أكد المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذكس في القدس الشريف أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى تمثل اعتداء على مقدسات المسيحيين أيضاً، مشيراً إلى أن القدس قبلة المسيحيين الوحيدة كما كانت القبلة الأولى للمسلمين، وإلى أن الرسالة التي يحملها هي ضرورة التوحد خلف القضية الفلسطينية، وكشف المطران، خلال محاضرة أقامها مركز عيسى الثقافي بالتعاون مع الكنيسة الإنجيلية الوطنية بالبحرين بعنوان «القضية الفلسطينية والسلم العربي والعالمي»، أن لقاءه مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد تطرق لضرورة استمرار الحوار بين الأديان لنبذ الخطاب المتطرف.من جانبه أكد نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي الشيخ د. خالد بن خليفة آل خليفة أن الندوة تعتبر الأهم من بين ندوات ومحاضرات المركز لبحثها القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط والسلم الدولي، معرباً عن شكره للمطران عطا الله حنا وكل من ساهم في إنجاح الندوة، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية الأساسية وهي أساس كل ما يحدث في المنطقة اليوم وحلها يمثل الحل الأمثل لكل القضايا الخاصة بالتطرف والكراهية والعنف غير المسبوق في المنطقة.وقال الشيخ خالد إن الإرهابيين يستمدون فكرهم من قضايا ظلت بغير حل ولن نستطيع أن نتعايش في هذا العالم دون حل القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن أهمية المطران تنبثق من أنه آت من القدس الشريف ويعبر عن فكر العالم المسيحي في فلسطين، وهو من الشخصيات المعروفة إقليمياً وعربياً بتوجهاته للسعي لمكافحة الإرهاب عن طريق الفكر، وهو ما يمثل قيم مركز عيسى الذي يؤمن بأنه لا يمكن محاربة العنف إلا بالفكر. وأوضح الشيخ د. خالد أن المبادرة تأتي من المركز بناء على التوجهات الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بدعمه وإيمانه بأن التسامح الديني والمذهبي من أهم أسس حل القضايا، وقال إن رسالة جلالة الملك كانت واضحة في هذا السياق بأن البحرين بلد التسامح تاريخياً بدعم جلالته وشعب البحرين بكل أطيافه، ولكي نكون مثلاً لكل من يدعو للسلام ويحارب التطرف.
رقي حضاري وإنساني
وفي بداية كلمته أشاد المطران عطا الله بمكان انعقاد المحاضرة مؤكداً أنه يدل على الرقي الحضاري والإنساني في البحرين، معرباً عن شكره للكنيسة الإنجيلية الوطنية ورئيسها على دعوتهم ومساهمتهم لإنجاح اللقاء الذي جمع ممثلين الكنائس والمذاهب والطوائف المسيحية، وقال: جئت اليوم من أجل فلسطين التي توحدنا ولكي أنقل إليكم تحية القدس الشريف عاصمتنا الروحية والوطنية وقبلتنا للمسلمين كأولى القبلتين وثالث الحرمين أما بالنسبة لنا فهي قبلتنا الوحيدة ولا يوجد عندنا قبلة أخرى، لأن الكنيسة انطلقت من القدس لمشارق الأرض ومغاربها وكانت أم الكنائس. وكشف المطران عما دار خلال لقائه مع سمو ولي العهد والحديث الذي دار عن القدس والحوار بين الأديان لنبذ الخطاب المتطرف الذي لا يحترم خصوصية الإنسان والاتفاق على كيفية تلاقي المسيحيين والمسلمين للعمل على تحرير القدس والتوحد من أجله، مشيراً إلى أن تلك هي الزيارة الرابعة للمملكة، ووجه التحية للبحرين ملكاً وحكومة وشعباً متمنياً لها الخير والسلام والطمأنينة والرخاء، وأن يكون الشعب البحريني دوماً إلى جانب الشعب الفلسطيني وأعدل قضية في العصر الحديث عرفها الإنسان.
وجوب التوحد
ودعا المطران لوجوب التوحد، وقال: القدس تنادينا لكي نكون موحدين في مواجهة المخططات التي تستهدف شعبنا، والقضية الفلسطينية ليست خاصة بالفلسطينيين أو المسلمين أو المسيحين بل كل إنساناً حراً في هذا العالم يدعو للعدالة والمحبة والسلام، وسيبقى المسيحيون والمسلمون في القدس إخوة ينتمون لشعب واحد ويدافعون عن قضية واحدة، لافتاً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتآمر على المنطقة بأسرها ويريد أهلها أن يكونوا ممزقين ومشتتين، بإثارة الطائفية لتمرير مشاريعه الاستيطانية، لكنه أكد على وعي وثقافة الشعب الفلسطيني وعشقه للحرية والعيش الكريم، وقال: يتهموننا بأننا إرهابيون وقتلة ونقول لهم إذا ما كان هناك إرهابي فهو الإحتلال الذي يمارس الإرهاب في فلسطين.
