وقال سادليير إنه لعدم استقرار الأمور الأمنية والسياسية، فإنه لا يوجد أي من الهندوس أو المسيحيين في القطيف ولا يعمل أحد في المضاربة المالية، ويبدو أن نشاط الأتراك في جمع المساهمات المالية أدى إلى اختفاء التجار أو إخفاء وضعهم المالي القائم قبل دخول جيش الأتراك إلى المنطقة، ولذا اعتقدت أنني قد شرحت موقفي للحاكم وأخبرته في رسالتي أن أي تأخير لن ينال رضا إبراهيم باشا، وفي النهاية قدمت هدية رمزية ليوسف آغا مقابل خدماته ومساعدته لي في النزول على الساحل، وطلب مني يوسف آغا أخذ هدية الحاكم معه «إن وجدت هدية» وكان ردي عليه أن الشيخ البدوي سوف ينال الهدية لأنه هو الذي أحضر وسيلة النقل وسيرافقني لمخيم عمه.
طريق المسيرة
يقول سادليير «في السادسة مساء انطلقنا من غربي قرية سيهات وبعد مسيرة ثلاثة أميال وصلنا إلى مخيم الشيخ مشرف المقام حول آبار الماء قرب مزارع النخيل، توقفنا في «العرابة»، وأقمنا مخيمنا فيها لقضاء الليل، كان القمر في هذه الليلة يضيء الصحراء ويحولها لمحيط فضي مترامي الأطراف، والمياه متوفرة لنا بكميات كبيرة من آبار «ماء البدران» القريبة من قرية الجارودية «على بعد ميلين من القطيف»، في مساء التاسع والعشرين من يونيو «الثلاثاء» بدأنا مسيرتنا في السادسة مساءً، وواجهتنا في هذا اليوم بعض الصعوبات الناتجة عن حمل المتاع، ودخلنا الصحراء متوجهين إلى الغرب، في هذا اليوم عبرنا مجرى مائياً وعلى بعد ميلين منه وصلنا إلى بئر ماء حصلنا منها على حاجتنا من الماء وأكملنا سبعة أميال أخرى، وفي الثالثة صباحاً توقفنا للراحة، ولم يكن المرافقون العرب على وفاق معي في هذا النوع من المسيرة، حيث لا ماء ولا قهوة ولا نار، أما أنا فقد حاولت جهدي في إقناع الشيخ مواصلة السير للوصول إلى الموقع المطلوب بعد خمسة أميال أخرى، لم يكن المخزون من الماء لدينا يكفي بقية الرحلة فأصدرت أمري للبحث عن الماء وقمنا بالفعل بالحفر في التراب ولكننا لم نوفق في ذلك.
كانت طبقات الملح تغطي الصحراء الممتدة أمامنا، وواجهت الدواب صعوبة في الحركة والسير عليها «كانت الحيوانات تغوص فيها كلما تقدمت في السير»، حولنا انتشرت بعض الأعشاب النامية وتراكمت النباتات البرية الغنية بالمياه المالحة ومع أن الجمال كانت تأكل منها، لكنني متأكد أنها لم تكن راغبة فيها، ومن جذور هذه النباتات يستخرج العرب مادة البوتاس القلوية، والتي يطلقون عليها «شنان أو أشوان»، كانت الريح جافة حارة تجعل من التنفس أمراً مستحيلاً، أخبرني أحد المرافقين العرب عن عدم وجود القرى في هذه المنطقة، عاداً المناطق الشمالية والشمالية الغربية، حيث تتجمع بعض العائلات في مجموعة مساكن أقيمت حولها بعض المزارع الصغيرة، أما الجزء الغربي والجنوبي الغربي فهي صحراء قاحلة.
