بقلم-د. محمد نعمان جلال:
نواصل في الجزء الثاني من المقال، عرض كتاب «عامان على ثورة 30 يونيه.. البحرين ومصر ومواقف لا تنسى»، ويلاحظ أن الكتاب لا يقدم أسماء للفصول، ولا عناوين سوى العنوان العام، كما أشرت إليه سابقاً، ومن ثم، فإنني اعتبرت كلمات القيادة هي بمثابة الفصل الأول، و»البانوراما» هي الفصل الثاني، بل تمثل فصول الكتاب أو هي الكتاب كله، وهذا لا ينفي أن الكتاب له مقدمة مختصرة، بعنوان «عامان على ثورة شعب عظيم». وهذا دليل على حب السفير لمصر البلد المعتمد لديها. ونسوق هنا عدداً من الملاحظات ذات الصلة بالكتاب الوثائقي المهم وهي:
الأولى: إن الكتاب يقوم على التوثيق العلمي بالكلمات والصور، وهذا يذكرنا بكتب التاريخ القديمة، التي كانت تمتلئ بالصور، بخلاف الكتب الحديثة التي نادراً ما تجد فيها مثل هذه الصور لاختلاف الأزمان واختلاف التفكير. كما أن الكتابة الحديثة تقوم على العرض والتحليل، بينما الكتابة القديمة كانت توثيقاً أو كما يقال تأريخاً وليست تاريخاً. فالمؤرخ محايد بعكس أستاذ التاريخ أو المحلل أو الباحث التاريخي، فهو مدقق ومحلل وله رؤية وموقف وليس بالضرورة محايداً، وبالتالي فهو فيلسوف تاريخ، وليس مؤرخاً، ومن يطلع على كتاب توينبي «دراسة في التاريخ»، يدرك أنه صاحب نظرية، وكذلك كتاب «المقدمة» لابن خلدون، هو صاحب نظرية في فلسفة التاريخ والاجتماع، ولا تجد به صوراً بخلاف المؤرخ المحايد، فهو يسرد الحدث كما هو ويوثقه بالصور، ويستفيد بذلك المحلل التاريخي، وكلاهما يكمل الآخر. ولعل ما لفت نظري هو صورة تاريخية حقاً في صفحة 215، جمعت بين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان، رئيس وزراء البحرين، ورئيس المخابرات الحربية المصرية اللواء عبدالفتاح السيسي، والصورة تكاد تكون ناطقة إذا حللناها بلغة الجسد فهي تعبر عن شخصية اللواء السيسي «الرئيس السيسي بعد ذلك»، دون أن يطرأ عليه أي تغيير وهذا يدل على عمق الأصالة المصرية.
الثانية: إن هذا الفصل يتضمن توثيقاً لعلاقات البلدين، فإنه يندر أن تجد رؤساء وزارات مصر بمثل هذا التوثيق لفترة تاريخية قصيرة، إذ تولى رئاسة الوزارة أكثر من شخصية وكلهم التقوا مع القيادات البحرينية، وكذلك عدد من الوزراء أيضاً التقوا مع نظرائهم البحرينيين. فالصورة بمثابة وثيقة ناطقة للعلاقات الوثيقة بين البلدين.
الثالثة: النشاط الجم للشيخ راشد بن عبدالرحمن سفير مملكة البحرين في مصر، وهو نشاط متدفق وحيوي، ولو كانت هناك جائزة دولية، تعطى للدبلوماسيين النشيطين، فإنه يستحقها بجدارة، حيث أداؤه المهني الدبلوماسي يفوق عشرات السفراء الآخرين من واقع الوثائق واللقاءات المصورة والتصريحات في كل لقاء في مختلف المجالات السياسية والثقافية والبرلمانية والعسكرية والعمالية ورجال الإعلام. إن لقاءات السفير لم تترك مسؤولاً مصرياً إلا واجتمع به الشيخ راشد، وسجل ذلك بالصورة والكلمة وبالتأكيد سجلها في مراسلاته مع وزارة الخارجية، وغيرها من أجهزة الدولة ودافعه في ذلك تعزيز العلاقات وعدم ترك أية مناسبة إلا وشارك فيها. ولعل هذا يتماشى مع توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، في مشاركته في مختلف المناسبات، من تنصيب رئيس الدولة الرئيس السيسي، وقبله بعد قيام ثورة 30 يونيو، وفي افتتاح قناة السويس الجديدة، وفي المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر، وهكذا. فالسفير عادة يعبر عن نبض القيادة في بلاده، ويبتكر ويبدع في نفس الإطار فهو قوة دافعة للقرارات، وقوة منفذة للتوجيهات في نفس الوقت.
