كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
يواصل د.عيسى أمين الحديث عن المذكرات والتقرير النهائي لما كتبه جورج فورستر سادليير عن رحلته إلى الجزيرة العربية بعنوان “رحلة عبر الجزيرة العربية”، وفي هذه الحلقة نقدم المذكرات الخاصة بالرحلة، ويبدأ فيها د.أمين عن الرحلة “14 أبريل 1819”، يقول سادليير إنه “في صباح الرابع عشر من أبريل استلمت التوجيهات والأوامر المتعلقة بهذه البعثة والتي تم إعدادها بواسطة صاحب الفخامة السير إيفان نيبيان بارت حاكم بومبي “Sir Evan Nadean Bart”، وركبت سفينة شركة الهند الشرقية ثيتس “ Thesis” وكان قائد طاقمها القبطان تانر “Tanner”، ولقد خصصت السفينة لهذه البعثة، وتم إبلاغ القبطان بالتوجه في أقرب فرصة مناسبة إلى مسقط لكي أتمكن من مقابلة الإمام، ودون أي تأخير وضعنا التدابير اللازمة للسفر، ولكن يبدو لي أننا سنواجه عبوراً صعباً، وذلك بسبب اقتراب موسم العواصف، لقد كانت السفينة “ثيتس” بعكس ما نتوقع لا تناسب المهمة، ولا حتى نقل الأمتعة، لقد بنيت هذه السفينة لتكون من ضمن السفن الحربية “أربعة عشر مدفعاً”، ولكنها من النوع الصغير، لذا اضطررت لإرسال الخيام المعدة لتنقلاتي بواسطة سفينة تجارية إلى بوشهر، ولقد حالفني الحظ في ذلك، وخاصة بعد أن أدركت أنه لم يكن بالإمكان نقلها على السفينة ثيتس، وحتى الهدايا التي حملتها اضطررت لوضعها على سطح السفينة.


لا مشاغبات بحرية
ويقول د.أمين في سرده للرحلة على لسان سادليير “أبريل 1819” أنه في مساء هذا اليوم قابلتنا سفينة صاحبة الجلالة كونواي “Conway” والعائدة من الخليج، واستجابة لحب الاستطلاع لدي رافقت الملازم قائد قبطان “ثيتس”، في زيارة السفينة المذكورة ومقابلة قبطانها برنارد “Barnard”، والذي أخبرنا بأنه لم تحدث أية مشاغبات بحرية من قبل القواسم منذ عدة أشهر، ولكن ازدادت الشكوى من انتهاكاتهم في مناطق أخرى، وأضاف قائلاً بأنه صادف سفينة فارغة في البحر ويعتقد أن القراصنة قد استولوا على محتوياتها، كان الدكتور كولكهون “Calhoun”، وكيل البصرة في فترة لاحقة، على ظهر السفينة وأخبرته عن مهمتي، وعلق بقوله: كانت القوافل تنتقل بين البصرة ومعسكر الأتراك في الجزيرة العربية، ولكنها توقفت في الفترة الأخيرة بسبب الخلافات التي وقعت بين إبراهيم باشا والقبائل العربية”، ولكن لاتزال الاتصالات بين بوشهر والقطيف مفتوحة، ويعتقد أن هذا الطريق أحسن من طريق البصرة إلى معسكر الأتراك في الجزيرة العربية، بالنسبة للبحرين لم تكن لديه أية معلومات عن أي تغيرات هناك، وفي 4 مايو 1819 يقول سادليير “في صباح السابع من مايو كنا في موقع شمال غربي رأس القريات كان الجو خانقاً والريح تكاد تكون معدومة، وتحركت السفينة ببطء في اتجاه الجبال الشاهقة المطلة على مسقط، عند المساء توقفنا في خليج مسقط وأرسلنا من يبلغ الإمام بوصول سفينتنا إلى هذه المحطة، وفي رغبة قبطان السفينة أداء تحية القلعة – وطلب الأذن بالنيابة عني بواسطة الملازم نش “NISH” من الإمام للسماح له بمقابلته، عند عودة المجموعة من الساحل أطلقت مدافع التحية، وسمعنا طلقات جوابية من مدافع القلعة المدوية والتي هشمت أصداؤها جزءاً من حاجز السفينة وألقت به في البحر، لقد سببت هذه الالتزامات “بالاتيكيت”، يقصد التحية بالمدافع – خسارة كبيرة لي، فلقد تحطم مقياس الحرارة الخاص بي وتحول إلى هشيم من الزجاج المخلوط بالزئبق، وأدركت أنه من المستحيل الحصول على آخر سواء في مسقط أو أي مكان في الخليج، كنت بحاجة إلى بضعة أيام لإنجاز مهمتي في مسقط، وفي نفس الوقت كنت راغباً في جمع المعلومات التي أحتاج إليها، ولذا طلبت من الإمام أن تكون إقامتي في منزل قريب من الساحل ومع علمي أن السكن بالقرب من الساحل سوف لا يؤدي إلى الراحة الجسدية بالنسبة لي، لكن في مثل هذه الظروف كانت مهمتي وما يتعلق بها قد أخذت الأولوية في الأمور والقرارات.