في 30 يونيو واصلنا السير في السادسة مساء، وتوقفنا في التاسعة والربع للراحة ومثل الليلة السابقة حصلنا على القليل من الماء الكريه الرائحة، ولكن الطقس كان يميل إلى البرودة، وتمكنا مع عدة ساعات من النوم من الحصول على طاقة جديدة لمواصلة السير، في هذا اليوم تقابلنا كثبان الملح ولاحظنا ازدياد النباتات الصحراوية مقارنة بالأمس، أما في الأول من يوليو فقد ابتدأنا المسيرة في الخامسة صباحاً، وتوقفنا في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة قرب بئر «الماء المالحة أو ماء المليحة» وشاهدنا «تل الصدام» في جنوب غربي الإحساء»، والتي تقع مباشرة خلف هذا التل، ومن موقعنا وفي اتجاه غربي وحتى «أم ربيعة» لا توجد أية آبار ماء، لذا كان المطلوب منا أن لا نتوقف في هذه الليلة ونواصل السير قدر الإمكان ونأخذ الحيطة في حمل كمية من الماء تكفي ليوم إضافي، وحملنا معنا الماء من البئر المذكورة، وهي في الحقيقة مصدر للماء لكل البدو الرحل الذين تعد الصحراء ملجأ لهم ومكاناً لإقامتهم.
لا ماء ولا أي شيء آخر
وفي الأول من يوليو مرة أخرى نبدأ السير في السادسة والنصف مساء وخلافاً لخطتنا توقفنا بعد اختفاء القمر، ولكننا لم نتمكن من الحصول على ماء أو أي شيء آخر، لم أدرك رغبة الشيخ في البقاء حتى الصباح، وغلبني النوم دون غطاء من شدة الإعياء، تغيرت الطبيعة الصحراوية الآن وأمامنا كثبان رملية تشبه أمواج المحيطات «الطعوس» وقد اصطفت واحدة تلو الأخرى، مع انحدار شديد ومفاجئ نحو الجنوب، في التاسعة عبرنا بعض التلال وواصلنا مسيرتنا حتى الثانية عشرة والنصف بعد الظهر، وفي الثاني من يوليو عند الخامسة صباحاً واصلنا السير مرة أخرى، حتى الثامنة والنصف، وشاهدنا مجموعات كبيرة من الغزلان «حوالي مائتين»، وكان ذلك أول حيوان بري أشاهده منذ بدء مسيرتي، توقفنا في الليل، وتسبب ذلك في نقص كمية الماء.
أزمة تنتهي بــ60 دولاراً
وأضاف سادليير في وصف رحلته «مرة أخرى كان الشيخ «مشرف» راغباً في الحصول على هدية مني، وبالطبع لقد وعدته بذلك عند وصولنا إلى مخيم عمه الذي كنا نتوقع الوصول إليه في الصباح التالي، ولكن ألح الشيخ مشرف على الحصول عليها في هذا المساء متعللاً برغبته في التقدم على البقية إلى جانب نيته في استعراض الهدية لكل من في المخيم كدليل على تقديري له ولخدماته، على العموم دخل الشيخ خيمتي مطالباً بالمال المقابل لاستخدام الخيل، ولم يعجبني ذلك فقد سبق وإن ناقشنا هذا الموضوع وأخبرته بأن الخيل لم تكن مؤجرة وأن ما أعطيه إياه مقابل رعايته للمجموعة كلها، ولكنه أصر على الحصول على عشرة دولارات مقابل كل رأس من الخيل وكان إصراره مثيراً للاستغراب، وخاصة أنه هدد بالمغادرة وترك المجموعة حيث هي، لم يكن هناك سبيل آخر لذا قررت أن أعطيه ما أراد لقد تصرف بطريقة وحشية، وكان كالذي أوقع فريسته في وضع لا مفر منه ونال منها ما يريد، لقد كان ينقصنا الماء، لا ندري السبيل إليه لذا أعطي الشيخ ستين دولاراً وانتهت المواجهة المذكورة، بعدها بدأ الشيخ في إخافتي بقوله إنه شاهد أحد اللصوص، وكان ردي عليه أن لصوص الصحراء هم من قبيلته في هذه المنطقة، وهذا لن يخيفني، وبناء على ذلك فلن أوافق على أي طلب منه مقابل حمايتي، وقررت أن استعد بالسلاح وشاركني ثلاثة أو أربعة من المرافقين في ذلك، الأمر الذي أدى إلى تراجع الشيخ عن أساليبه، كانت هديتي له شالين من الكشمير أهداني إياهما إمام مسقط، تابعنا السير مرة أخرى في السابعة مساء بعد ساعة ونصف من التأخير، ووصلنا في الحادية عشرة والنصف إلى مخيم البدو في «الصباب أو الأبواب»، كان المخيم التاسع «للعوامر» مسكوناً من ثلاثمائة خيمة، وقررنا البقاء فيه حتى الخامسة والنصف صباحاً، حيث ابتدأنا مسيرتنا مرة أخرى بعد الحصول على بعض الماء العسر.
