عندما يوسد الأمر لغير أهله، وتضاع الأمانة، وتستغل الوظيفة في غير هدفها الأسمى، ومقصدها النبيل، ينشأ عندئذٍ الفساد الإداري الذي يجلب العطب والتلف للبلاد والعباد، ويخلق جواً من النفاق، وبيئة تنعدم فيها المصداقية، ويتفشى فيها الكذب والرياء وحب الذات، بل يولد كفاءات غير قادرة على تحمل المسؤولية، وكل ذلك بسبب المحسوبيات والرشى أو غير ذلك من دعائم الفساد الإداري المتفشي في بعض الإدارات.
ومن هنا يتضح أن الفساد الإداري سلوك مخالف للمعايير القانونية، والمبادئ الأخلاقية، والتعاليم الدينية؛ إذ حاصله إساءة استغلال الوظيفة، واستعمالها في مصالح شخصية أو حزبية أو نحو ذلك.
وللناظر أن يتأمل تربية النبي صلى الله عليه وسلم لابن اللتبية رضي الله عنه والذي استعمله على الصدقة، فلما قال: «هذا لكم وهذا أهدي لي»، «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر مؤدباً وحاسماً لباب الفساد الذي قد يعرض لمن ولاه، فقال: «ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟» ثم حذر صلى الله عليه وسلم من سوء عاقبة من يأخذ ما ليس له بحق من الولاة، وبين مصيره يوم القيامة، وأنه يأتي حاملاً ما أخذه على كتفيه مفتضحاً أمره، ذائعاً بين الخلائق ظلمه وجرمه، فقال: (والذي نفس محمد بيده، لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر)، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة يديه، ثم قال: (اللهم هل بلغت)».
صلاح محمد موسى الخلاقي