رسالة بومبي
ويواصل د.أمين الحديث عن مذكرات سادليير قائلاً إنه “في 8 مايو 1819 كان لزيارة وزير الإمام أطيب الأثر في نفسي، كانت تلك الزيارة في الثامنة صباحاً، وحدد لي موعد مقابلة الإمام في الحادية عشرة، وطلب مني أن أقدم الرسالة التي أحملها من صاحب السعادة الحاكم العام في بومبي، أن لا أدخل في الموضوع من أول مقابلة، لقد بدا لي الوزير بأنه غبيّ ومصاب بالدوخة وتنقصه التصرفات، وصلت سفينة صاحب الجلالة الملكية كرلو “Curlew” قبطانها الكابتن والبول “Walpole” وكان وصولها المفاجئ في الفجر حدث أثارالاستغراب لديّ ، فلقد غادرت هذه السفينة بومبي بعد عشرة أيام من مغادرتي لها على ظهر السفينة ثيتس، عند مغادرتنا للسفينة كان وزير الإمام في انتظارنا ورافقنا إلى مقر الإمام، حيث وجدناه مع أخيه في الشرفة الواقعة في نهاية الرواق، حيث كان بالإمكان مشاهدة حركة السفن في خليج مسقط.
لقد فرشت الشرفة بالسجاد الراقي وضعت فيها الكراسي، وقابلنا الإمام بكل ود ودفء وسأل صاحب السمو عن صحة كل فرد منا، قام بعدها بتقديم أخيه السيد سالم ووزيره علي بن فضل، أبدى صاحب السعادة الإمام ارتياحه من العلاقة المتينة القائمة بين صاحب الفخامة والشركة “شركة الهند الشرقية” وعائلته، وبعد استفساره عن صحة صاحب الفخامة الحاكم العام تقدمت إلى الإمام بالرسالة المرسلة له من بومبي ونهض سموه لاستلامها باهتمام زائد، تلا ذلك حديث ودي تخللته استفسارات الإمام عن المعارك العسكرية في الهند وتأكيد نجاح الحملة القادمة في الخليج، وأكد عدة مرات دعوته باعتباره صديقاً لأحد الطرفين صديق للطرف الآخر، وعدو أحدهما عدو للآخر، وأعتقد أنه كان يحاول التلميح إلى بعض المواضيع التي ما زالت في أطوارها الجنينية، بعد هذه الزيارة الطويلة استأذنا صاحب السمو الأمام وغادرنا القصر كلاً إلى مكانه المخصص له، في المساء زارنا وزير صاحب السمو الإمام وأراد معرفة خلفيات زيارتي للدرعية، ومدى تغلغل الجيش التركي على ساحل البحر الأحمر، ومدى قرب مواقع المعركة القادمة في الخليج من مناطق نفوذ الإمام، كل هذه التساؤلات كان القصد منها محاولة اقتناع الإمام ووزيره بالهدف من بعثتي إلى الجزيرة العربية، ومع ذلك فقد غادرني الوزير وهو شبه مقتنع بالأجوبة ، وبدا لي الوزير بأنه رجل وهن متقدم في السن اختلطت الكآبة واليأس في قراراته رغم كونه عربياً، وبرغبة مني في الوصول إلى قرار صاحب السمو الإمام ومنع الآثار العكسية للتأخير قررت أن أقابل الإمام في اليوم التالي.
