من الأمور المهمة أن تخطط قبل أن تخوض أي تجربة جديدة وفريدة في الحياة، والأهم من ذلك أن تختار الرفقة التي تناسب هذا النشاط أو العمل، وعليه كانت لي سفرة مع خمسة من الشباب البحرينيين الى جنوب الهند وتحديداً ولايتي (كيرلا) و(تاميل نادوا)، وأحببت الاسم الذي يطلقه المسلمون على منطقتهم وهو مسمى (خير الله) وهي فعلاً جنة من جنان الله سبحانه وتعالى على الأرض، وتضمن زيارة خمس مناطق داخل الولايتين بمبلغ (580 ديناراً بحرينياً) لفترة أسبوعين تشمل جميع تكاليف السفر للشخص الواحد.
ما أبهرني في الرحلة أني رأيت العجب وسط منطقة خضراء على مد البصر تكاد تنعدم فيها أي قطعة للتراب، ورياض الخضار والفاكهة والبهارات والزهور التي رسمت لوحة فنية متعددة الألوان، وهي تختلط بألوان السماء والشلالات وتغريد العصافير وأصوات الحيوانات في غابة غناء بكل أصناف الكائنات الحية، مع العلم بأن الجو كان متقلباً بين لحظة وأخرى فقد تخرج في جو مشمس ليتحول بعد برهة إلى أمطارٍ غزيرة، لكن تعود الشوارع إلى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن وتستمر الحركة من ساعات الصباح الأولى إلى موعد الغروب، خصوصاً مع المناطق السكنية التي تقع ضمن محمية طبيعية للحيوانات المفترسة مثل النمور والدببة أو الفيلة، إذ يشكل الليل بالنسبة لهم خطورة بالغة لبعد المساكن عن بعضها البعض فضلاً عن عدم وجود أي إضاءة على الطرق. كان الانطباع الأول عن الهند بأنها دولة فقيرة ويغلب عليها البدائية والتخلف لكن بحكم كونها شبه قارة فسوف تجد التعدد والتعايش بين الأعراق واللغات والأديان، فهناك المساجد والكنائس والمعابد جنباً إلى جنب، كما وقد صادف أن تكون رحلتنا مع أجواء الانتخابات البلدية وقبيل فصل الشتاء، وترى الشعب يعمل ويكد في كل المجالات حتى برواتب زهيدة لأجل لقمة العيش، ويلاحظ الاهتمام الكبير بالسياحة الداخلية حيث تجد مكاتب وحافلات السياحة التي لا تتوقف طوال الوقت.
واللافت للنظر محافظتهم على النظافة العامة في الأماكن السياحية مع وجود لافتات إرشادية واضحة وأسعار رمزية للدخول، والفكرة المميزة في الموضوع أنهم يأخذون مبلغ تأمين عن قوارير الماء مع حساب عددها ويتم خصم المبلغ في حال عدم إرجاعها بالكامل بهدف المحافظة على جمال ونظافة المكان، وأيضاً فالتدخين ممنوع بل ولا يستطيعون شراءه ما يجعلك تستمتع بالهواء النقي.
ويجدر بك أن تستأجر سيارة للنقل مع سائق، إذ إن السياقة تتطلب بعض المهارات لمواجهة الطرقات الزلقة والمنحدرة وأحياناً الأجهزة الحديثة والخرائط إذا لم تكن عالماً بالمنطقة، أو حتى في وسط المدينة، حيث إن أغلب الشوارع هي ذات مسار واحد «ذهاب وإياب» وضيقة جداً وتطل على منحدرات سحيقة، كما أن التجاوز وهطول الأمطار وتحرك السحب قد يحجب الرؤية ويسبب الحوادث المميتة، وهي رحلة متعبة نوعاً ما وتصلح أكثر للشباب لا العوائل، لأنك سوف تنتقل بين شوارع ممتدة وطويلة دون أي رفاهية عائلية فيما عدى عاصمة الولاية (كوتشي) والتي بها المجمعات التجارية وبعض المطاعم العربية.
والأماكن التي يمكن زيارتها هي الشلالات والكهوف وجولات السفاري وسط الغابة في (وايناد)، كما يمكن أخذ جولة بالقوارب اليدوية أو السريعة في البحيرات مع إمكانية السير بين القرى على الضفتين، والجميل أن تجد الانتباه من الجميع حين تسير في هذه المناطق النائية التي لا يزورها السياح، كما أنه يمكن الاطلاع على تجربة الهند في استغلال السدود والمراوح والشمس في إنتاج الطاقة، ولمحبي الأجواء الباردة والمقاهي الراقية لابد لهم من زيارة (أووتي) ليلتين كحد أقصى ومشاهدة حدائق الزهور، بالإضافة إلى تجربة القطار الوحيد الذي مازال يسير على الفحم في قارة آسيا بين (أووتي) و(كنوور)، وبعدها زيارة (موونار) حيث مزارع الشاي والبهارات ودروس الطبخ مع أمهر الطباخين أو المساج الصحي الذي تشتهر به المدينة، وفي الختام لا يفوت الزائر مشاهدة فنون القتال والرقص الخاص بالولاية في المتاحف والمراكز الثقافية المنتشرة.
عبدالله الشاووش