من هذا المخيم انطلقنا في صباح الثالث من يوليو في مسيرة موازية لسهل الملح ووصلنا بعدها إلى مخيم كبير تابع لبني خالد تحت زعامة الشيخ محمد والشيخ ماجد كان هذا المخيم في منطقة شمس «أم روبية» أو «أم رابية»، كان الشيخ محمد في انتظاري ولاحظت أنه رجل متقدم في السن ومصاب بالصمم.
ثوب من خيوط الذهب
واعتبر سادليير أنه من سبيل المفارقات ارتداء الشيخ لملابس تعجبت من كيفية حملها، فقد غطى رأسه بشال بديع وغطى ملابسه بقفطان قرمزي متين بدا تحته ثوب آخر من خيوط الذهب، ومع ذلك كانت قدماه حافيتين ولم يكن لحرارة الرمال أية تأثيرات عليه، كان الوقت رمضان والشيخ العجوز من الصائمين، فوجدت أنه من حسن الذوق أن لا أطيل عليه في حديثي، ولذا غادرنا الشيخ الحافي بعد عدة كلمات ترحيبية وتأكيدات على الصداقة المتينة بيننا.
لقد انتهزت فرصتي الآن للانتقام من الشيخ مشرف وإعادة اعتباري، بعد ما بدا منه في مساء الثاني من يوليو، لذا كتبت رسالة طويلة إلى الشيخ محمد ذكرت فيها ما حصل بيننا، وقرأت رسالتي في خيمة الشيخ في حضور عدد كبير من الناس وبصوت مرتفع، وذلك لضعف سمع الشيخ واستمع الحضور إلى الدعوى الباطلة من قبل مشرف وادعاءاته بأنني لم أكن كريماً معه وتبين القول الكاذب، استاء الشيخ العجوز من تصرفات مشرف وزارني في المساء عمه ماجد محاولاً التعويض عن تصرفات ابن أخيه السيئة، كان قرار ماجد أن استعيد المبالغ المذكورة وشالات الكشمير، ولكنني أبيت ذلك، وبينت للشيخ ماجد أنني لم أتأثر بخسارة المبلغ أو الهدية، ولكن خاب ظني وأملي في مشرف، وخاصة بعد أن راعيته في كل شيء، وكنت أكن له الاحترام والصداقة الخالصة، ولقد قررت اعتبار الموضوع منتهياً ولن أذكر أي شيء عنه للباشا وذلك احتراماً مني للشيوخ.