سقوط البريمي
ويستطرد د.أمين، الحديث قائلاً “في صباح الـ 9 مايو 1819 كنت أعتقد أنني سألتقي بالإمام، ولكن جاءني الوزير بأنباء عن سقوط البريمي، وتوقع وصول الوالي الأخير للبريمي ومع أن الأنباء المفرحة قليلة في مسقط إلا أنني أعترف لقد استمعت إلى هذه الأنباء الأخيرة بنوع من نفاد الصبر، ومضت البقية الباقية من اليوم في الاستماع لأخبار الشيخ القادم، والذي فضل اللجوء إلى الإمام في مسقط على تنازله عن مكانته إلى شيوخ الشارقة وعجمان علماً منه بأنه لو فعل ذلك لانتهى بقطع رأسه وتحويل ملكه إلى أحد توابعهم، يقال إن البريمي قلعة محصنة، ولها برجان وتم بناؤها من الصخور الكبيرة ويحيط بها خندق عظيم، وأن المسافة بين رأس الخيمة والشارقة مسافة يومين، ولقد كانت بمثابة قاعدة خلفية لرأس الخيمة أمدها بالرجال والجمال حين احتاجت الأخيرة لذلك في حالات الدفاع، وأطال الوزير الحديث عن أحداث البريمي، وحاول أن يقنعني بجرأة وبطولة جيوش الإمام مع أن اعتقادي أن “بطال”، قد استجاب للظروف السياسية أكثر من خوفه من جيوش الإمام.
الوصول للدرعية
ويكمل د.أمين الحديث عن رحلة سادليير”في مساء التاسع من مايو 1819 قمت بمقابلة الإمام مرة ثانية، وكان الوزير حاضراً أثناء هذا اللقاء، ووجدت كليهما في مزاج متعكر، لذا لم أناقش سبب زيارتي لمسقط ومع ذلك كان الإمام يبدو عليه الضيق كلما ذكر اسم إبراهيم باشا وحاول إقناعي باستحالة وصولي إلى الدرعية أو عودتي سليماً منها إلى جانب صعوبة الوصول إلى معسكر الباشا أو إمكانية إقناعه بالمشاركة معنا في الحملة دون الرجوع إلى باشا مصر - يقصد والده محمد علي باشا-، وأعطى الإمام أمثلة على الأعمال الرهيبة التي قام بها إبراهيم باشا ضد العرب ولم يترك أي مجال للشك بأنه لن يوافق على التحاق جنوده العرب بجنود الباشا التركية، بعد أن أعطيت الوقت الكافي لصاحب السمو “الإمام” لكي ينفس عن حقده الدفين وثورته المكبوتة ضد إبراهيم باشا استطعت في النهاية من إقناعه بأن جيوشه لن تكون مشتركة مع الجيش التركي مع أنني كنت متأكداً بأننا لن نحتاج إلى جيوشه إذا ما وصلت الجيوش التركية إلى ميدان المعركة، في الحقيقة كان خوف الإمام من دخول الجيش التركي إلى مناطق نفوذه، وكان يحاول أن يجد البديل لهذا الاعتراض، ثم انتقل صاحب السمو الإمام إلى نقاش آخر كان صلب الموضوع فيه كيفية عزل قوات إبراهيم باشا عن مناطق نفوذ الإمام وإمكانية الحصول على المساعدات البريطانية إذا ما حصل عكس ذلك وكان جوابي له أن أحسن ضمان هو العلاقة الجيدة التي تربط الحكومة البريطانية بالباشا في مصر والتي من المؤكد أن تنعكس على علاقة الباشا “إبراهيم” مع صاحب السمو الإمام، بعد نقاش طويل ذكرت لصاحب السمو أهمية دعمه الكامل للحكومة البريطانية لما فيه مصلحته ومصلحتها وضمان سلامته من تحركات القواسم، وقد أكد لي صاحب السمو استعداده التام للمساعدة في هذه الأمور من أجل وضع حد لتعديات القواسم، ولكنه يفضل أن يناقش كيفية التعاون إلى يوم آخر، وقرر أن يكون اجتماعنا القادم في الصباح الباكر، فانسحبت من مجلس الإمام مرهقاً بعد مناقشات طويلة اعتقدت أنني قد أنجزت القليل منها.


