دبي - (العربية نت): حركة نشطة في الصالونات الدبلوماسية السعودية، تسعى من خلالها الرياض إلى إنشاء شبكة أمان عربية وإسلامية، لا تعتمد فيها فقط على الخيارات الكلاسيكية في التعاطي مع الدول التي دأبت على إنشاء رابط دائم وقوي معها، وإنما البحث عن خيارات جديدة، تعزز عبرها العلاقات مع عواصم كانت على وفاق مع المملكة، لكن مستوى التعاون السياسي والأمني أو التبادل الاقتصادي والثقافي معها، بقي متواضعاً ولا يرقى لطموحات الجانبين، خاصة مع دول القرن الافريقي حيث استطاعت حنكة الدبلوماسية السعودية إزاحة إيران عن تلك الدول.
رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام دسالني، كان جنباً إلى جنب مع خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث استقبله في مكتبه بقصر اليمامة في العاصمة الرياض. وهو اللقاء الذي حظي بحفاوة كبيرة من خلال حضور كبار المسؤولين في الحكومة، وما تلاه من لقاءات بين مسؤولين سعوديين وإثيوبيين.
رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر جيله، والذي زار المملكة في 18 أكتوبر الحالي، هو الآخر حفي باستقبال ملكي حافل، وبرنامج لقاءات ومباحثات على مستويات عدة سياسية واقتصادية وعسكرية.
العاصمة الرياض، كانت محطة للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والذي اجتمع حينها بالملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد 3 أشهر فقط من توليه مقاليد الحكم. في فترة شهدت فيها البلاد حركة زيارات مكوكية، جمعت زعماء وسياسيين عرباً ومسلمين عدة.
هذه الحفاوة بزعماء دول إثيوبيا وجيبوتي وإرتيريا، لم تكن مجرد بروتوكول شكلي، وإنما أريد من خلالها إظهار رسائل تعكس توجه الدبلوماسية السعودية الجديدة، نحو تعزيز العلاقة مع دول «القرن الإفريقي»، وهي المساحة الجغرافية التي كانت بمثابة «حديقة خلفية» لإيران، تستخدمه لمد نفوذها نحو إفريقيا، وتعزيز عملياتها الاستخباراتية، مطلة عبرها على المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر.
طهران وخلال السنوات الأخيرة عززت من أسطولها البحري المتواجد في المياه الدولية بالقرب من مضيق باب المندب. وكان لها حضور أمني في القرن الأفريقي، يتكامل ويتواصل مع الحضور الواسع في السودان حينها، يوم كانت العلاقات متينة بين نظامي البلدين. حيث احتضنت الخرطوم معسكرات تدريب، وشكلت مسرح عمليات أمنية، ومحطة إمداد لإيصال السلاح الإيراني إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، عبر سيناء.
مشاركة السودان في التحالف العربي لدعم «الشرعية» في اليمن، وإرسالها عدداً من الجنود إلى اليمن، جاء بعد تفاهمات بين الرياض والخرطوم، أدت إلى أن تقلص الأخيرة من تعاونها السياسي والعسكري مع طهران.
مراقبو التحركات السعودية الأخيرة رأوا أن علاقات دبلوماسية متينة بين الرياض ودول «القرن الأفريقي»، من شأنها أن تعزز من الأمن الإقليمي والبحري في باب المندب، وتحد من عمليات القرصنة وتحرك وتنقل المجموعات الإرهابية عبر البحار، وأيضاً السيطرة على عمليات تهريب السلاح إلى اليمن أو مناطق الصراع في الشرق الأوسط.
الملف اليمني هو الآخر له أهميته في العلاقة مع هذه الدول، خصوصاً لقربها من اليمن، ولوجود ترابط تاريخي وثقافي وتجاري، وأيضاً لكون عدد من اليمنيين يقيمون فيها كتجار أو كلاجئين، هرباً من المعارك الدائرة في بلادهم. وفي هذا الصدد يقول الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلية في حديث مع صحيفة «الرياض» السعودية: «إن دور بلدنا واضح ومعلن منذ اللحظة الأولى بدعم ومساندة «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل» في اليمن، بل إن موقفنا في دعم الحكومة الشرعية اليمنية متمثلة بفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي سابق لعاصفة الحزم». ووفق مصادر أفريقية، فإن الرياض ستشهد زيارات رسمية صومالية وتشادية، تأتي ضمن ذات السياق، الذي تسعى من خلاله المملكة لتعزيز علاقاتها مع دول القارة السمراء.
أفريقيا ليست هي المجال الحيوي الوحيد الذي تتجه له السعودية في علاقاتها الخارجية. فالدول الإسلامية الواقعة شرق آسيا، هي الأخرى موضع اهتمام هذه الدبلوماسية. ذلك ما كشفه التحرك الأخير لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي زار خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، أكبر دولتين إسلاميتين، ماليزيا وإندونيسيا، وأتبعهما بدولة الاقتصاد الحديث سنغافورة.
مراقب سعودي يرى في إندونيسيا الثقل والعمق الإسلامي البشري، تضاف لها ماليزيا وما شهدته من نمو اقتصادي وتطور صناعي. وهما بذلك لهما مكانتهما في المنظومة الإقليمية. ويقول إن الرياض في علاقتها معهما لا تتعامل بعقلية فوقية أو متعالية. وإنما تقدم نفسها كشريك تجاري واقتصادي، تريد أن تدخل أسواق البلدين وتعمل على استثمار ما تملكه من ثروة مالية في إقامة مشاريع تنموية وصناعية، تعود بالنفع على الجانبين. وهي السياسة ذاتها التي عرضتها على رؤساء دول «القرن الأفريقي»، وهو ما يجعل الجميع على قدر واحد من المساواة والاحترام والندية، وفق تعليق المراقب، ويستشهد في ذلك بـ»الاحتفاء الكبير» الذي وجده الرئيس الجيبوتي.
هذه المروحة الواسعة من العلاقات، التي تتخطى السياسة التقليدية المحصورة في دول الشرق الأوسط، ستكون لها أبعادها السياسية والأمنية، في ظل التمدد الإيراني عربياً، عبر 4 عواصم رئيسة، هي، بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء. وهي التي تشكل عمقاً جيوسياسياً لطهران. إلا أنها جميعها تشترك في كونها مناطق اضطراب وقلاقل أمنية، وتعاني من مشكلات اقتصادية وطائفية. ولذا، يجمع عدد من المراقبين على أن سعي السعودية لإيجاد علاقات مع عواصم أكثر استقراراً، وأقل اضطراباً، وأكثر شمولاً في خارطة العالم الإسلامي، ستستطيع من خلالها المملكة أن تحقق مصالحها، وفق شراكات رسمية وفق القوانين الدولية.