مبالغ مقابل الدواب
وأكد سادليير أن الشيخ ماجد طلب منه عدم مناقشة الموضوع مع الباشا ووعد بعقاب مشرف بطريقة لن ينساها، وغادر الشيخ ماجد بعد وقت قضيناه في شرب القهوة والتدخين ذهبت بعدها إلى فراشي، وفجأة بدا لي مشرف يرافقه اثنان من الرجال المحترمين وارتمى عند قدمي وطلب المغفرة والصفح وعدم تعريضه للإهانة أمام أفراد قبيلته فغفرت أنا له سوء تصرفاته، في الصباح التالي قمت برد زيارة الشيخ محمد والشيخ ماجد، وكان القصد طلب الإذن في مواصلة السير، وبالفعل تقرر أن يكون المساء من ذلك اليوم موعداً للمغادرة، تبادلنا الأحاديث في هذا اللقاء كانت كلمات المودة والصداقة ومتانة الاحترام طاغية على هذا الاجتماع، ولكن كان الشيخان يجيدان الخديعة، ولذا كان سؤالي الدائم لماذا تأخرا في توفير الدواب، ولماذا أثارا مخاوفي وأخبراني عن اللصوص وخطورة الطريق، أعتقد الآن أن القصد الرئيس من ذلك هو الحصول على مبالغ أكبر مني مقابل الدواب التي استخدمتها والتمتع بهدية أكبر مني إليهما، ومن تجربتي الشخصية أعتقد أن هذين الشيخين وأمثالهما في الصحراء يجب أن يكونا المصدر الوحيد للحصول على الدواب للرحالة الراغبين في عبور الصحراء، وكذلك الحماية المطلوبة، وذلك لأنه إذا ما استخدم المسافر حيوانات من مصادر أخرى فإنه لا يستطيع ضمان سلامته في هذه الرحلة، لقد سمعت الكثير من المديح عن الشيخين محمد وماجد حتى أنني كدت أقتنع بمصداقية هذه الأقوال.
ودخلت بالفعل في خيامهم، ولكن بقيت تصرفات ابن الأخ وانخداعي بأسلوبه ومقابلته لي وما تلاها من تصرفات ذكرتها جعلت الشك يداخلني في مدى صدق هذا الشعور تجاهي، أبلغني الشيخ محمد عن نيته في إرسال «قاصد» إلى معسكر الباشا فقررت أن أرسل رسالة مع هذا القاصد إلى وزير الباشا، ووعدني الشيخ بتنفيذ ذلك، كان الخامس من يوليو يوماً مليئاً بالمشاغل والمخاوف وزيارة خاطفة من الشيخ محمد نقل فيها مخاوفه من بدء السير، ولكنني ازددت إصراراً على مغادرة الإحساء حيث سأعفيه من الخوف أو المسؤولية، وسأكون مسؤولاً عن سلامتي بنفسي، بعد ساعة من مغادرة الشيخ محمد وصل الشيخ ماجد وأبلغني إمكانية البدء في السير في مساء اليوم التالي، لقد خاب أملي في الحصول على حصان من هذا المعسكر رغم أني كنت على استعداد لدفع المبلغ المطلوب، ولكن يبدو أنه بسبب الحرب والحالة غير المستقرة للبلاد جعلت من الخيل شيئاً نادر الحصول عليه، ومع تواجد الخيل مع المعسكر إلا أنها كانت هناك للتوالد وبالطبع كانت الأنثى أفضل من الذكر مع أن الذكور الصغيرة كانت تتغذى على حليب النياق، وبالطبع كانت المبالغ المطلوبة مقابل المعروض منها للبيع تكاد تكون جنيهاً ألمانياً مقابل روبية هندية «أي مضاعفة في السعر» وكانت أغلبها غير جيدة ولا تناسب الاستخدام للسفر.
الحمى والعطش
ووصف سادليير يوم السادس من يوليو بأنه كئيب بالنسبة له، وقال: « فلقد شربت كمية كبيرة من المياه غير الصالحة التي تسببت في إصابتي بالحمى والعطش الذي لم أتمكن من إطفائه، وعصفت الريح الساخنة بي من الصباح حتى المساء، ووعدني الشيخ مشرف بإعداد الجمال اللازمة لنقل المتاع «مقابل أربعة جنيهات ألمانية لكل جمل»، ومن ثم مرافقتي لمعسكر عمه ومنه إلى الإحساء، ولكن كانت المفاجأة في انتظاري عندما وصلت إلى هذا المعسكر، فلقد بلغت أن مشرف لا حق له في تأجير الجمال وأن المبلغ المدفوع سوف يعاد لي «ستين جنيهاً»، ولكن كان علي أن أدفع ثلاثة جنيهات لكل جمل مرة أخرى قبل الانتقال إلى الإحساء، وهكذا اكتشفت أنني خدعت بواسطة الجميع، ولم تعد لي المبالغ أو توفر لي الخيل كما كان الوعد عند أول لقاء، وفي صباح السابع من يوليو تركنا خلفنا خيام البدو السوداء، ووجد الشيخ محمد أنه أصبح لزاماً عليه تنفيذ أوامر الضابط التركي في الإحساء، ووصلت الدواب لنقل أمتعتي، ولكن لم نبدأ بالسير حتى الثامنة، وبعد مسيرة ثمانية أميال واجهت صعوبة في إقناع الدليل على مواصلة السير، في الثالثة بعد الظهر وصلنا إلى منطقة «حفيرة»، وكان بها بئر ماء صالح للشرب.
