عواصم - (وكالات): يشن الإعلام المصري حملة على الدول الغربية التي رجحت فرضية وجود «عمل إرهابي» وراء سقوط الطائرة الروسية في سيناء، متحدثاً عن مؤامرة «أنجلو أمريكية» ضد مصر، حليف موسكو الجديد، وذلك وسط مخاوف من انهيار القطاع السياحي، أحد أهم دعائم الاقتصاد المصري المتداعي. ورأى عدد من الصحافيين والإعلاميين في «المؤامرة» ضد مصر عقاباً لها لتقاربها الأخير مع روسيا خصوصاً عسكرياً، في وقت لم تعلن لجنة التحقيق بعد أسباب سقوط الطائرة التي قتل فيها 224 شخصاً غالبيتهم من الروس. وترجح لندن وواشنطن ومصادر في التحقيق الدولي فرضية أن يكون انفجار تسبب بإسقاط الطائرة الروسية في 31 أكتوبر الماضي في سيناء. لكن القاهرة تعتبر أن السلطات البريطانية والأمريكية تسرعت في استنتاجاتها واستبقت نتائج التحقيق.
وتتخوف الأوساط المصرية من أن تلحق التصريحات حول فرضية الاعتداء التي ترافقت مع تبني تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي إسقاط الطائرة ومع حركة إجلاء للسياح الأجانب من شرم الشيخ، ضرراً بالموسم السياحي. واتهم الإعلام المصري الصحف البريطانية بإشعال الموقف و»فبركة» تقارير غير صحيحة حول الوضع في مطار شرم الشيخ التي أقلعت منه الطائرة المنكوبة. وكانت تقارير إعلانية عدة تحدثت عن تراخ في التدابير الأمنية في مطار شرم الشيخ. وذهبت صحيفة «الأهرام» الحكومية إلى حد تشبيه الوضع في رسم كاريكاتيري بحرب السويس أو ما يسميه المصريون «العدوان الثلاثي» الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في 1956.
ويتضمن الرسم حواراً بين رجل مسن وشاب، ويقول الأول «اللي بيحصل في سينا اليومين دول بيفكرني بالعدوان الثلاثي 1956». فيرد الشاب الذي يرتدي قميصاً كتب عليه «أنا بحب مصر» بالقول «فعلاً. نحو 60 سنة وأعداؤنا هما هما. وإن شاء الله بردو ننتصر».
وكانت صورة حذاء عسكري كبير فوق أسماء صحف «إندبندنت» و»ديلي ميل» و»تلغراف» تصدرت الصفحة الأولى من صحيفة المساء اليومية المملوكة للدولة مع عنوان يقول «مصر ضد الكسر».
وعلقت الشركات البريطانية والأيرلندية رحلاتها من وإلى شرم الشيخ، فيما قررت شركتا لوفتهانزا الهولندية وإير فرانس الفرنسية وقف تحليقهما فوق شمال سيناء حتى إشعار آخر بداعي «السلامة».
ومنذ الجمعة الماضي، أعادت بريطانيا قرابة 5 آلاف من رعاياها العشرين ألفا المتواجدين في شرم الشيخ، إحدى أبرز الوجهات السياحية في مصر، إلى بلادهم في رحلات خاصة.
ومنذ بدء عملية الإجلاء التي ترافقت مع تصريحات لمسؤولين غربيين ترجح فرضية حصول اعتداء تسبب بسقوط الطائرة، دأبت الصحف المصرية على الحديث عن «مؤامرة غربية»، مؤكدة على أن مصر سترفع «التحدي». وبلغت الحملة حد التهجم على السفير البريطاني في مصر. وقال الكاتب الصحافي حمدي رزق في عموده الذي جاء بعنوان «48 سبباً لكي تكره السفير البريطاني» جون كاسون في صحيفة «المصري اليوم»، إن «هذا السفير كذاب ومخادع ويسخر من المصريين، لا يدعى إلى احتفالات وغير مرحب بوجوده في أي فعاليات، قاطعوا هذا السفير».
ويقول الإعلام المصري إن شرم الشيخ آمنة، فيما ينشط عشرات الصحافيين في المدينة لتغطية استمرار وجود السياح في شوارع المدينة وفي مسابح الفنادق.
وبث القنوات الفضائية المصرية تحقيقات من شرم الشيخ تظهر سياحاً يؤكدون أنهم يريدون البقاء لإنهاء إجازاتهم، كما أذاعت قنوات مصرية فضائية برامج حوارية عدة على الهواء من شرم الشيخ بدءاً من ليل الأحد الماضي. كما أطلقت صحف مصرية حملات تدعو المصريين للسفر إلى شرم الشيخ.
