أبوظبي - (وام): انطلقت أمس أعمال الدورة الثانية لـ «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي، في «فندق قصر الإمارات» والذي يستمر على مدار يومين.
وأكدت رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة ابتسام الكتبي في الكلمة الافتتاحية للملتقى، حرص المركز على ألا يكون «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي»، مجرد تظاهرة إعلامية أو حملة علاقات عامة، مشيرة إلى أن «استمرار عقده سنوياً نابع من أن تكون أبوظبي إحدى عواصم الملتقيات الإقليمية والدولية لتكون أحد مصانع الأفكار الاستراتيجية»، مضيفة أن «الملتقى الثاني سيتناول موقع الخليج في العالم الجديد».
وذكرت الكتبي أن أهم ما خلصت إليه حوارات «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الأول» هو أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحولت إلى مركز إقليمي مؤثر فقد أسهمت الظروف الإقليمية والمحلية التي عصفت بالبلدان العربية الرئيسة ذات الثقل الاستراتيجي مثل مصر والعراق وسورية في تزايد أهمية دور دول المجلس ورتبت مسؤوليات إضافية عليها.
وأضافت أنه في حين كانت دول المجلس تستند إلى عمق تلك الدول وقوتها من أجل حماية النظام الإقليمي العربي عموماً وأمن الخليج بخاصة في مواجهة المشاريع الإقليمية الأخرى فقد تحولت دول المجلس إلى محور ارتكاز وفاعل إقليمي ودولي تستند إليه تلك الدول وغيرها من دول المنطقة للمساهمة في حل الأزمات فيها وإعادة استقرارها.
وأكدت الكتبي أن المشروع الجيوسياسي الإيراني أصبح ينتهج سياسة طائفية واضحة في المنطقة العربية عبر التدخل المباشر ودعم الحركات السياسية والمليشيات الشيعية وتجلى هذا الاتجاه بوضوح في العراق من خلال الاستعانة بالأحزاب العراقية الشيعية لملء الفراغ الاستراتيجي فيه والهيمنة على مؤسساته وإمكاناته وفي سوريا عبر دعم النظام السوري والمنظمات الشيعية العراقية واللبنانية التي تسانده وفي اليمن عبر تأييد سيطرة الحوثيين على أغلبية مؤسسات الدولة وسلاحها وأخيراً عبر تشجيعها وتحريضها للأقليات الشيعية في الدول المجاورة، وبهذا عززت إيران نفوذها الإقليمي ضمن منظور «المركزية الإيرانية للشيعة» في العالم.
وأوضحت أن الملتقى الثاني سيتناول موقع الخليج في العالم الجديد الذي يشهد تغيرات سريعة وفي منطقة تشهد تحولات عنيفة وفهم تحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية وكذلك الفرص التي تقدمها هذه التغيرات العالمية والإقليمية لدول الخليج واستشراف السيناريوهات المتوقعة للدور الخليجي في المشهد الإقليمي خاصة بعد عملية «عاصفة الحزم» والتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
من جهته أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات الدكتور أنور بن محمد قرقاش في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى أن «دولة الإمارات ترى أن الأيديولوجيات المتطرفة والإرهاب وجهان لعملة واحدة ويعززان بعضهما البعض مما يؤدي إلى المساهمة في عدم الاستقرار».
وأضاف أن «المعركة ضد التطرف والإرهاب ليست مجرد معركة مادية ولكن لها أيضاً بعداً عقائدياً وفكرياً ومجتمعياً وهو الأكثر تعقيداً وأهمية وأن الشبكات الإرهابية تستمر وتستثمر إحباط الشباب العربي مما يراه متمثلاً في الظلم في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني للأسف».
وأوضح أن الاستفزازات الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك زادت من الأيديولوجيات الراديكالية والفوضى المرتبطة بها»، مشيراً إلى أن حالة عدم الاستقرار والخوف والعنف التي تجتاح المنطقة يمكنها أن تنتهي فقط إذا تم حل النزاع الفلسطيني لأنه في قلب مشكلات المنطقة.
وفيما يتعلق باليمن، قال قرقاش إنه «على مدى أربعة عقود كانت اليمن واحدة من أكبر الدول المستفيدة من المساعدات الإماراتية»، مشدداً على أن «دولة الإمارات أرادت لليمن أن تكون دولة قادرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً».