بئر «دميزي»
ويضيف د.أمين: «في مساء الثامن من يوليو، وفي تمام السابعة مساء واصلنا السير من جديد من «حفيرة» واتخذنا طريقاً شرقياً وجنوب شرقي، وحتى السادسة صباحاً من اليوم التاسع من يوليو، وذلك عندما وصلنا إلى بئر يقال لها «دميزي»، ومع طلوع الفجر عبرنا منطقة أقيم فيها مخيم للبدو قرب آبار عين دار، ومنعنا من الحصول على الماء منها، وذلك خوفاً من أن نستهلك كميات كبيرة منه، لقد نام الحراس ليلتين متتاليتين، وقد كان ذلك تصرفاً سيئاً منهم، ولم تكن هناك جدوى من مخاطبتهم، لأنني لن أصل إلى قناعة معهم لقد حاولا دائماً أن يبدياً طيبتهما وتواضعهما في بداية السير، ولكن ما أن تدخل الصحراء معهم حتى يصبحون هم أسياد الموقف والرمال، كان مخيم الشيخ محمد في الشمال الشرقي من آبار الماء المسماة بـ»سلاسل»، في مساء التاسع من يوليو أراد البدو من رعاة الجمال أن يقلدوا الحراس وأن يلتحقوا بمخيم الشيخ محمد مدعين أنهم يريدون الحصول على التموين الضروري، ولذا طلبت أن يقدم لهم الأرز فقط، والذي يكاد يكون الشيء الوحيد الذي لا ينضب بسرعة، بعد هذه التداخلات تمكنا من التحرك مرة أخرى في التاسعة والربع مساءً، في الحادية عشرة قبل منتصف الليل مررنا بقرية «الهدية» الواقعة على يسار الطريق وكانت الموقع الوحيد المحاط بالأسوار في كل الطريق، كانت الأراضي المجاورة لهذه القرية مزروعة، وبها مناطق تربى بها الأغنام قرب جدران القرية، في السابعة صباح العاشر من يوليو مررنا بمجرى مائي عذب محاذٍ لبساتين النخيل، وتوقفنا في الثامنة والربع قرب قرية «الجميح» حيث تكثر بساتين النخيل وتتوافر المياه بكميات كبيرة، توجد بحيرة كبيرة قرب هذه القرية ولكن تنتهي مياهها في ملح الصحراء حتى أنني وجدت بعض أشجار القطن بين النخيل.
أطراف الإحساء
يكمل د.أمين وصف الرحلة «في اليوم العاشر من يوليو عبرنا في الساعة العاشرة والنصف صباحاً عدة مرتفعات رملية لنلتف حول رأس البحيرة، ونصل إلى الطريق الرئيسة، بعدها عبرنا مساحات شاسعة من الأرض المالحة، واصلنا السير في اتجاه جنوبي، وفي السادسة صباحاً من اليوم الحادي عشر كنا على مسافة خمسة أميال من أطراف الإحساء في هذا الموقع، وعبرنا قريتين كبيرتين أقيمتا حول بحيرة أخرى من الماء، اخترت بقعة قرب «قلعة الهفوف» حيث يقيم «كاشف» ونصبت خيمتي وسط حديقة يانعة تتميز بكثرة الماء في هذه الأثناء وصلنا رسول من «كاشف» يخبرنا بأن المدافع سوف تطلق تحية لوصولنا، وأبلغت الرسول في نقل تحياتي إلى كاشف واحترامي، في مساء الثاني عشر من يوليو زارنا «الكاشف»، وفي صباح الثالث عشر وصل خليل آغا مع مرافقيه من الأتراك إلى الإحساء وتبادلنا الزيارات حتى السابع عشر من يوليو، ومن هذه اللقاءات تمكنت من تحديد بعض الآراء التي سأعرضها على رئيس المجلس الحاكم العام.