قوة القواسم
ويستكمل د.أمين الحديث عن سادليير قائلاً إنه في 10 مايو 1819في هذا اليوم أسعدت باستلام معلومات من الوزير رداً على رسالتي له، وأخبرني أن صاحب السمو قد وضع في الاعتبار كل ما دار في مناقشات الأمس، وأنني لن ألاقي صعوبة في مناقشة الموضوع معه، ومن هنا توجهت على وجه السرعة إلى قصر صاحب السمو، حيث كان برفقه أخيه، كانت أول نقاط النقاش تتعلق بقوة القواسم وأخبرني الإمام بأنه مهما كانت لهم من قوة فإنها في انحدار الآن، وما نتج عنها من صراع بين زعماء القواسم، كما ذكر لي الإمام بأن بعض أهالي نجد الذين تمكنوا من الهرب من الدرعية قد التحقوا بالقواسم الآن، ولكن لا يزيد عددهم عن ثلاثمائة، وقدم لي الإمام إحصائية تقارب الواقع في محتواها، وقد حصل عليها من مصادر يمكن الاعتماد عليها وجاء في الإحصائية: عدد الملتحقين من الدرعية بالقواسم “ 300”، وعدد الرجال في بيخه “20”، عدد الرجال في شعام “150 - 200”، رميس “200”، رأس الخيمة وبها 25 سفينة كبيرة و75 صغيرة “300، الحمرة “التحقوا براس الخيمة”، أم القيوين عدد السفن الكبيرة واحدة والسفن الصغيرة 30 “400”، عجمان السفن الكبيرة 4 والصغيرة 35 فقط “1000”، فشت والشارقة وأبوهيل 12 سفينة كبيرة 150 صغيرة “1280”، دبي 4 سفن كبيرة و100 صغيرة “800”، أبوظبي - بني ياس - السفن الكبيرة 5 والصغيرة 300 “3000” ، المجمع الكلي السفن الكبيرة 46/ الصغيرة 300/ عدد الرجال “7200”، ويجب أن نلاحظ أن أبوظبي لا يمكن اعتبارها جزءاً من “ساحل القراصنة”- هكذا كان يطلق الإنجليز على الموانئ العربية -، لأنها انفصلت عن رأس الخيمة من مدة طويلة، على يمين رأس مندم يقع خليج صغير تابع للفجيرة ويستخدم كموقع للمراقبة للسفن القادمة إلى الخليج من الفجيرة أو دبا ويستطيع العربي “القاصد”، أن يعبر جبال رأس الخيمة في أربع عشرة ساعة، أما الطريق من دبا فإنه يمكن الانتقال عليه سيراً على الأقدام أو استخدام الخيول وحتى نقل المدافع الصغيرة وستستغرق الرحلة يومين فقط، وأن أوضاع شيخ الشارقة الحالية، ربما تؤدي به - مثل شيخ عجمان - إلى الانفصال عن شيخ رأس الخيمة وربما حدثت مصادمات بينهم. ويبدو أن صاحب السمو يسعى لاستخدام هذه الفرقة لمصلحتنا مع أنه يرى أن جزاء هؤلاء سوف يكون مثل جزاء رأس الخيمة، وتقدمت إلى سموه بمشروع الحملة المقررة وبعد عدة مناقشات وآراء مخالفة توصلنا إلى القرارات التالية والتي أصر سموه على أن أقوم بكتابتها وتوضيح مدى التزامه بها وكيفية مساعدته في هذه الحملة من أجل ضرب “موانئ القراصنة”.