وأضاف أنه «على الرغم من المساعدات التي تقدمها الإمارات كان اليمن غير مستقر ومنقسماً لأسباب تعود لقرون وما تغير هذا العام هو أن النفوذ الإيراني الخارجي أدى بالحوثيين لتقويض الحكومة اليمنية والحط من مؤسساتها وشرعوا في بناء دولة داخل الدولة».
وأكد أن «الإمارات ستستمر مع شركائها الإقليميين في العمل بجد للحفاظ على وحدة وسلامة السياسة اليمنية»، مضيفاً أن «دولة الإمارات تؤمن بأنه من المحتم إمكانية التوصل قريباً لحل سلمي لهذا الصراع عندما تحترم رغبات الشعب اليمني وشرعية الحكومة اليمنية ويضع حداً لمفهوم تغيير الوضع السياسي الراهن بالقوة».
وأضاف قرقاش أن الحل السياسي القائم على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 هو السبيل الوحيد لإنهاء هذ الصراع.
وفيما يتعلق بسوريا، اعتبر أن عدم قدرة المجتمع الدولي على العمل معاً وإيجاد حل حقيقي للأزمة خلق الفراغ الذي لا يزال يمكن استغلاله من قبل الجماعات الإرهابية، مؤكداً أن هذه الأزمة ليست فقط لجيران سوريا ولكن أيضاً بالنسبة للمجتمع الدولي وعلى نطاق أوسع.
وأوضح أنه يمكن لإيران وقف تأجيج الصراع في اليمن والبحرين ويمكن أن توقف التدخلات الطائفية في سوريا والعراق ويمكن أن تنفق المال الذي تم بموجب الاتفاق النووي وهو ما مقداره 100 مليار دولار لإصلاح اقتصادها وبناء مستقبل للشباب الخاصة به بدلاً من تصعيد تمويل «حزب الله» وأشكال مشابهة من التدخل في العالم العربي.
الخليج في العالم الجديد
وطرحت الجلسة الأولى من أعمال الملتقى التي عقدت تحت عنوان «الخليج في العالم الجديد» تساؤلات واضحة حول جملة من القضايا الأمنية والاستراتيجية بالغة الحساسية التي تضغط الآن - أكثر من أي وقت مضى - على صناع القرار الخليجيين وشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للوصول إلى مقاربات تتجاوز توصيف الأزمات إلى رسم معالم لسياسات واستراتيجيات قادرة على حفظ الأمن والسلم الخليجيين وسط تحديات متجددة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي السعودي عبد الرحمن الراشد - مدير الجلسة - إن منطقة الخليج العربي ذات الأهمية الاستراتيجية تشهد لأول مرة في تاريخها كماً هائلاً من الاضطرابات المحيطة بها والمتمثلة في حروب تنتشر في الجغرافيا السورية والليبية واليمنية فضلاً عن الفوضى الأمنية التي تطبع المشهد العراقي منذ سنوات.
من جهتها قالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة ابتسام الكتبي إن أحد الأهداف الأكثر حيوية وراء قيام المركز بإبرام شراكة بحثية استراتيجية مع «المجلس الأطلسي» كان محاولة التنبؤ بمستقبل الخليج والتحولات السياسية في المنطقة لتجنب التعرض إلى صدمات استراتيجية.
وأضافت أن الدول لا تستطيع الحفاظ على استقرارها ومصالحها في الإقليم بدون امتلاك مخالب عسكرية لذا كانت مشاركة دولة الإمارات في عملية «عاصفة الحزم» في اليمن متسقة مع المواثيق والقوانين الدولية لإنقاذ الشعب اليمني وحكومته الشرعية إذ تعلمت دول الخليج درساً قاسياً من التجربة العراقية بعد أن وقفت صامتة بينما كان بلد عربي كبير على حدودها يضيع.
من جانبه قال جيمس جونز المستشار السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون الأمن القومي رئيس مجلس إدارة «مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي في «المجلس الأطلسي» إنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية التوقف عن اتباع سياسة قائمة على رد الفعل واتخاذ قرارات متأخرة فيما يتعلق بشؤون الخليج والمنطقة.