وأرسل ساديير برقية إلى السير إيفان نبيان الحاكم ورئيس المجلس في بومبي، جاء فيها: «أود أن أخبر صاحب السعادة بأنني وصلت إلى القطيف في الحادي والعشرين من يونيو، حيث قررت مواصلة السير «اختصاراً للوقت» بدل التوجه إلى العجير، حيث كان من الممكن مواجهة صعوبة في الوصول إلى الإحساء من هناك -يعني من العجير- لقد وجدت الحاكم واثنين من المساعدين الأتراك في القطيف فقط، وأغلب الجنود من العرب المجندين من القرى القريبة، ولم يكن عددهم أكثر من ستين مجنداً، لقد رافقني إلى الشاطئ الضابط الثاني، وكانت رتبته صغيرة»، بعد مضي عدة أيام اكتشفت بأن الحاكم التركي لم تكن لديه إمكانية تقديم الحراسة التي سترافقني للإحساء، وفي الحقيقة كان معتمداً على شيوخ البدو لحماية الطريق المذكور، بناء عليه قررت طلب الحماية من شيخ بني خالد والتوجه دون أي تأخير إلى الإحساء وبعد مسيرة صعبة في الصحراء ومضايقات من البدو المرافقين وشيوخهم وصلنا إلى الإحساء في الحادي عشر من هذا الشهر، عند وصولي إلى الإحساء قام «الكاشف» بتقديم المساعدة، وحسن الاستقبال وكذلك بزيارتي التي تشرفت بها، وقمت بزيارته وشكره على ذلك، في هذه الزيارة ناقشنا موضوع الصداقة الدائمة والاحترام للحكومة، وفتح المجال للتعاون الكامل بيننا ولكن أستطيع القول بأن الضابط التركي الذي قابلني كان في عزلة تامة عن آراء الباشا ونواياه «إبراهيم باشا» وأعتقد أن ثلاثة أعوام من الخدمة في منطقة مثل هذه البقعة الموحشة تؤدي في النهاية إلى إرهاق ولا مبالاة، ولذا وجدت الجميع في انتظار أوامر الانسحاب، إن الوضع السياسي في المنطقة يختلف في الواقع عما تذكره التقارير التي كانت تصل إلينا في بومبي قبل مغادرتي إليها، لقد وجد الباشا «إبراهيم باشا» أن السيطرة على هذه المنطقة تحتاج أعداداً كبيرة من المجندين وسبل تموين ومصادر مفتوحة وسالكة، هذا إلى جانب مبالغ كبيرة من المال غير متوفرة في الوقت الحالي، لذا اضطر في بعض الحالات وضع ثقته في القبائل البدوية واستخدامها لأغراضه الخاصة، ومع ذلك تعددت الهجمات على قوافل المؤونة، وخاصة بين الإحساء والدرعية في منطقة قريبة من «سالومية Salumiah» ويعتقد أن قبائل «السعادة أو السادة» هي المسؤولة عن ذلك.
