كتب - حذيفة إبراهيم:
شاعت في الآونة الأخيرة ظاهرة غير صحية في البحرين، تمثلت في بيع البحوث الجامعية ورسائل الماجستير في المكتبات بمقابل مادي بسيط، إذ لا البائع يخشى المحاسبة ولا الشاري، تجري المساومة وتحسم الصفقة «على عينك يا تاجر». الظاهرة لم تعد خفية أو سرية، ويؤكدها الطلبة والأكاديميون على السواء، رغم تباين وجهات النظر حيال إجازتها وتبريرها، أو رفضها جملة وتفصيلاً، باعتبارها تخرج أجيالاً معدومي الخبرة قليلي الكفاءة والمهارة.
ويرى طلبة اشتروا بحوثاً علمية ورسائل ماجستير أن «الأمر عادي»، ويبررون تصرفهم بارتباطهم بمشاغل كثيرة لا يفرغون منها حتى لـ«حك رؤوسهم»، وأن وقتهم الثمين مشغول عن آخره، ولا فسحة لديهم للتفرغ لأداء تلك البحوث! أعضاء الهيئة التدريسية بالجامعات يقولون إن العدوى بدأت بالانتقال من البحرين إلى جوارها الخليجي، مرجعين السبب إلى المراحل الابتدائية والإعدادية «عندما يطالب الطلبة بإنجاز بحوث لا يفقهون قواعدها ومبادئها الأساسية».
ويحذر الأكاديميون من أن تفاقم الظاهرة واستفحالها يعني بالضرورة خلق أجيال عديمة الخبرة والمهارة، وتقوض دعائم العملية التعليمية برمتها، فيما حرم رجال دين بيع البحوث الجامعية وشراءها والمتاجرة بها، وقالوا إن الأموال المتحصلة من ورائها أو المبذولة من أجلها «غير شرعية».
مربط الفرس
يدرس خالد في إحدى الجامعات بنظام الدوام المسائي، ويشتري البحوث الدراسية المطلوبة من مكتبة قريبة من منزله، ويبرر تصرفه «أعمل في شركة خاصة نهاراً، ثم أتوجه إلى الجامعة مباشرة، ولا أملك سوى وقت ضئيل للراحة». ويتساءل خالد «لا أعلم لماذا يطلب الأستاذ من الطالب إنجاز بحث لا يكلف نفسه عناء مطالعته؟ في كثير من الأحيان يعتمد في تقييم البحث على عدد الصفحات وانتهت القصة، هو لا يستطيع قراءة 16 بحثاً وتقييمها في آن واحد».
ويرى أن طلب إعداد البحوث الدراسية «فلسفة» لا معنى لها، ولا يخفي خالد أنه يبحث عن جامعة تمنحه شهادة الماجستير بعد اجتيازه الامتحان المقرر دون أن يطلب منه إعداد «رسالة» وتقديمها للمناقشة.
ولا يتحرج خالد من الحصول على بحث جامعي مقابل مبلغ مادي «من أنجز البحث حصل على المال لقاء جهده، والطالب حصل على الدرجات المطلوبة دون عناء، وأستاذ المادة بالتأكيد خبرته تتعدى ما هو موجود بمحركات البحث على الإنترنت».
أسعار للجملة والمفرق!
محمد صاحب مكتبة بالرفاع تبيع البحوث الجامعية والمدرسية بأنواعها، ويعتمد في إنجازها على طلبة بالمرحلة الثانوية، ويقول إن أسعاره تنافسية وتختلف بين الجملة والمفرق! يضع محمد سعر البحث تبعاً لعدد صفحاته وتصميم الغلاف أو الترجمة للإنكليزية «سعر الورقة الواحدة للبحث المدرسي 500 فلس لأقل من 10 صفحات، و400 فلس لأكثر من ذلك».
يعتمد محمد على طلبة بالمرحلة الثانوية في إعداد البحوث كافة حتى الجامعية منها ويقتسم معهم الأرباح المتحصلة، ويعترف أن لديه مخزوناً هائلاً من البحوث يمكنه من إعادة طباعتها وبيعها بمجرد تغيير اسم الطالب المدون على غلاف البحث. ويضيف «البحوث الجامعية سعرها يختلف، 800 فلس للورقة الواحدة، وأحياناً نقدم عروضاً 500 فلس للصفحة، والتصاميم يزداد سعرها حسب حجمه وطريقته».
ولا يكتفي محمد بإعداد البحوث وطباعتها وبيعها، بل يتكفل أيضاً بإنجاز الاستبيانات باللغتين العربية والإنجليزية، وتلخيص الكتب والمجلدات العلمية، وتوفير مقاطع فيديو لأي بحث مطلوب.
محمد لا يجد حرجاً في توفير البحوث الجاهزة للطلبة، ويعتقد أنه يقدم خدمة لزبائن مخصوصين تحول ظروفهم دون إمكانية إنجاز البحوث وتقديمها بالمواعيد المحددة.