ودعا جونز دول الخليج العربي إلى تشكيل حلف عسكري فيما بينها شبيه بحلف الأطلسي حيث يعتبر التهديد لأي عضو فيه هو تهديد لجميع دول التحالف، مشدداً على أهمية أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية خطوات جدية في دعم حلفائها في هذا الحلف تعزيزاً لمناخ الثقة الذي بات مهدداً بين الجانبين وحماية أيضاً لمصالح الولايات المتحدة نفسها.
وقال إنه لاتزال هناك الكثير من الشكوك تحوم حول السلوك الإيراني في المنطقة رغم توقيعها الاتفاق النووي، معرباً عن ثقته الشخصية في أن إيران لن تفي بالتزاماتها المنصوص عليها في هذا الاتفاق فيما لاتزال تمارس سياستها التوسعية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعم الميلشيات المذهبية والعمل على تأجيج حالة عدم الاستقرار في عدد من البلدان المجاورة.
من ناحيتها أشارت الدكتورة ثريا العريض عضو مجلس الشورى السعودي في معرض حديثها عن كفاءة السعودية في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية ما جاء على لسان خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في لقاء جمعه مؤخراً مع نخبة من المثقفين والإعلاميين المحليين، إذ أكد أن المملكة لن تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية مع ترحيبها الدائم بالتعاون مع الشركاء الحقيقيين وأن حرص المملكة على الاستقرار داخلياً وخليجياً وإقليمياً لا يعني أن تخضع للابتزاز من أي جهة داخلية أو خارجية.
من جانبه، أكد مدير مجموعة «مراقبة الخليج» في الكويت الدكتور ظافر العجمي أن الهاجس التاريخي يشكل جزءاً من المفهوم الأمني لدى دول الخليج.
ورأى أن التعاون الأمني والعسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي قطع أشواطاً جيدة على عكس ما قد يعتقد البعض وأن مستويات التنسيق الأمني البيني مرضية جداً على مستوى الأمن الذاتي ودرع الجزيرة واتفاقيات الدفاع المشترك فضلاً عن الاتفاقيات الأمنية والدفاعية التي وقعتها دول الخليج مع الحلفاء الدوليين.
التحولات الداخلية في بلدان «الربيع العربي»
وعقدت الجلسة الثانية من الملتقى تحت عنوان «التحولات الداخلية في بلدان الربيع العربي: سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر» في محاولة لمقاربة العوامل والسياسات الداخلية والخارجية التي أدت إلى دخول بلدان مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا في غياهب الفشل بينما تجنبت مصر نفس المصير .
وحاولت الجلسة رصد تأثير التغييرات في البلدان العربية التي تمر بمراحل انتقالية عسيرة على المنطقة وتحديداً على دول الخليج.
وحدد مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية الإماراتية جاسم الخلوفي مدير الجلسة إطاراً للنقاش من خلال رسم المشهد العام في المنطقة حيث قال إن العالم العربي يشهد تداخلات محلية وإقليمية ودولية تحولت بسببها أزماته إلى قضايا إقليمية وإلى حروب بالوكالة وأصبحت المنطقة ساحة صراع لقوى خارجية تحمل مشاريع استراتيجية مثل إيران وتركيا وقوى أخرى غير تابعة للدول لكنها تحمل مشاريع خاصة عابرة للحدود.
وفي معرض تحليله للوضع في ليبيا والأسباب التي دفعت بها إلى الفشل، تحدث طارق متري وزير الخارجية اللبناني الأسبق الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن 3 أسباب أولها بنيوي متعلق بالتماهي بين السلطة والدولة واختزال مؤسسات الدولة في الصراع على تولي الحكم والثانية، تاريخية تتعلق بالإرث الاستبدادي والصعوبات المرتبطة بتصفيته والثالثة، إجرائية تتصل بإدارة العملية الانتخابية وما اعتراها من استعجال حولها من منافسة سياسية إلى صراع دموي على السلطة.