الممرات الجبلية
ويقول د.أمين إن المذكرات تروي أنه “لمنع لجوء القواسم الهاربين من رأس الخيمة إلى عمان قرر السلطان حراسة الممرات الجبلية بواسطة الرجال المسلحين مع بدء العمليات ضد رأس الخيمة، وسحبهم منها إذا ما قرر الباشا عكس ذلك فإن السلطان على استعداد لإرسال جيش بري من 7000 فرد من المشاة ومائة وثلاثين من الفرسان وألف وخمسمائة من راكبي الجمال المسلحين، على أن يدخل هذا الجيش رأس الخيمة من الجهة البرية ويسيطر على الجبال والممرات الجبلية فيها، وسوف يشارك سلطان مسقط في العمليات الحربية عن طريق البحر، وسوف يرافقه في ذلك ألف رجل مسلح لمساعدة القوات البريطانية عند نزولها إلى الساحل علماً بأن السلطان على استعداد لإرسال كل الجيش المذكور عن طريق البحر إذا ما قرر الباشا المشاركة البرية، ولكن يود السلطان التأكد من أن جيوشه سوف تحارب في الموقع المخصص لها وستقيم معسكراتها باستقلالية تامة عن جيش الأتراك، أما عن المساعدات الأخرى، فقد أكد السلطان بأنه سيقدم السفن اللازمة لإنزال الجنود والمتاع، علماً بأن النوعية المطلوبة من هذه السفن والعدد اللازمة أصبح نوعاً ما أقل من المتوفر الآن، وتعهد صاحب السمو بتقديم سبعين سفينة، وإذا لزم مائة، سعة كل منها من ثلاثين إلى خمسين رجلاً، وكذلك مجانية الماء والحطب اللازم للطبخ، على أن يقوم الجيش البريطاني بشراء احتياجاته من الذبائح، وسيراعي المشتري في الأسعار، وسوف يمنع صاحب السمو أي استغلال للموقف أو رفع للأسعار، إضافة إلى أن صاحب السمو سيزود الجيش البريطاني بسفينتين يمكن استخدامهما لنقل المواد أو كما يراه الحاكم العام مناسباً، وسيطلع صاحب السمو حكومة بومبي على تطور الاستعدادات المذكورة كتابياً، إلى جانب نقل المعلومات الدقيقة من تحركات “ القراصنة”، القواسم حتى تكون الحكومة “في الهند”، على استعداد لمقابلة المتغيرات.
القبائل العربية
وفي النهاية أكد صاحب السمو وقوفه إلى جانب الحكومة البريطانية في كل إجراءاتها وأنه سيقابل أي عمل تقوم به بكل حرارة ومودة، ويبدو لي من مناقشة الإمام بأن قرب إبراهيم باشا من حدوده وإمكانية دخوله في المعركة عن طريق البر أمران أثارا غيرة صاحب السمو، وتسببا في ازدياد القلق الناتج من إعلان إبراهيم باشا عن رغبته في الاستيلاء على البحرين، وعدم إعطاء الرد الشافي للإمام عندما استفسر منه عن الموضوع، ولقد حاول الإمام إقناعي بعدم جدوى رحلتي إلى الدرعية وأثار مخاوف عن بعد المسافة وتأكيد الانتصار على القواسم دون عون الباشا وجيشه التركي، وعندما فشل في إقناعي أراد مني تعهدات بالنيابة عن الحكومة البريطانية وأكدت له بأنني لا أستطيع أن أقوم بأكثر مما كلفت به وما ذكر في رسالة الحاكم العام إليه، ولم أحاول تجاوز ذلك في أي وقت من الأوقات، ومن معلوماتي التي قمت بجمعها اكتشفت أن تقديرات الإمام لقوة القواسم تكاد تكون قريبة من الواقع ، هذا إلى جانب المعلومات التي تؤكد استحالة دخول القبائل العربية - في الداخل ويقصد البعيدة عن سواحل الخليج - في معارك إلى جانب القواسم، وحتى ولو حدث وأن دخلوا رأس الخيمة فإن عددهم لن يكون أكثر من ثلاثة آلاف، وذلك مع الاعتماد الكلي على “زعيم البريمي ورجاله”، يبدو أن جيش الإمام يبلغ عدده عشرين ألفاً موزعين بين الساحل والقرى وبالإمكان جمع عشرة آلاف مسلح في مكان واحد إلى جانب مائة أو مائة وخمسين من الفرسان، وبعد انتهاء مهمتي في مسقط أخذت في الاستعداد للرحيل عنها، ولكن بسبب وفاة أحد أقرباء الإمام اضطررت للتأخر حتى يكتب الإمام جواب رسالة الحاكم العام في بومبي، والتي سوف يشير فيها إلى الترتيبات التي نوقشت في حضوري وصادق عليها الإمام وأكد صحتها، وكانت التعليمات المعطاة لي قبل مغادرتي الهند أن لا أتجاوز صلاحياتي ولا أعلق أو أرد على فحوى كتاب الحاكم العام في بومبي إلى صاحب السمو الإمام.
