قالها رحمة الله عليه الأستاذ الباحث المؤرخ والمثقف خالد حمد البسام «لا يوجد مثقفون سياسيون إلا ما رحم ربي»، على اعتبار أن الدور المنوط بهم هو التغيير من جميع النواحي لأجل مصلحة الوطن والمواطن، هذا باختصار رأيه في معظم المثقفين السياسيين.
فعلاً هناك أسباب، وللأسف، كانت تلعب دوراً في تلك التنظيمات السياسية.. أولها الإيمان بأن الحقيقة لا يملكها إلا من اعترف بأن هذا هو لا غيره ظناً أنه مثقف، وفعلاً تراه منطقياً لكنه في قرارة نفسه غير صادق وغير قادر على التغيير، ما أدى إلى الصراع بين التنظيمات السياسية. والنتيجة نبقى على ما نحن عليه خير لنا من الوقوع في المآسي التي وصلت إليها بلداننا العربية.. أنا لست كما يجب في تواصلي لقراءة كتابات خالد إلا الندرة الفقيرة، لم أدرك شخصيته الفذة. دهشت لإنسانيته أثناء تكريمه من قبل الأدباء في «الإثنينية» وندمت على عدم متابعتي المستمرة لكتاباته.
ترك عمله وسافر إلى لندن لتعلم اللغة الإنجليزية -حتى يترجم الوثائق الموجودة في المكتبة البريطانية- لمدة تسعة شهور، وواظب في المكتبة ذاتها من الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً لمدة أربعة شهور ليتجرع تاريخ الجزيرة العربية والخليج، وعن قرب تعرف على الدقة الفائقة في حفظهم للتاريخ من الألف إلى الياء.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ في أثناء زيارته للمكتبة البريطانية للحصول على الوثائق التاريخية الخاصة ببحثه التقى في طابور المكتبة برجل هندي يطلب معرفة تاريخ ميلاده، ما أثار دهشه أستاذنا الجليل بوحمد.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غزارة المعلومات والدقة والحرص على تسجيل كل صغيرة وكبيرة في وثائقهم.
فعلاً يا أستاذ خالد جهد جبار يفتخر به.. فهنيئاً لما تركته من عمل لا ينسى على الإطلاق، وهنيئاً لزوجتك الصديقة الصادقة نسيم البنعلي وأبنائك حمد وراشد ومرام. عسى الله أن يقتبسوا من آثارك وصيتك الذي وصل إلى المثقفين الكبار خاصة والجميع دون استثناء، ما عزز ثقتنا بأنك ستظل حياً في قلوبنا جميعاً لما قدمته من رصيد لا يضاهى به شيء. وقبل أن أنهي كلماتي أعترف أنني بكيت وأنا أستمع إلى صوته الكبير بمعانيه والعميق بمدلولاته وانبهار الأدباء المحتفين به سواء في طرحه للموضوع أو بردوده على أسئلة الحاضرين للاحتفاء بتكريمه، وافتخارهم بصوته الهادئ وكلماته المتواضعة التي ابتعدت عن اختيار ما لا يفهمه جميع المستويات..
رحمك الله يا خالد وأسكنك فسيح جناته.
موزة سبت