وشكل اليمن محوراً ثانياً للنقاش في الجلسة، افتتحه مصطفى النعمان السفير في وزارة الخارجية اليمنية بالقول إن أحد أسباب فشل الدولة اليمنية يكمن في استمرار نفس نخب وأساليب النظام السابق في الحكم، أما اللاعب الجديد الوحيد فهم الحوثيون وقد تواطأت معهم جميع المكونات السياسية لأهداف ذاتية مختلفة من أجل إسقاط صنعاء بين أيديهم كما أن الحوثيين لعبوا على تناقضات البنية اليمنية لإقامة تحالفات طائفية الشمال وسياسية في الجنوب.
وفي سياق تحليل الأسباب التي أبعدت مصر عن هاوية الفشل، قال الدكتور بهجت قرني أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة إن الوضع في مصر يؤثر في العالم العربي كافة بسبب محورية دورها وثقلها الاستراتيجي والديمغرافي كما أنه يفرز تحديات خاصة ترتبط بمدى نجاعة السياسات ونجاحها في مواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها مصر.
وحاول الدكتور ضافر العاني عضو البرلمان العراقي مقاربة الأسباب التي أدت بالعراق إلى الوضع الكارثي الـذي يتخبط فيه، قائلاً «إن هنالك ميلاً لدى الجميع إلى اعتبار محاربة تنظيم «داعش» الإشكالية الأكبر بينما قليلاً ما تتم مساءلة السياسات الطائفية التي أنتجته».
وأشار العاني في هذا السياق إلى استهداف شرائح اجتماعية واسعة من النسيج الوطني العراقي وفي مقدمتهم مكون العرب السنة الذي يتعرض لإذلال ممنهج من خلال سياسات الاجتثاث والتهجير والتهميش.
تجاذب وتنافر القوى الإقليمية
وتناولت الجلسة الثالثة للملتقى «تجاذب وتنافر القوى الإقليمية، إيران وتركيا والصراع العربي الإسرائيلي»، وأدارتها الدكتورة داليا داسا كيه أستاذة العلوم السياسية ومديرة «مركز الشرق الأوسط للسياسات العامة في مؤسسة «راند» الأمريكية.
وتحت عنوان «صراع القوى الإقليمية المحموم من أجل توسيع النفوذ وفرض واقع جديد في المنطقة وفرص التعاون المحتملة»، قال الدكتور محسن ميلاني المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة «إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته أظهرا رؤية استثنائية بإنجاز الاتفاق النووي مع إيران والذي يتجاهل كثيرون أنه أيضاً اتفاق تم توقيعه مع خمس قوى عالمية كبرى أخرى».
وأكد الدكتور محمد السلمي المحاضر السعودي في العلاقات الدولية «أن جميع دول المنطقة تريد انفتاحاً على إيران وفي مقدمتها دول الخليج العربي بحكم الجوار» إلا أن التناقضات في الخطاب السياسي الإيراني تزداد حدة إذ إن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي طالب بعد ثورتي تونس ومصر في مطلع ما سمي بـ «الربيع العربي» شعوب المنطقة بالثورة من أجل إسقاط الأنظمة الحاكمة ثم أعلن بعد ذلك أن الربيع العربي مؤامرة صهيو-أمريكية ليتراجع مرة أخرى بسبب موقفه من الأزمة في سوريا ليقول إن ما يحدث هو حرب ضد الإرهاب السني». وتحدثت وزيرة الإعلام البحرينية السابقة سميرة رجب عن الدور الإيراني في الخليج وحرصها على زرع الطائفية والعنف في المنطقة مضيفة أن لدى إيران ثقافة الكراهية فضلاً عن قيامها بدور تخريبي في البحرين مشيرة إلى اكتشاف مخازن للأسلحة والذخيرة مؤخراً التي كانت ستؤدي تدمير البحرين .
الصدمات الاستراتيجية والاتجاهات المسقبلية
وخصص الملتقى جلسته الرابعة لتحليل «الصدمات الاستراتيجية والاتجاهات المسقبلية» بهدف وضع اليد على التوجهات المستقبلية التي تتشكل في الوقت الراهن وأهم السيناريوهات التي ستواجهها البشرية بفعل التحولات العميقة الطارئة في منطقتنا العربية والعالم.
وأدار الجلسة ستيفن كليمنز المحرر في مجلة أتلانتك والباحث في مؤسسة «أمريكا الجديدة»، وتعرض المتحدثون إلى التغيرات الطارئة على سياسات القوى العظمى خاصة روسيا والولايات المتحدة.
970x90
970x90