السفينة «ثيتس»
ويشير د.أمين في حديثه إلي ما ذكره سادليير، قائلاً “كتبت رسالة إلى صاحب الفخامة السير إيفان نيبيان “Sir Evan Napean” رئيس المجلس والحاكم العام في بومبي، وتضمنت ملخص الاستعدادات في الثالث عشر من مايو 1819 أخبرني القبطان تانر بأن السفينة “ثيتس” على استعداد للمغادرة، ويطلب رداً رسمياً على ذلك، وبالفعل أرسلت له رسالة جوابية، رغم أن الموضوع لا يستدعي ذلك، وكان من الواضح أنني لا أستطيع التوجه إلا عن طريق القطيف مع العلم بأن ميناء القطيف سوف يحتاج الدخول إليه رباناً محلياً لصعوبة الملاحة في مياهه والحاجة الماسة للخبرة المحلية، وفي الواقع أصبح لا بد من التوجه إلى بوشهر لاستلام متاعي، ومن ثم البحث عن الربان المطلوب لبقية الرحلة إلى القطيف والحصول على المعلومات عن تحركات جيش الباشا، وبقي أمر المغادرة معلقاً بإرادة الإمام في مسقط ورغبته وبقيت أنا في الانتظار، في عصرية ذلك اليوم قمت بزيارة أخو الإمام - صاحب السمو السيد سالم -، وقد استقبلني سموه أجمل استقبال، ولقد سبق وأن كان سموه ساكن شيراز لعدة شهور، لذا حاول أن ينقل لي المعلومة بتقديم الفواكه والمشروبات على الطريقة الفارسية، ولكن كان التدخين هو الشيء الوحيد الناقص في هذه الطريقة، أغلقت الأبواب وبقينا داخل المجلس نأكل من السفرة التي أعدت لي، ويبدو أن السيد سالم كان يريد أن يتحاشى رؤيته، وقد جلس يأكل من نفس السفرة مع آخر كافر “وكان يقصد بذلك أي أوروبي يزور المنطقة “، كانت أطباق الفواكه قد وضعت على طاولة الأكل وشربنا “الشربت” في أقداح شرب منها بعدي بعض الحضور، ولم ألاحظ أي تزمت أو اعتراض منهم، عرجت في طريق عودتي على مجلس الوزير ورحب بي وشربنا القهوة معاً ولاحظت مرة أخرى عدم التدخين في هذا المجلس، في عصرية الرابع عشر من مايو بُلغت عن رغبة الإمام في زيارتي في منزلي قرب البحر، ومع أن مكان إقامتي لم يكن في مستوى زائر مثل الإمام إلا أنني حاولت أن أجعل منه مناسباً للزيارة، تميز الإمام بالأخلاق العالية، وبحسن العشرة والرزينة ولا أذكر أنه أبدى أي تذمر في أي وقت إلا إذا واجه موقفاً يثير الغضب، ومع ذلك فإن ذلك قليل التكرار، كان في نفس الوقت المسؤول الوحيد عن كل الأمور الكبار والصغار، لذا حاولت أثناء زيارته أن لا أثير أي موضوع يتعلق بمهمتي في مسقط وكتمت مشاعري تجاه تأخير مغادرتي لمسقط، وعند انتهاء الزيارة اعتذر الإمام عن السكن الذي شغلته أثناء زيارتي لمسقط ووعد بإعطائي التصريح اللازم للمغادرة ، وقرر أن يكون ذلك يوم الأحد القادم، لقد كان ذلك نبأً أشاع السرور في نفسي ونفس خدمي الذين كانوا ينتظرونه بكل شوق بعد أن عانوا من الجو الحار وصعوبة المعاملة، لذا أرسلت المصابين بالحمى منهم إلى السفينة - ربما يقصد الملاريا -، وبدأت في الاستعداد للمغادرة في اليوم التالي.
