افتتح أمس مؤتمر تاريخ التسامح الديني والمذهبي في البحرين بمركز عيسى الثقافي، برعاية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس مجلس أمناء المركز، بمشاركة عدد من ممثلي الأديان والطوائف والمذاهب الموجودة في البحرين، وسط اهتمام رسمي وأهلي وإعلامي وأكاديمي، وبحضور ممثلي البعثات الدبلوماسية وكبار قيادات المجتمع في المجالات المختلفة.
وقال نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي رئيس اللجنة التنظيمية نائب راعي الحفل الشيخ د.خالد بن خليفة آل خليفة إن «منطقة المنامة القديمة، كانت ومازالت هي المنطلق لذلك الثراء التاريخي والاجتماعي. فبالرغم من صغر مساحتها إلا أنها استطاعت أن تحتضن بين أزقتها المساجد والمآتم والكنائس والمعابد المختلفة، مستوعبة بذلك كثافة سكانية غنية بالتنوع الثقافي والعرقي والديني، متعايشة في أجواء تتسم بالتسامح والقبول والاحترام المتبادل».
وقال الشيخ د.خالد بن خليفة آل خليفة إن «مركز الوثائق التاريخية بمركز عيسى الثقافي يسعى من خلال هذا المؤتمر نحو توثيق تلك الحقبة، لنؤكد بذلك أصالة مجتمعنا ورقي شعبنا، ولتدرك أجيالنا القادمة ضرورة بناء الواقع والمستقبل بالاعتبار بماضينا المتسامح، دون أن يترك للمتزمتين والمشككين سبيلاً لتأليب القلوب والعقول، وإثارة التفرقة وبث الكراهية بين الناس»، مضيفاً أن «التسامح الديني والمذهبي في البحرين هو واقع قائم منذ القدم، لم يكن أبداً سمة دخيلة مستحدثة، ولم يكن أمراً فرضته الظروف».
وأكد أن «تاريخ البحرين يحكي دائماً عن قصة التسامح التي خطها أهل هذا البلد معاً في أجواء اتسمت بالألفة والتآزر، والتي دعمها ورسخها صاحب الجلالة الملك المفدى سيراً على نهج وخطى آبائه وأجداده ورغماً عن الفوارق والاختلافات».
وأشار إلى أن «البحرين كانت منذ فجر نهضتها رمزاً للتعايش السلمي بين جميع أطياف المجتمع المتنوع فكرياً وعقائدياً، حيث سادت مظاهر التنوع الديني والمذهبي الواضح، عبر بناء وتشييد دور العبادة بمختلف فئاتها، لتكون هذه الحقبة هي التي وثقت رسمياً وفعلياً لمبدأ سلمية التعايش المجتمعي في البحرين».
ترسيخ ثقافة الحوار
وعبرت عضو مجلس الشورى د.هالة رمزي، في كلمتها في افتتاح المؤتمر، عن سعادتها بانعقاد مثل هذا المؤتمر فوق أرض البحرين، وقالت «لا يسعنا في هذا المقام أن نخفي هنا فخرنا واعتزازنا بالقيم الأصيلة التي يحملها شعب البحرين عبر التاريخ من تآلف وتسامح فيما بين أصحاب الديانات المختلفة على هذه الأرض الطيبة التي تحترم كافة الأديان والمذاهب».
وأضافت «كما لا يسعنا أن ننسى جهود العديد من الشخصيات الإسلامية والمسيحية واليهودية بالمملكة الداعية لترسيخ ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات، والتي تكللت في نوفمبر من العام الماضي بتوقيع وثيقة التسامح والتعايش الاجتماعي في مقر الكنيسة الإنجيلية الوطنية»، ولفتت في حديثها إلى دستور البحرين مؤكدة أن «القوانين والتشريعات في المملكة تستمد جوهرها من تعاليم العقيدة الإسلامية، فهي بالتالي تعكس القيم الدينية التي تحفظ للإنسان كرامته وتصون حقوقه».
وأكدت رمزي أن «البحرين تعد من الدول التي تولي اهتماماً كبيراً بقيم التسامح والتحاور، كما تهتم بالتعهدات الحقوقية الدولية، سواء بالانضمام والتصديق على الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة، أو الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، علاوة على احتضان المقر الدائم للمحكمة العربية لحوق الإنسان والتي جاءت كمقترح بحريني يعكس إيمان جلالة الملك بأهمية صون حقوق الإنسان والحفاظ عليها».