30 ديناراً
لرسالة ماجستير
ابتاعت زوجة محمد رسالة ماجستير بسعر مغرٍ.. 30 ديناراً لا غير، وقدمتها لجامعة دلمون وحصلت على تقدير جيد، وحازت أيضاً على ترقية في عملها بعد نيلها درجة الماجستير! استعان محمد بأحد طلبة الثانوية ممن يتعامل معهم في مكتبته لإعداد رسالة ماجستير لزوجته التي تدرس في جامعة دلمون الخاصة، حيث أعطت زوجته لمعد البحث الخطوط العريضة وبعدها بفترة كانت الرسالة منجزة.
ويبرر محمد تصرفه برغبة زوجته في الحصول على ترقية في عملها، وما يمنعها من إعداد رسالتها بنفسها عملها من الصباح إلى فترة ما بعد الظهر قبل أن تأتي إلى المنزل للاهتمام بأطفالها الثلاثة، وهو ما يصعب عليها إعداد الرسالة بنفسها.
ظاهرة مخيفة
ووصف عضو هيئة التدريس بجامعة البحرين البروفيسور عبدالعزيز الحمادي، ظاهرة شراء البحوث من المكتبات بـ«المخيفة»، وقال إن العديد من بحوث الماجستير أصبحت عبارة عن «ورق دون محتوى».
وأرجع الحمادي المشكلة إلى المدارس باعتبارها أساس المشكلة «الخطأ يبدأ من المدرسة عندما تطلب بحوثاً من طلبة الابتدائي والإعدادي، وهم يجهلون مبادئها وقواعدها الأساسية، يلجؤون إلى شبكة الإنترنت ويجدونها جاهزة، أو يبتاعونها من المكتبات، وعندما يكبرون ويدخلون الجامعة تكون العادة قد تأصلت»
وأوضح أن الطالب الإعدادي لا يستفيد من المعلومات المستقاة من الإنترنت أو البحوث الجاهزة، مستدركاً «المدرس هو المستفيد الوحيد بهذه المعادلة».
ودعا الحمادي إلى تغيير مناهج الدراسية، وعدم طلب إعداد البحوث لحين بلوغ الطلبة سناً تمكنهم كيفية البحث في المصادر واستقاء المعلومات وتجهيز البحوث بحرفية ومهنية عالية.
ويجزم أن ظاهرة شراء البحوث انتشرت بأروقة جامعة البحرين نوعاً «لكنها أكبر في الجامعات الخاصة، ومنها انتقلت وشاعت في باقي دول الخليج».
وحمل الحمادي جزءاً من مسؤولية انتشار الظاهرة إلى «التعليم العالي»، معللاً ذلك كونه يسمح لبعض الجامعات الخاصة الحديثة بتقديم برامج الدكتوراه، رغم أنها حديثة وغير مهيئة تنظيمياً لتقييم البحوث والإشراف عليها.
وقال إن جزءاً كبيراً البحوث المتداولة في الأسواق الورقية تكون عادة في التخصصات الأدبية أو النظرية، حيث تكون إما جاهزة سلفاً، أو تفصل حسب الطلب «الأمر مع المواد العلمية أكثر صعوبة، ولكن تجار الحيلة لا تعييهم الحيلة، ينسخون عمل الآخرين وكتبهم ومراجعهم ويغيرون الأسماء».. ولا من شاف ولا من دري!
وحذر أن من يحصل على شهادته عن طريق بحث «مزور»، سينال منصباً عالياً بسببها، ما يؤسس لبناء هش ضعيف بالجانب الأكاديمي، وهنا لا تتحقق قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب».
قفص الاتهام
ويقول حمادي إن قسم الرياضيات في جامعة البحرين استطاع إيجاد آلية عمل جديدة لتقييم البحوث، عبر مراسلة أشخاص من ذوي الخبرة والسمعة الأكاديمية العالية في جامعات أخرى خصوصاً في أوروبا وأمريكا وجامعات عربية مرموقة، حيث يتم تقييم البحوث من قبل هؤلاء واستضافتهم لاحقاً لمناقشة الطالب في بحثه، لمعرفة هل أعد بحثه بنفسه أم اشتراه جاهزاً؟
ويضيف أن الطريقة متبعة في عدة جامعات كبرى، مؤكداً وجود فرق بين «الاقتباس» لإغناء البحث العلمي، وبين نسخ الكلام بحرفيته دون تبديل أو تغيير ونسبته إلى نفسه دون الإشارة للمرجع الأصلي.
ويوضح أن هناك العديد من الجامعات لا تطلب في رسالة الماجستير «أمراً جديداً»، وإنما يمكن للباحث الخوض في موضوعات تناولتها الأقلام مسبقاً، وهو ما يفتح المجال أمام استنساخ جهد الآخرين.