القدس المحتلة - (الجزيرة نت، وكالات): وحدات أمنية سرية وخاصة، تعرف بالمستعربين، وتسمى بالعبرية «المستعرفيم»، تابعة لشرطة الاحتلال الإسرائيلي، وتطلق عليها ألقاب ونعوت كثيرة، منها فرق الموت، ويزرع أعضاؤها بملامح تشبه الملامح العربية وسط المحتجين والمتظاهرين الفلسطينيين، حيث يلبسون لباسهم وكوفيتهم ويتحدثون بلسانهم، وسرعان ما ينقلبون ضدهم عنفاً واعتقالاً لصالح القوات الإسرائيلية. بدأ ظهور وحدات المستعربين منذ ثلاثينات القرن الماضي، حيث عمل أعضاؤها ضمن عصابات صهيونية من قبيل «الهاغاناه» و»ايتسل» و»ليحي»، وتتشكل هذه الوحدات من جنود ينتقون من بشرة وملامح مشابهة للملامح العربية، ويخضعون لتدريبات وتكوين في معهد خاص عبارة عن قرية صناعية تشابه قرية فلسطينية لتعلم تفاصيل الحياة الفلسطينية ودراسة تاريخ العرب والفلسطينيين ولغتهم وعاداتهم.
حملت أول وحدة مستعربة أسستها منظمة «البلماخ» اسم «الدائرة العربية»، وعملت في التجسس وتنفيذ العمليات التخريبية داخل فلسطين التاريخية والدول المجاورة، واستمر عمل الوحدة بين عامي 1943 و1950.
وتولى إقامة هذه الوحدة عام 1943 رئيس الدائرة السورية في منظمة «البلماخ» يروحام كوهن، وشكلها من يهود منحدرين من طوائف يهودية شرقية، وانتحلت عناصر وحدات المستعربين شخصيات مزيفة وصفات مزارعين وباحثين أنثروبولوجيين وطلاب، ويعيشون مدداً طويلة في بوادي وقرى بل ودول عربية.
لكن لا توجد تفاصيل عن تأسيس وحدات المستعربين وتنظيمها وعملياتها وضحاياها، باستثناء ما ورد في بعض الدراسات وفي كتاب «المستعربون فرق الموت الإسرائيلية» لصاحبه غسان دوعر، الذي ذكر أن وحدة للمستعربين اغتالت قرابة 422 فلسطينيا خلال الفترة الفاصلة بين عامي 1988 و2004. واجهت المقاومة الفلسطينية المستعربين وتمكنت في أقوى عملية رد عليها من قتل الجنرال إيلي أبرام مؤسس إحدى تلك الوحدات في معركة بمخيم جنين في أغسطس 1994. يقوم المستعربون بمهمة نسف تظاهرات الفلسطينيين وتفريقها، أو تحريض الشباب على أفعال توفر مبرراً لمطاردتهم واعتقالهم وسجنهم، كأن يحرضوهم على رشق جنود الاحتلال وسياراته بالحجارة، كما يقومون هم أنفسهم بذلك لتوتير الأجواء، مما يتيح لقوات الاحتلال الإسرائيلي مهاجمة التظاهرات وتعنيفها وقمعها بأساليب دموية.
أقر الجيش الإسرائيلي في أكتوبر 2005 زرع المستعربين بين المتظاهرين الفلسطينيين ضد جدار الفصل العنصري غرب مدينة رام الله، وذلك بعدما تمكن فلسطينيون من فضح مستعربين وكشفهم بعد تحريضهم على رشق جنود الاحتلال بالحجارة، وآخرين ألقوا الحجارة لتوتير الأجواء وتدخل جنود الاحتلال. وتبين أن المفضوحين يحملون مسدسات، وليس معهم بطاقات هوية فلسطينية، فهاجم جنود الاحتلال المتظاهرين لسحب المستعربين وحمايتهم.
وكشفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن المستعربين يتقمصون لأجل اعتقال مطلوبين لسلطات الاحتلال دور صحافيين يحملون كاميرا أو مسعفين أو أطباء، لأن ذلك يسهل عليهم اختراق التظاهرات والاحتجاجات وتنفيذ مهمتهم الأمنية ولو اقتضى الأمر ارتداء ثياب النساء.
وتوجد وحدة المستعربين كذلك وسط سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتسمى «متسادا»، وتشرف عليها مصلحة السجون، وتتركز مهمتها في السيطرة على رهائن محتجزين في سجون بها أسرى فلسطينيون وقمع احتجاجاتهم.
ومن مهام هذه الوحدة كذلك الدخول في صورة مسجونين يسمون «العصافير» بين الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وربط علاقات معهم للحصول على معلومات مهمة منهم، مما يدينهم ويبرر سجنهم وسلب حريتهم.
وتسند لوحدات المستعربين مهام أخرى بالإضافة إلى جمع معلومات، كتصفية شخصيات مقاومة حيث اغتالت العشرات من قيادات ونشطاء في الفصائل الفلسطينية سواء في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» أو حركة الجهاد الإسلامي، أو حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، وفصائل مقاومة أخرى. ولاحظ باحث إسرائيلي في الشؤون العسكرية يدعى طال زاغرابا، بعد مقابلات عديدة مع مستعربين، أنهم يعيشون حالة خوف دائمة، سواء قبل أو أثناء تنفيذ المطلوب منهم أو بعده، قد تصل إلى حد الصدمة النفسية التي جعلت كثيرا منهم يرفعون دعاوى قضائية ضد الجيش الإسرائيلي للحصول على تعويض.
وقد كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إطلاق شرطة الاحتلال وحدة مستعربين سرية جديدة بين فلسطينيي الداخل أو بما يعرف بمناطق الـ48 لتأسيس بنية تحتية استخباراتية توفر للاحتلال معلومات تمكنه من رسم خطة للتعامل مع فلسطينيي الداخل، خاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية في حالة احتجاجاتهم ومظاهراتهم وغير ذلك. وتكاثرت وحدات المستعربين ومسمياتها كـ»شمشون» بمحيط قطاع غزة، و»دوفدوفان» بالضفة الغربية، و»يمام» التابعة لحرس الحدود، وتختلف مهماتها لكن جميعها تخدم الأهداف التي يحددها الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت اعترافات لمستعربين اشتغلوا بوحدات الجيش الإسرائيلي أن قادتهم حولوهم لمجرمين، يقتلون الفلسطينيين بدم بارد، ولا يذكرون عدد قتلاهم، بينما عانى المستعربون داخل وحدة «متسادا» التي توصف «بالانتحارية» من انقطاع علاقتهم الإنسانية والاجتماعية بأقرب أقربائهم كوالديهم، حتى لا ينكشف أمرهم كمندسين ومزروعين وسط الفلسطينيين والعرب.
ويفرض الاحتلال الإسرائيلي على والديْ المستعرب داخل وحدة «متسادا» -التي قال الاحتلال إنه أوقف التجنيد داخلها في سبعينيات القرن الماضي- التوقيع على تعهد مفاده أنه ليس من حقهما حتى مجرد السؤال عن ولدهما الذي وقع بدوره تعهدا بأنه وهب حياته لدولة إسرائيل.