الرابعة: إن الكتاب ضم صوراً لقيادة المملكة العربية السعودية ومواقفها تجاه مصر في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والمواقف المشهودة لوزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، وهذا يدل على عمق الترابط بين السعودية وكل من مصر والبحرين، فكثير من المواقف السعودية خاصة تلك التي تتعلق بمصر ودعمها كانت البحرين تؤيدها، وتصدر بيانات بشأنها، فضلاً عن أنها ربما كانت قوة دافعة من ورائها، إذا بحثنا في الوثائق الرسمية عندما تنشر في المستقبل.
الخامسة: إبراز دور القوة الناعمة في علاقات البلدين والأدوار المهمة التي قام بها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في علاقاته بالبحرين، ومساندته لمواقفها، وحرصه على توجيه النقد لمن يمس سيادتها، ونفس الأمر بالنسبة لمفتي الديار المصرية السابق الدكتور علي جمعة، وكذلك وزراء التعليم والعدل والخارجية وغيرهم من كبار المسؤولين في البلدين، وأيضاً تظهر في الكتاب صور البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة القبطية المصرية، ودور المؤسسة الخيرية الملكية في العمل الخيري بمصر، ودور الجالية المصرية في المساهمة في بناء البحرين الحديثة في مجالات التعليم والصحة والقضاء والثقافة والأمن وغيرها، كل هذا موثق بالمقابلات والتصريحات والصور، وقد حظيت أنشطة الجالية المصرية في البحرين بإبراز لعدد من مواقفها في الاجتماعات الخاصة بأحداث في مصر أو في البحرين، وكذلك مواقف مصريين مثقفين وإعلاميين وشخصيات عامة في مصر، يساندون القضايا البحرينية.
السادسة: تضمن الفصل أيضاً زيارات وأنشطة الشيخة مي بنت محمد وزيرة الثقافة والإعلام ثم رئيسة هيئة الثقافة، وهو نشاط دائب في العلاقات المصرية البحرينية فضلاً عن أنه نشاط على مستوى عالمي، حقق للبحرين وجوداً متميزاً على الساحة الدولية، وهو تعبير عن القوة الناعمة للدولة، وأحسنت وأجادت الشيخة مي استخدامها لهذه القوة الناعمة.
السابعة: يخصص هذا الفصل مكاناً للتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، ومساهمة رجال الشرطة المصريين، وبخاصة معالي الشيخ راشد بن عبدالله، وزير الداخلية ودور القوات المسلحة المصرية، ومشاركتها في تمرين «حمد 1» مع أشقائها من القيادات العسكرية البحرينية والخليجية، وما يحظي به العسكري المصري أو أي مسؤول مصري يزور البحرين، من رعاية ولقاءات مع قيادات المملكة، بغض النظر عن درجته البروتوكولية، أو موقعه الوظيفي. وكل ذلك موثق بالصور كما ذكرت وليس كلاماً مرسلاً.
الثامنة: إن الكتاب لم ينس دور المرأة في توثيق العلاقات بين البلدين، خاصة في المقدمة، ولعله مما يذكر أن صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد المفدى، ترأست منظمة المرأة العربية في بداية القرن الحادي والعشرين، وكانت المنظمة نشطت في تلك الفترة، ولكن العلاقات النسائية بين البلدين تراجعت قليلاً في السنوات الأخيرة، للظروف التي مرت بها البلدان منذ ما سمي بـ»الربيع العربي»، وربما لهذا نشطت زوجات السفراء بعد ذلك، فقد أشار الكتاب التوثيقي إلى حرم السفير البحريني، وأنشطتها الاجتماعية والخيرية في مصر، وإلى دور الفنانة المصرية التشكيلية كوثر الشريف في إقامة المعارض الفنية العديدة وآخرها معرض فن تشكيلي نظمته السيدة أميرة الحسن التي كانت القوة الدافعة وراء إنشاء جمعية الصداقة البحرينية المصرية، والتي تم إنشاؤها لأول مرة منتصف عام 2015، وقد افتتح المعرض الفني معالي السيد أحمد الملا رئيس مجلس النواب، وشارك فيه بعض النواب، والسفير المصري في البحرين عصام عواد، في الأول من أبريل 2015. وكوثر الشريف هي فنانة مصرية مبدعة، تشارك في معرض البينالي للفنون التشكيلية في الصين منذ بضع سنوات، وأقامت معارض عدة في مصر والبحرين والصين وباكستان، وحصلت على الميدالية الذهبية في معرض خاص للفنون التشكيلية أقيم بمناسبة الأولمبياد عام 2008، كما كانت المتحدثة الرئيسة في الندوة الدولية في بينالي بكين الدولي السادس في سبتمبر 2015. «يتبع».
* عضو مجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية البحرينية