بقلم - د. محمد نعمان جلال:
نواصل في الجزء الثالث من المقال، عرض وتحليل كتاب «عامان على ثورة 30 يونيو.. البحرين ومصر ومواقف لا تنسى»، ونكمل حديثنا حول الملاحظات ذات الصلة بالكتاب الوثائقي المهم وهي:
التاسعة: يمكن اعتبارها مكررة إلى حد ما، ولكن من الضروري إفرادها للأهمية، وهي أن هذا الكتاب وما احتواه من مادة علمية يمكن أن يكون مرجعاً مهماً للباحثين في العلاقات الوثيقة بين البحرين ومصر، وذلك لكونه موثقاً بالصور، فهو أيضاً يفيد الإعلاميين في تحليل المضمون الإعلامي والسياسي، خلف الصورة باستخدام لغة الجسد التي لا يمكن تجاهلها في العصر الحديث، فهي تنطق بما لا ينطق به اللسان، وتحمل رسالة ضمنية معناها الصريح «وخاطبت عيناي في لغة الهوى عيناه» كما قال الشاعر، وكما يشدو بذلك المطربون، وهي أن المحبة والمودة والتقدير والطموحات في كل مجال لا يمكن الافتئات عليها فهي عميقة الجذور، وبها أكثر من ذلك، فهي ترتبط بالمصاهرة بين أبناء وبنات الشعبين أيضاً، وهذا يذكرنا بقول النبي الكريم «إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها -وفي رواية فاستوصوا بقبطها- خيراً فإن لي منهم نسباً وصهراً»، وهذا النسب والصهر لم يقتصر على محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، أو أرض الحجاز، بل امتد لربوع الجزيرة العربية بأسرها. وهذا الموضوع يمكن أن يكون بحثاً تاريخياً أو بحثاً في علم الأنساب والترابط بين مصر والعرب من قبل الفتح الإسلامي.
ونختتم هذا العرض بالإشارة الموجزة إلى نقاط ثلاث مهمة أشرت لبعضها في ثنايا العرض، ولكن من الضروري التذكير بها فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وهي:
الأولى: عمق علاقات الدولتين ورعاية القيادة السياسية لهذه العلاقات، بغض النظر عن التغيرات التي تطرأ على الأوضاع الإقليمية أو الدولية، وهكذا كانت زيارات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، لمصر في أشد الظروف صعوبة بعد ثورة 25 يناير، وفي أحلاها عند تنصيب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وفي أكثرها تفاؤلاً عند افتتاح قناة السويس وفي المؤتمر الاقتصادي.
الثانية: إن القوة الناعمة في علاقات الدولتين ذات فعالية لا تقل إن لم تفق القوة الصلبة التي يتم اللجوء إليها كبديل أو كخيار أخير في علاقات الدول، أما القوة الناعمة فهي أساس العمل الدبلوماسي المتشعب والمتنوع وفي مقدمته الثقافة والسياسة والاقتصاد والتجارة والمرأة والشباب والفن، وما إلى ذلك من علوم ومعارف وأنشطة بما في ذلك أنشطة الجاليات وجمعيات الصداقة والسياحة وخاصة بالنسبة للدول ذات الحضارات العريقة مثل مصر أو البحرين.
الثالثة: أهمية ودور ومكانة السفراء باعتبارهم الرسل الدبلوماسيين المبشرين بالتحسن، أو المنذرين بوجود فجوات أو ثغرات ينبغي تداركها لمزيد من الترابط بين القيادات والدول والشعوب. وهكذا يقدم لنا كتاب «مصر والبحرين مواقف لا تنسى»، في علاقات البلدين، وهذا ما يدل على نشاط ورؤية السفير راشد بن عبدالرحمن لهذه العلاقات وأنشطته المتنوعة في فترة عمله كسفير في مرحلة تغير الأنظمة والسياسات وبروز التحديات. وبالفعل فالسفير النشط لا يتوقف عن العمل في أحلك وأصعب الظروف، وإلا فلا فائدة ترجى منه، ولا ينبغي أن يتولى مثل هذه المهمة النبيلة التي يمثل من خلالها رئاسة الدولة ويعبر عن تاريخ البلد وحضارتها كما أشرت في كتابي عن «الاستراتيجية والدبلوماسية والبروتوكول»، المنشور منذ نحو عشر سنوات في بيروت ومصر، بأكثر من طبعة، وقلت وأكرر إن الدبلوماسي وبخاصة السفير هو مبعوث حضارة لدى حضارة أخرى، وإن الدبلوماسي المناضل «MILITANT» الذي يؤمن برسالته، وله رؤية هو أساس التواصل بين الدول والشعوب، وليس الدبلوماسي المنعزل أو الذي يلوذ بالصمت في أشد الأوقات احتياجاً إليه، أو الذي لا يدرك أبعاد العلاقات والمتغيرات الدولية والإقليمية. وكيف يعمل على التعريف ببلاده والدفاع عن مصالحها وطموحات شعبها وآماله. إن الدبلوماسي ليس له موقف حزبي فهو يعبر عن الدولة تاريخاً وحضارة وسياسة، ويمثل القيادة، وقد شهد التاريخ الدبلوماسي المصري سفراء عظاماً لهم مواقف، ومنهم من طلب نقله، أو قدم استقالته، لاختلافه مع القيادة في الرؤية، ولكنه لم يبق في منصبه دون أن يفعل شيئاً، ويتقاضى مرتباً، فهذا لا يليق بأي دبلوماسي أن يفعله، كما لا يليق بأي دبلوماسي أن يعمل شيئاً ضد مصلحة بلاده، فهذا يعني أنه سيكون خائناً للأمانة، وأنه لا يقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه. وخيراً فعل وأحسن وأجاد السفير راشد بن عبدالرحمن سفير مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية، لقد قدم إنجازات وقام بها ووثقها وتهنئة له من القلب ودعواتي له بالتوفيق. لقد وجدت السفير حريصاً على حضور مناقشات رسائل الدكتوراه والماجستير لطلاب من البحرين فأعجبت به.
وللإنصاف فإن البحرين لديها سفراء متميزون قاموا بأعمال مجيدة وذلك مكانه التاريخ الدبلوماسي للمملكة ولكن يكفي فقط أن أشير للدور المتميز لعميد الدبلوماسية البحرينية، سمو الشيخ محمد بن مبارك، نائب رئيس مجلس الوزراء، فهو أحد أهم ركائز الدبلوماسية العربية على المستوى العالمي ومازال متدفق العطاء في مجالات عدة.
* عضو مجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية البحرينية
970x90
970x90