الحياة التقاعدية هي عبارة عن محطة مهمة في حياة الإنسان، وكثير منا من يعتبرها نهاية حروب أخيرة لفترة من الوقت قد تطول أو تقصر، ليبدأ بعد ذلك مشوار البلوغ غاية من الغايات لكسب لقمة العيش الهنيئة لسد الفجوة التي يعتبرها الجميع قصوراً في راتب المتقاعد لا يكفيه في حياته المعيشية في أيامنا هذه ولا يغطي احتياجاته، والبعض منا يخلد إلى السكون الدائم، كل ذلك باسم الراحة بعد تعب السنين، وهناك مجموعة أخرى تستقبل التقاعد بالحزن والاكتئاب وكأن الحياة العملية فردوس من الأفراح والنعيم لا تكون الحياة إلا به ولا تدوم دونه.
ومهما تباينت المواقف حول كيفية التعامل مع الحياة التقاعدية في الحياة الجديدة، فنحن جميعاً مطالبون أن نستقبلها بحيوية وأن نعتبر ما أنفقناه من السنين الطويلة في خدمة الوطن الغالي تنمية لحصاد حب العمل حباً يعين على كسب القدرات وتطوير المهارات بعد التقاعد.
وأريد أن أعزز هذا المقال بباقة من التأملات حول هذا الكلام فأقول لكم:
أولاً: أن جميع البشر لا يستوون في درجات التأهيل والأداء والإنجاز، منها ما تشكله الوظيفة نفسها ومنها من يستسلم للسيرة التربوية والتركيبة للموظف، ومنها ما يتأثر بتوقعات الناس ونوع الأداء لديهم.
إن نهاية الخدمة (التقاعد) يجب ألا تتحول في أفكارنا إلى (ماض وقد انتهى) لمجرد ترك المتقاعد كرسي الوظيفة، لأن التحول الجديد الذي يرتبه هذا الحدث في حياتنا يعني انفصال وفك ارتباط العامل بالعمل لكنه لا يعني بأي حال طمس أو تهميش السيرة التي صنعها في السنين الطويلة لأداء الواجب.
ثانياً: إن مشكلة الحياة التقاعدية في فكري هي موقف الشخص نفسه وكيفية الاستفادة من الوقت الطويل والجدية الكاملة وعدم الاستفادة منه، لذلك يجب على المتقاعد أن يدرس الحياة الجديدة ويفكر فيها قبل الانتقال إليها، فهو من جهة يجنى على نفسه وزراً كبيراً حتى يصور له أن التقاعد نهاية العطاء أو رحيل إلى خارج الدنيا، وأن بلوغه سن الكبر يعني أنه بعد سنين من العمل بات لا يقوى على أداء شيء ذي فائدة وأن أمامه فسحة من العمر الجميل كي يبدأ العطاء الجديد من موقع آخر قد يكون أكثر جدوى لنفسه ولأهله ووطنه، ولعل الانفصال عن الوظيفة نوع من الراحة أكثر التصاقاً بطموح النفس وغاياتها، فيقترن التقاعد بأشكال من الإبداع لم يمارسه صاحبه في فترة عمله وارتباطه بالعمل.

صالح بن علي