وأضاف حنا قائلاً: فلسطين الجريحة تناشدكم أن تدافعوا عن مقدساتها، فالأقصى مهدد، وإنهم يستغلون الأوضاع في وطننا العربي بهدف تمرير مشاريعهم الإقصائية العنصرية، ووسائل إعلامية تضلل وتسيء وتنقل معلومات مغرضة عن فلسطين، لكن الشعب لن يتنازل عن حقوقه، وسيناضل ويقاوم في فلسطين ولن يستسلموا للاحتلال وعنصريته، والشباب في القدس يمثلون الأمة العربية بأسرها ويدافعون عنه بصدورهم العارية وبوسائلهم البسيطة وليقولوا للعالم بأسره إننا لن نتنازل عن حقوقنا، ويواجهون الاغتيالات في الشوارع، وتناسى الاحتلال أنه مع كل شهيد يترك هذه الأرض وينتقل لجوار ربه يأتي شباب كثيرون ومناضلون يقدمون أنفسهم من أجل القضية العادلة، والصغار ليسوا أقل حماسة عن أجدادهم وآبائهم في الدفاع عن القدس والوقوف في وجه الاحتلال ويرفضون سياساته. وشدد حنا على انحياز كنائس القدس لعدالة القضية الفلسطينية، وقال: لسنا حياديين فيما يتعلق بمسألة القضية الفلسطينية ولسنا مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث، فنحن جزء أساسي من هذا الشعب، واستذكر مواقف الشهيد الراحل ياسر عرفات وحرصه على التواجد في المناسبات المسيحية، مشيراً إلى زيارته للمسجد الأقصى 4 مرات مع وفد كنسي خلال الشهرين الماضيين حيث حاولت سلطات الاحتلال منعهم من الدخول لكن الشباب تصدوا لهم وأصر مسؤولو الأوقاف الإسلامية على دخولهم، وقال: ما أجمل هذه الصورة للقاء الوطني المبارك الذي جمعنا لكي نقول أن القدس لنا والمقدسات لنا وأن المسجد الأقصى عندما يتم الاعتداء عليه يعتدى على الجميع والهوية العربية وتاريخنا، ومن يعتدي على المسلمين يعتدي على المسيحيين وكذلك الأقصى وهي الصورة التي لا تقبل القسمة وستبقى عصية أمام العنصرية والاحتلال البغيض.
مواجهة داعش
وأعرب حنا عن حزنه لما يحدث في كل من سوريا والعراق وليبيا من صور العنف والموت والقتل مشيراً إلى أنها محاولات حميمة من أعداء الأمة لتفكيكها، وقال إن داعش مشروع يهدف لتفكيك المنطقة ولا علاقة له بالديانات، لأن الدين لا يحلل القتل وسفك الدماء ولا يقبل به أي دين أو منطق، وهؤلاء أتي بهم لكي يدمروا المنطقة ويضعفوها لكي تتمكن إسرائيل من تمرير مشروعاتها العنصرية، مؤكداً رفضه لما تقوم به داعش والمنظمات الإرهابية.
لكنه أوضح أن الإدانة والاستنكار لا تكفي، ومواجهة داعش فكرياً لأنها وجدت لها بيئة بسبب الجهل والتخلف وأمور أخرى، وهي تسعى لتكريس الخطاب العنفي وعلى الجميع العمل على تكريس الخطاب السلمي، وأضاف: جراح فلسطين تمتد لما يحدث في سوريا والعراق وكل مكان بالمنطقة ومع كل قطرة تسيل نشعر بالأسف والحزن لأننا نريد للعرب أن يكونوا موحدين وأقوياء وتتجه بوصلتهم نحو القدس وفلسطين، ففي ظل الربيع العربي المزعوم انشغل العرب عن القضية الفلسطينية، ولا نريد لثقافة الموت أن تستمر ولا أن يكون الدمار سيد الموقف وأن يتوقف نزيف الدم في مقابل حوار وأخوة لكي نفكر بمصيرنا وكيف لنا أن نحرر فلسطين وأن نستعيدها فالمستفيد الوحيد هو إسرائيل.
ودعا رجال الدين والعلماء للتعاون لخدمة الإنسانية وتقديم نموذج للعالم في العلاقة الإنسانية والمسيحية الإسلامية المتميزة، والتوحد والصمود أمام من يتآمرون على قضيتنا الأولى، فلن يكون هناك سلام بدون القدس وبدون فلسطين، مؤكداً أن الأطراف التي دعت لمفاوضات الآن ليست نزيهة ومنحازة لإسرائيل لأنهم دائماً يتحدثون عن السلام ولا يتحدثون عن العدالة ولن يتحقق السلام دون تحقيق العدالة.