بغداد - (أ ف ب): يعد أحمد الجلبي الذي توفي صباح أمس أبرز شخصية دفعت الولايات المتحدة إلى غزو العراق، من خلال تشجيعها الدخول في الحرب من دون توقعات حقيقية ما أدى إلى كوارث ومآسٍ لا تحصى.
توفي الجلبي عن عمر ناهز الواحد وسبعين عاماً إثر سكتة قلبية في منزل في بغداد بعد أكثر من عقد على تحقيق حلمه في إسقاط نظام صدام حسين دون أن يمارس أي سلطة سياسية كان يسعى إليها إثر نهاية نظام صدام.
وقالت قناة «العراقية» وأمين اللجنة المالية في البرلمان هيثم الجبوري إن الجلبي توفي بسريره في منزله ببغداد. وكان الجلبي يشغل منصب رئيس اللجنة المالية بالبرلمان العراقي الحالي، وطرح اسمه العام الماضي كمرشح لرئاسة الوزراء قبيل اختيار حيدر العبادي للمنصب.
كما شغل منصب عضو في مجلس الحكم السابق الذي أسسه الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر عام 2004، بعد غزو البلاد عام 2003.
واعتمدت واشنطن على معلومات قدمها الجلبي لتبرير غزوها للعراق وكان إيمانها الخاطئ به وبحزبه «المؤتمر الوطني العراقي» بأن يحكم بعد سقوط النظام إلا أن ذلك في النهاية جر الولايات المتحدة إلى مستنقع استمر 9 سنوات.
ولد الجلبي من عائلة بغدادية ثرية، لكنه غادر البلاد منتصف الخمسينات وقضى معظم حياته في بريطانيا والولايات المتحدة حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات. قربه منفاه من مسؤولين غربيين، لكن إقامته البعيدة عن البلاد التي شهدت حكماً ديكتاتورياً وحروباً وحصاراً جعلته بعيداً عن الناس، لكنه ادعى مع ذلك أنه يمثلهم. وأسس الجلبي المؤتمر الوطني العراقي مع شخصيات معارضة أخرى في مطلع التسعينات ونسق لأحد الانتفاضات الكردية منتصف التسعينات، شمال البلاد.
لكن الانتفاضة فشلت، وقتل على أثرها المئات من السكان، وتمكن من الفرار والعودة إلى الولايات المتحدة ولم يعد إلا مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
وقد أعربت شخصيات أمريكية في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عن أملها أن يقود الجلبي ومؤتمره الوطني البلاد بعد سقوط نظام صدام.
لكن بسبب سنوات غيابه الطويل عن البلاد، لم يكن حزبه معروفاً بشكل كبير داخل العراق، فيما كان المخطط الأمريكي انتقال الحكم بشكل سلس.
وأدت بعض الإجراءات الأمريكية بينها حل الجيش العراقي إلى عدم وجود قوات كافية لضمان أمن البلاد أمام التمرد والتصاعد في التوتر الطائفي الأمر الذي أدى بعد ذلك إلى سنوات من إراقة الدماء لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وكان الجلبي الشخصية المفضلة لدى واشنطن عام 2003، لكنه فقد موقعه بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أن المعلومات التي زودها إياها حول أسلحة الدمار الشامل وتنظيم القاعدة كانت كاذبة. واتهم الجلبي كذلك بتقديم المعلومات إلى إيران. وتعرض منزل الجلبي في مارس 2004، إلى مداهمة من قبل الجيش الأمريكي والشرطة العراقية واستولوا على وثائق وأجهزة حاسوب، والتهمة الوحيدة التي أعلنت بعد هذه العملية أنهم عثروا على أوراق نقدية مزورة.
في الإطار ذاته، لاحقت الجلبي شبهات متكررة بالفساد وأدين من قبل محكمة أردنية باختلاس أموال من بنك البتراء عام 1992، وهي قضية يدعي بأن وراءها دوافع سياسية. وبعد الاجتياح، تولى الجلبي رئاسة دورية لمجلس الحكم الذي شكلته واشنطن لإدارة البلاد، وبعدها تولى منصب نائب رئيس الوزراء وتولى حقيبة وزارة النفط بشكل مؤقت، وكان يشغل رئيس اللجنة المالية في البرلمان قبل وفاته، لكنه لم ينل المناصب التي كان يأمل في توليها.
وعمل الجلبي العلماني الشيعي، رئيساً لهيئة اجتثاث البعث التي تأسست بعد الاجتياح بشكل مباشرة لإبعاد البعثيين عن المناصب في الدولة حتى إعفائه منها عام 2011. وقد غذى الاجتثاث المقاومة لدى العرب السنة ضد التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وأدت سياسات الحكومة في السنوات اللاحقة إلى المزيد من استياء في أوساط السنة ما أدى إلى إغضاب الطائفة، ووضع في النهاية الأسس لاستيلاء تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي على أجزاء واسعة شمال البلاد وغربها.