ومنذ 2011، ومع الاضطرابات التي ترافقت مع الانتفاضة على الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ثم الاضطرابات التي رافقت وصول الرئيس السابق محمد مرسي ثم عزله، يقاطع السياح الغربيون مواقع مصر السياحية الفرعونية. وبقيت منتجعات البحر الأحمر، وعلى رأسها شرم الشيخ، من آخر الأماكن التي يرتادها الأجانب في مصر. وتراجعت إيرادات السياحة، أحد أهم مصادر الدخل القومي لمصر، بشكل حاد منذ ذلك الوقت.
ويجمع الإعلام المصري على أن موقف الغرب من حادث الطائرة الروسية هو رد على الانفتاح المصري على روسيا. ونشرت الأهرام مقال رأي للكاتب أشرف العشماوي اعتبر فيه تعامل الغرب مع أزمة الطائرة الروسية «محاولة فاضحة ومفضوحة لعقاب مصر اقتصادياً ومالياً لأسباب سياسية عديدة أبرزها الانفتاح المصري مع روسيا الاتحادية في الأعوام الثلاثة الماضية وزيادة وتيرة التعاون العسكري والتسليح الروسي لمصر». وكان رسم كاريكاتيري نشر في صحيفة المصري اليوم الخاصة أظهر الطائرة الروسية في إطار ساعة رقمية لمباراة كرة في إستاد شرم الشيخ مع نتيجة «أمريكا وإنجلترا 1 - روسيا 0». ورأى الكاتب الصحافي عبد الحليم قنديل في مقال نشر في الصحيفة نفسها أن «القصة سياسية واقتصادية بامتياز تهدف إلى الانتقام من مصر وروسيا معا». وعززت القاهرة وموسكو علاقتهما منذ الإطاحة بمحمد مرسي في يوليو 2013، في خطوة أثارت توتراً في العلاقات المصرية الأمريكية. وزار الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي موسكو 3 مرات منذ انتخابه في يونيو 2014. وتسعى موسكو لتعزيز نفوذها في مصر، خصوصاً في ظل توتر العلاقات بين واشنطن والقاهرة.
واعتبر قطاع كبير في الإعلام المصري أن هناك مؤامرة تستهدف إسقاط مصر وروسيا معاً.
ولم يلتفت كثيرون إلى حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه علق الرحلات الجوية إلى مصر كلها وليس شرم الشيخ فقط.
من ناحية أخرى، قالت مصادر أمريكية مطلعة إن اتصالات رصدتها وكالات مخابرات أمريكية لمسؤولين روس أظهرت أن روسيا تعتقد بأن قنبلة أسقطت الطائرة الروسية بسيناء.
وأضافت المصادر أن ما تم رصده كان ضمن الأدلة التي دفعت المسؤولين الأمريكيين للاشتباه في أن قنبلة زرعت في الرحلة رقم 9268 لشركة متروجيت وهي من طراز أيرباص 321 تسببت في انفجارها بعد فترة قصيرة من إقلاعها من مطار شرم الشيخ المصري.
وقال مصدر بالحكومة الأمريكية إن روسيا ومصر لم تقبلا عرضاً من مكتب التحقيقات الاتحادي للمساعدة في التحقيق في سقوط الطائرة الروسية. وأعلن المتحدث باسم مكتب التحقيقات الاتحادي جوشوا كامبل أن المكتب عرض «مساعدة في الطب الشرعي» وخدمات أخرى لم يحددها على مصر وروسيا.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن «الاحتمالات التي ترجح وجود عبوة ناسفة على متن الطائرة أكثر من الاحتمالات التي لا ترجح تلك الفرضية». وأضاف أن هناك «احتمالاً كبيراً» لتورط «داعش». وأوضح هاموند في تصريح لمحطة «سي إن إن» خلال زيارة إلى واشنطن للقاء نظيره الأمريكي جون كيري «هناك احتمال كبير بوجود قنبلة على متن الطائرة». وأضاف «هناك احتمال كبير بأن يكون «داعش» ضالع في الأمر». وذكر أن بلاده تمتلك معلومات استخباراتية ذات طبيعة حساسة بشأن تحطم الطائرة الروسية في سيناء لم يتم تبادلها مع مصر «لأسباب واضحة». وتابع هاموند «لقد كانت بريطانيا من أولى دول العالم التي اتخذت قراراً بتعليق الرحلات السياحية إلى شرم الشيخ، وذلك بناء على المعلومات المتاحة لديها، وأيضاً بناء على معلومات استخباراتية.
وقد أقرت روسيا أمس الأول للمرة الأولى باحتمال وجود «عمل إرهابي» وراء إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء أواخر الشهر الماضي. وقال رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في مقابلة مع صحيفة روسيسكايا غازيتا نشرت مقتطفات منها «هناك احتمال وجود عمل إرهابي كسبب لما حدث».