وتحدث في الجلسة الافتتاحية رئيس تحرير صحيفة (أخبار الخليج) أنور عبدالرحمن، مؤكداً بأنه «عندما نمعن التفكير في مختلف الديانات والمدارس الفكرية، فإننا ندرك أن كل الأيديولوجيات المقدسة لا تعدو أن تكون نتاج الحضارة الإنسانية، فالشعوب وحدها التي تستطيع أن تحمل على كاهلها هذه المفاهيم السامية والنبيلة، كما أنها هي التي تتحمل مسؤولية فهم التعاليم الإلهية ومن ثم نشرها».
وأشار إلى «أن الدين هو الحضارة بكل بساطة، إذ لا يمكن لأي نظام ينشد الرقي الاجتماعي أن يحقق ويستقيم ما لم تتوفر له منظومة من القيم والقواعد الأخلاقية والسلوكية»، مضيفاً «أن لقاءنا اليوم بمختلف مشاربنا الفكرية وتنوع معتقداتنا في مركز عيسى الثقافي، فإننا ندرك أن ما يربط بيننا جميعا هو انتماؤنا للإنسانية، ذلك القاسم المشترك والخيط الرفيع الذي يشدنا إلى بعضنا البعض».
وأوضح أن «هذا الذي يحدث اليوم في العالم يأتي نتيجة للتعصب السياسي الذي يلطخ حرمة الأديان ويشوه رسالتها السامية مثلما هو ناتج عن تضليل جيل الشباب من أتباع الديانات وغسل أدمغتهم، إن هذا واحد من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه عالمنا، الأمر الذي يحتم على زعماء جميع الأديان العمل على إعادة تفسير التعاليم والمبادئ الدينية للعامة من الناس، كما أنه لابد من العمل فوراً على نشر القيم التي تجرم حرمة الاعتداء على النفس البشرية وتنبذ القتل وسفك الدماء والتخريب».
التعايش والتسامح المذهبي
وضمن مداخلات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، تحدث د.عبدالله المقابي في كلمته لافتاً إلى ما يميز شعب البحرين في صنع تاريخ التعايش الديني والتسامح المذهبي فوق هذه الأرض الطيبة، ومشيداً بعهد الإصلاح الميمون لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.
وأشار إلى أن «جلالته دعم أساس يرتبط بالأجداد والآباء، وأنه عاهد الله أن يمضي بنفس المنهج دون أن يغير مسيرة السلمية وسيرة التعايش في البحرين»، لافتاً إلى أن الحقبة ما قبل تاريخ الإسلام وما بعده، وعلى مر الصراعات التي مرت بأقطار المعمورة منذ ذلك الزمن، لم تمر على البحرين ولا الحضارات المتعاقبة حتي يومنا هذا، فالشاهد على الحرية والتعايش والتسامح الديني والمذهبي في البحرين، هو شعبها وفعل قادتها ومن يزورها ويتعرف من قرب عليها، وأكبر شاهد منآها عن كل الصراعات بل وعن الحزبيات».
وأكد أن «ما يميز البحرين عن غيرها من الدول التي تعتبر اليوم في التعدد الديني والجاليات هي أكبر من البحرين، وأن البحرين هي التي صدرت حضارة التعايش بين الأديان والمذاهب والملل، وهي التي أصبحت في مصاف الدول العظمى مثالاً وقدوة، ولدول الخليج العربي أسوة حسنة في العلاقة الإنسانية والتعايش المذهبي، فالوجود المتعدد بلا صراعات كان ومازال في البحرين، والقياس أو المقارنة بين دول تدعي الحرية والديمقراطية أو تمتلكها بأي شكل وصورة، لا تقارن والبحرين في عهد الإصلاح الملكي برؤية كيسة ونظرة ثاقبة وبعد بصيرة من لدن جلالة الملك، من فتح الحرية والديمقراطية، علاوة على منهج التسامح والتعددية، هو العهد الناهض بمنهج التعايش بين الأديان، إذ أثبت للعالم رجولة رجل ملك فحكم، وعلم فعدل، صفح وعفا وأصلح، والله يقول (من عفا وأصلح فأجره على الله).
وأضاف «أنا لا أستطيع أن أبحر بكلماتي في حقك يا حمد، رؤية، منهجية، استراتيجية، مصداقية، إنسانية، عمل دؤوب، إخلاص، حب وفاء، تعايش وتسامح، وما فرطت ولا هملت، فكنت الرجل المناسب في الموقع الأنسب، وسيخلد التاريخ عملك الصالح ومشروعك الأصلح الذي بدأت دول العالم تعنى بتطبيقه وتفرح بتطويره، ومازلت أقول إن ملك الإنسانية حمد يملك بصيرة وعمق نظرة يستحق أن تؤلف فيها كتب تدرس في جامعات العالم لتكون نبرة التطبيق العملي في موطن الفعل لا الكلمة».
يذكر أن المؤتمر ستستمر فعاليات انعقاده وجلساته حتى اليوم.
970x90
970x90