في أولى سنين الرسول صلى الله عليه وسلم بمهجره يثرب، وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من المحرم، فاستفهمهم عن ذلك، فأجابوه أن هذا يوم نجى الله فيه نبيهم موسى وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون وجنوده بإغراق الآخرين في البحر، فهم يصومونه شكراً لله تعالى. فرد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وأتباعه المؤمنين أولى بنبي الله موسى منهم، ذلك لأن أمة محمد عليه الصلاة والسلام قالت آنئذ: سمعنا وأطعنا، في مقابل بني إسرائيل الذي انحرفوا عن منهج موسى كليم الله عليه السلام، بقتلهم الأنبياء، وتحريفهم الكلم عن مواضعه، ونقضهم لعهد الله وقولهم على الله بهتاناً عظيماً، وغير ذلك كثير مبينٌ في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم.
ومما بينه القرآن كذلك أن انتساب المرء للصالحين لا يكون بما يربطه بهم من رحم أو مصاهرة، وإنما تكون باقتداء آثارهم وطاعتهم وإيفاء العهد الذي بينهم وبين ربهم الذي بعثهم، وأوحى لهم ما لم يكونوا يعلمون. ولنا فيما نزل من قرآن في أبي لهب، عم الرسول عليه الصلاة والسلام، من التهديد والوعيد الحجة في ذلك. يبين الله تعالى شروط استحقاق ولاية الصالحين بقوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين).
تجمعت عصابات من اليهود من أقطار الأرض الواسعة في أرض فلسطين، ليؤسسوا عليها عام 1948 كياناً لهم سموه بلقب نبي الله يعقوب، إسرائيل، حاسبين أن انتهاءهم إليه نسباً يجعلهم جديرين بأولويتهم به والانتماء لأمته. هو بريء منهم براءة الذئب من دم ابنه يوسف عليه السلام. هو بريء منهم وإن كانوا بنيه نسباً، وذلك لوسائلهم الظالمة التي أنشؤوا بها كيانهم النذل، من قتل الآمنين وفتنتهم على أسس عرقية ودينية، ومن إخراج المستضعفين من ديارهم.
اتخذوا لتحقيق مآربهم اللعينة وسائل تجلب سخط الله وغضبه اللذين دعا أبوهم نبينا إسرائيل عليه السلام للتعوذ منهما، وتبعد رضا الله الذي رجاه لأمته. ومؤسف أن يشير البعض منا، عرب أو مسلمون، أفراد ووسائل إعلام إلى هذا الكيان باسم النبي الكريم الذي ظل يوصي بنيه حتى أتاه اليقين بتقوى الله، التي لم ير لها أثر في أي من أعمالهم . لذلك ينبغي أن تسمى الأشياء بأسمائها التي تستحق، وأن نتوقف عن نسب هذا الكيان إلى الكريم ابن الكريم ابن الكريم، عليهم السلام جميعاً.
وإن كنا معرفيه بشيء، فليكن ذلك بالصهيونية البراغماتية الكافرة التي يدين بها مؤيدوها، والتي كانت السبب لتهجير الملايين من الآمنين من أوطانهم . فإذا تحقق ذلك وتوقف عن تسميته بـ«إسرائيل»، انحسرت عن كيانهم تلك الصفة الدينية الزائفة التي يستندون إليها لإثبات حقهم المزعوم في الأرض.
ينبغي في معرض الكلام هذا التنبيه إلى أن اليهودية والصهيونية شيئان لكل هويته المستقلة، وأن التي ندينها وسنبقى نحاربها هي الصهيونية التي لم تقتصر يوماً على اليهود وإن كان معظم أتباعها منهم، فهي حركة سياسية استغلت الدين كغيرها، قد ينتمي إليها النصراني والملحد، بل وحتى المنتسب للإسلام.
وتقتضي الأمانة التصريح بأنه في الوقت الذي يرى بعض المسلمين شرعية الكيان الصهيوني باعتباره حاضناً لأولئك «القوم المساكين المضطهدين»، هناك يهودٌ يرون ألا حق لهؤلاء في أرض فلسطين ليؤسسوا كيانهم عليها، ومن هؤلاء جماعة «ناطوري كارتا» التي تأسست عام 1938، لتبيين مخالفة الحركة الصهيونية لتعاليم التوراة .
كما ينسب الصهاينة أنفسهم إلى نبي الله إسرائيل بن إسحاق عليهما السلام وهما منهم براء، هناك أقوام ينتسبون إلى العروبة وهم عن مكارم أخلاقها وعظيم قيمها بعداء. يتغنون ببسالة العرب وبطولاتهم وأمجاد قبائلهم، ويسمون أبناءهم تيمناً بأبطالهم من العصور الذهبية الخالية، وفي الوقت نفسه يشاهدون أخا العرب، في فلسطين وغيرها، ناهيك عن أخي الإسلام، يسفك دمه ويهدم بيته ويجر نساءه وعرضه على الأرض كما لا يفعل مع البهائم.
وصل الحال بأعدائهم أنهم يقتلون المرء لملامحه العربية أو مظهره الديني، ليس إلا لأنهم أبوا الذل، دافعوا عن أولى القبلتين، وذادوا عن أنفسهم وأعراضهم، وبينوا محامد ما كان عليه «العربي الأصيل» من إيثارٍ لأن تفنى عشيرته كلها دون أن يمسه أو أحداً من جماعته شيءٌ من الامتهان.
العروبة ليست أشعاراً ولا أثواباً، ولا سيوفاً ولا أنعاماً. العروبة إغاثةٌ للملهوف، ونصرٌ للمظلوم، وإجارةٌ للمطرود. بهذا افتخر سلفنا العرب، وبه ينبغي علينا التخلق.
ليس الهدف من هذه المقالة استجداء عونٍ أو مساعدةٍ من أحد، فلا أحد يرجو غير الله شيئاً، هو ولي المؤمنين. ولكنها دعوة لحفظ ما بقي من مروءتنا نحن العرب التي تقتضي ألا يدعي المرء لنفسه ما ليس أهلاً له. ويا ترى، هل نحن بحالنا الآن أولى بإسرائيل عليه السلام منهم كما كان المسلمون الأوائل مع موسى عليه السلام؟
أسامة محمد الرميض