزب الله» الشيعي اللبناني عمليات برية واسعة على جبهات عدة في 4 محافظات وسط وشمال وغرب البلاد.
وعلى الرغم من إعلان روسيا شنها ضربات على نحو 500 هدف لتنظيم الدولة «داعش»، فإن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق أي تقدم ميداني نوعي.
ويوضح صايغ أنه على الرغم من اشتداد حدة المعارك في ريف حماة الشمالي فإنها «فعلياً لم تقلب الموازين».
ويقدر محللون أن الجيش السوري الذي بلغ عديد قواته المقاتلة 300 ألف عنصر قبل بدء النزاع عام 2011، خسر نصف عناصره الذين قتلوا خلال المعارك أو انشقوا.
ووفق حصيلة جديدة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تجاوزت خسائر قوات النظام البشرية منذ بدء النزاع 50 ألف جندي. ويضاف إلى هؤلاء القتلى في صفوف المجموعات المسلحة الموالية وغير السورية، وبينها «حزب الله» اللبناني، التي تقاتل الى جانب النظام.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد أقر أن «العقبة التي تقف في وجه القوات» مرتبطة أساساً «بمشكلة تعب»، تضاف إلى «نقص في الطاقة البشرية» بعد أكثر من 4 سنوات على الحرب الدموية.
ولا يقتصر الأمر على إرهاق الجنود فحسب، إذ يشير خبير عسكري عمل في سوريا إلى أن الطائرات الحربية السورية «استنفدت خلال الأشهر الأخيرة معظم ذخائرها عالية التقنية»، وهو ما يبرر استخدامها للبراميل المتفجرة. ويرى صايغ أن «الجيش السوري استعاد معنوياته بعد التدخل الروسي الذي شد أيضاً العزيمة السياسية لدى النظام ومناصريه». وتقول موسكو إن ضرباتها الجوية تستهدف «داعش» و»مجموعات إرهابية» في سوريا، في حين تعتبر دول غربية أن هدفها الفعلي دعم قوات النظام بعد الخسائر الميدانية التي مني بها أخيراً، منتقدة استهدافها لفصائل تصنفها بأنها «معتدلة». ويوضح كريم بيطار الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس أن «التغييرات الميدانية ضئيلة إلى حد ما» على الرغم الحملة الدعائية التي تواكب عمليات قوات النظام.
ويرى أن الروس من الناحية العسكرية «يسعون في الغالب إلى الحفاظ على «الستاتيكو» القائم وضمان إمساك الأسد بالمناطق التي لاتزال تحت سيطرة قواته».
ويضيف «في هذه المرحلة لا يرغب الروس باستعادة المناطق التي سبق للنظام أن خسرها». ويسعى النظام السوري بشكل خاص إلى ضمان أمن المنطقة الساحلية وخصوصاً محافظة اللاذقية معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وباتت المحافظة تحت تهديد فصائل «جيش الفتح»، وفي مقدمها جبهة النصرة -ذراع تنظيم القاعدة في سوريا- وحركة أحرار الشام الإسلامية، بعد سيطرتها بالكامل على محافظة إدلب المجاورة من ناحية الشرق ومحاولتها التقدم إلى اللاذقية من منطقة سهل الغاب في محافظة حماة وسط البلاد.
ويشير صايغ إلى أن حماية اللاذقية تعني بالنسبة إلى دمشق إبقاء منطقة سهل الغاب وطريق الإمداد المجاورة التي تربط الساحل بالعاصمة، آمنة.
ويرى كريس كوزاك الباحث في معهد دراسات الحرب الأمريكي أن «قوات النظام تكبدت خسائر فادحة في العديد والعتاد بمواجهة صمود الفصائل» على الرغم من الغطاء الجوي الروسي ودعم المجموعات المسلحة لقوات النظام في محيط سهل الغاب. ويقول في تقرير بعنوان «الهجوم السوري الإيراني الروسي المشترك يحقق مكاسب محدودة»، إن الجهات الداعمة للنظام السوري قد تجد نفسها مضطرة لمضاعفة دعمها «المالي والعسكري بهدف الحفاظ على المكاسب الأولية فقط».
ولا يستبعد أن يؤدي استمرار تكبد النظام للخسائر إلى جعل «القوات الموالية للنظام عرضة لهجوم مضاد من الفصائل السورية».
لكن محللين قريبين من دمشق يعيدون البطء في إحراز تقدم ميداني إلى أن «الاشتباكات لاتزال في بدايتها».
ويقول الخبير العسكري نفسه الذي سبق وعمل في سوريا في هذا الصدد «من المبكر جداً الحديث عن إنجازات للجيش السوري، فالعملية الدائرة حالياً في ريف حماة الشمالي مثلاً ستحتاج إلى 90 يوماً للحصول على نتائج فعلية».
ويتفق وليد سكرية، الخبير العسكري والنائب عن «حزب الله» في البرلمان اللبناني مع المصدر العسكري، ويقول «حتى لو مر أسبوعان على التدخل الروسي يواجه الجيش السوري كامل قوة الفصائل، ومن هنا يعتبر بطء العمليات منطقياً في هذه المرحلة الأولى».
ويضيف «يجب أن ننتظر أن تضعف الفصائل المقاتلة، لنتحدث عن وتيرة أسرع للتقدم».