مهاجمة العجير ونهبها
وكشف سادليير عن هجوم العجمان من «غرب الإحساء» العجير ونهبوها واستولوا على قافلة كانت متوجهة للإحساء وقطعوا الطريق إلى القطيف، واضطر الناس لاستخدام طرق أخرى إلى الشمال من الطريق الرئيسة، لقد وصلت التعليمات لكاشف الإحساء بجمع الجنود الأتراك والبالغ عددهم 250، والالتحاق الفوري بمعسكر الباشا في السدير «محطتين بعد الدرعية»، في السدير سيقيم إبراهيم باشا مخيمه لمدة شهر كامل، وبعد مغادرة الأتراك للإحساء سوف يقوم شيوخ بني خالد بإدارة المنطقة بالنيابة، على أن يدفعوا الجزية وجزءاً من العائدات المالية للباشا مقابل عودة قبائل بني خالد إلى أماكنها ومكانتها الأصلية، لقد وصلتني أنباء عن تدمير الدرعية بالكامل، ويبدو لي أن القصد من التدمير عدم تخصيص قوات عسكرية لحمايتها، ولذا كان لابد من هدمها كما فعل، ويختلف الحال بالنسبة إلى عنيزة، فلقد قرر الباشا إبقاء قوات فيها لمواجهة قبائل «الدويس» القوية، ولتصبح نقطة اتصال مع الإحساء لضمان وصول العوائد المالية منها، على كل حال فإن البدو في كل مكان يعتبرون الأتراك دخلاء وينتظرون مغادرتهم في أسرع وقت، بالمقابل يمارس الأتراك أسلوب العنف والأوامر الصارمة مع البدو رغم كره هؤلاء لهذا النوع من المعاملة، إلا أنني أعتقد أن الباشا يفضل أن تكون سبل الاتصال والسيطرة عليها في الإحساء والقطيف والعجير من نصيب قواته وإدارته، ويعتبرها أكثر مناسبة له عن السيطرة أو فتح الطريق إلى رأس الخيمة، وإذا ما فقد الباشا هذه المناطق فإنني أجد أنه من الصعب إقناعه في السيطرة على مناطق جديدة لا يستطيع ضمان سلطته الدائمة عليها، ولا تساوي نفس الوقت الجهد والمال المبذول للحصول عليها، لقد ذكرت هنا الحقائق التي استطعت الحصول عليها منذ وصولي للجزيرة العربية مع تفسير البعض منها كما رأيته قريباً من الواقع والتأكيد مرة أخرى بأنني لا أعتقد أن الباشا راغب في الحصول على موقع استراتيجي على سواحل الخليج، ولكنني متأكد أن الباشا ينوي إقامة مناطق نفوذ على السواحل الغربية لجزيرة العرب على أن تكون تابعة للسلطة المصرية، حيث يكون من السهل الاتصال ونقل التموين من الأراضي المصرية وإليها، وتبقى مسقط ووضعها السياسي في نطاق مجهول للأتراك، وذلك رغم اهتمام الباشا في فترة زمنية معينة بهذه المنطقة، ولكن تغير الوضع الآن وأعتقد أن أي حديث عن مسقط الآن سيكون خارج الموضوع الأصلي.
أما عن خططه المستقبلية فقد ذكر سادليير: «أود أن أوضح بأنه لو لا خوفي من إهانة صاحب الفخامة الماركيز هيستنج «Hasting»، فإنني كنت سأنهي هذه المسؤولية وأعود من حيث بدأت، ولكن لاعتقادي بأن مسؤوليتي التي كلفني بها الحاكم العام « الماركيز هيستنج» لا تقتصر على إقناع الباشا في الدخول معنا في حملة عسكرية ضد رأس الخيمة فقط، بل أبعادها أكثر من ذلك، لذا سأواصل مسيرتي لتنفيذ أوامره».
لقد اقترح كاشف الإحساء التوجه معه إلى معسكر الباشا بعد حصولنا على الجمال من شيوخ البدو، وأعتقد أن هذا الاقتراح جيد وأضمن لي وسأكون في مأمن في الطريق من هجمات البدو الذين أخذوا زمام الأمور في أيديهم نتيجة الأوضاع السياسية في البلاد الآن، على العموم أنا في انتظار رد الكاشف ووزير الباشا لكي أبدأ مسيرتي من جديد بناء على بعض المعلومات التي حصلت عليها مؤخراً.