نهب الخزينة
ويضيف د.أمين، قائلاً “يضيف سادليير في حديثه عن الرحلة “في الخامس عشر من مايو وصلت سفينة صاحب الجلالة إيدن “Eden” بقيادة القائد البحري لوخ “loch”، وكان وصول السفينة المذكورة مناسبة جيدة لي للاتصال بقائدها وبالاستفسار منه عن صحة المعلومات الواردة إلى بوشهر والتي تذكر تعرض قوافل إبراهيم باشا وخزينته إلى النهب من قبل البدو، لقد اعتقدت أنه من اللائق مرافقة القبطان لوخ في زيارته للإمام، والذي لم يثر أي موضوع يتعلق بأسباب زيارتي لمسقط، واستشرت لوخ في خطتي لزيارة بوشهر وأظهر دهشته بأنه كان يعتقد نفس الاعتقاد الذي توصلت إليه في الثالث عشر من مايو، أبلغني سكرتير الإمام بأن الرسائل ستكون جاهزة بعد الظهر، ولذا قررت أن أقوم بزيارة أخيرة للإمام لكي أودعه، وبالفعل جاءت الزيارة في المساء وأعطيت الرسائل والتي كانت واحدة منها في ظرف مختوم، أما الأخرى والمماثلة فكانت مفتوحة وتحتوي على تعليمات صادرة من الإمام بصدد زيارتي لمسقط، وأكد لي الإمام مرة أخرى التزامه السابق، وأنا من ناحيتي ناقشت كيفية التطبيق السهل لهذه الالتزامات، في زيارتي لمسقط وجدت أنها ومن الناحية الصحية مكان غير مناسب وتكثر فيه عيون الجواسيس، ولذا كان في اعتقادي أنه من الأفضل أن ننقل جنودنا ومستودعاتنا إلى جزيرة قريبة من الساحل، حيث تصبح نقطة التقاء لكل الفرق المختلفة، ومنها إلى موقع الهجوم هذا الرأي الأخير نال موافقة الإمام الذي وعد بالمساعدة إلى أقصى حد، ووعد بمد يد العون لأية قوات تضطر للبقاء في الخليج بعد العملية العسكرية، وانتقلنا في مناقشاتنا إلى موضوع الحقوق والذي على أساسه سوف تسمى المناطق وتبعيتها، وإذا ما كانت هذه المناطق موروثة أو أن قانون وضع اليد يشملها وتوصلنا في النهاية إلى التالي: إن جزيرة قشم تم الاستيلاء عليها بواسطة السيد سلطان من شيوخ بني معين، وكانت تحت حكم الملا حسن في عهد آغا محمد خان قاجار، وتحولت التبعية إلى الإمام الحالي بقانون وضع اليد، صاحب السمو يباشر حمايتها الآن، لذا فإن عائدات الجزيرة في الوقت الحالي كلها موجهة إليه، وهكذا كانت منذ عهد السيد سلطان، أما جامبرون “بندر عباس”، وميناء خمير فإنه تم تأجيرها من الشاه الحالي مقابل ثلاثة آلاف تومان سنوياً، وحصل في الآونة الأخيرة أن طلب وزير مالية الشاة مبلغ ألف تومان مقدماً، وإلا فإنه سوف ينقل عقد الإجار إلى جهة أخرى، ولكن ومع ذلك فإن اسم جزيرة قشم لم يرد في الفرمان المتعلق ببندر عباس، ولا يوجد إعلان تبعية قشم لفارس، في ظهر يوم الخامس عشر من مايو صعدت إلى السفينة ثيتس، وفي عصرية اليوم التالي زارني وزير صاحب السمو، ومعه وكيل الخزنة وقدم لي “شالات تيرماه” هدية من صاحب السمو مع تمنيات سموه بنجاح مهمتي ورغبته الشديدة في مقابلتي في طريق العودة، وقدمت أنا الشكر لصاحب السمو متمنياً له النجاح في رحلته البحرية القادمة على ظهر الفرقاطة الجديدة، وأعطيت الهدايا للخدم، أما الشالات فقد أودعت مع مخزون الهدايا الأهلية، وأفقت على الترتيبات التي قام بها القبطان لوخ، ولذا انتقلت إلى السفينة ميركوري “Mercury”، وتوجه القبطان لوخ إلى بومبي في مساء نفس اليوم، أما السلطان فقد توجه في سفينته الجديدة لى منطقة “رأس الجبل”، وبقيت أنا حبيس السفينة ميركوري إلى يوم الثاني عشر حيث أقلعت في النهاية إلى بوشهر، أما السفينة ثيتس وتيجنموث “Teignouth فقد أرسلتا على وجه السرعة لمساعدة سفينة تجارية تعرضت لهجوم من قبل القراصنة قرب رأس الحد.
«السبت المقبل يواصل د.عيسى أمين رحلة عبر الجزيرة العربية»