باعتزاز وفخر كبيرين وبشعور عميق بالثقة وبعزم لا يلين تحتفل سلطنة عمان بالعيد الوطني الـ 45 حيث تواصل مسيرة النهضة العمانية الحديثة انطلاقها لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار لسلطنة عمان الشقيقة في كل المجالات في ظل القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان.
وإذ يشكل 18 نوفمبر يوماً تاريخياً فارقاً في حياة عُمان دولة وشعباً ومجتمعاً حيث تنطلق عمان مفعمة بحكمة القيادة وبعد نظرها وبخبرة التاريخ العريق نحو استعادة مكانتها البارزة وإسهامها الإيجابي والملموس في كل ما يعود بالخير والسلام على شعبها وكل الشعوب الشقيقة والصديقة من حولها، فإن يوم 18 نوفمبر يحمل لكل أبناء عمان معاني ودلالات ومشاعر فياضة تتجه نحو سلطان عمان حيث تحيط به القلوب وأفئدة أبناء وطنه عرفاناً وحباً وولاء وشعوراً أيضاً بحجم وقيمة وأهمية ما يقوم به السلطان قابوس بن سعيد ليس فقط كربانٍ ماهر لسفينة عُمان ولكن أيضاً كصاحب رسالة للنهوض ببلاده ومواطنيه وتحقيق تطلعاتهم في كل المجالات برغم كل الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالمنطقة.
وإذا كانت الشعوب تتخذ من أعيادها الوطنية وقفة تستعرض فيها منجزاتها وتشحذ هممها وتعيد النظر في بعض جوانب مسيرتها إذا كان ذلك ضرورياً، فإن الشعب العماني يقف في هذه المناسبة الوطنية مؤكداً استعداده للتضحية بالغالي والنفيس فداء لوطنه وحماية لمنجزاته وسيراً خلف قيادة سلطانه لتحقيق الأهداف والأولويات التي يحددها قائد مسيرته.
جدير بالذكر أن احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الـ 45 تكتسب معاني ودلالات وتكتسي مشاعر نبيلة وعميقة حيث تتم هذه الاحتفالات بعد عودة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان إلى أرض السلطنة محاطاً بقلوب وأفئدة أبناء عمان على امتدادها.
وبينما أبدى ارتياحه لمسيرة التنمية الشاملة في بلاده وما قامت به الحكومة وباقي مؤسسات الدولة من جهود مقدرة فقد أكد على أهمية الاستمرار في الحفاظ على الجوانب الحياتية للمواطنين وما يقدم لهم من خدمات، وضرورة الإسراع في وضع الخطط الكفيلة بتحقيق التنويع الاقتصادي واستكمال المشاريع الكبرى ذات النفع العام وجذب المزيد من الاستثمارات لعمان وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص ومواصلة العمل لتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل ما يتوفر لها من مقومات مؤسسية ومالية.
وتضع حكومة سلطنة عمان وكل مؤسسات الدولة فيها هذه التوجيهات من السلطان قابوس كدليل عمل وخطة طريق تعمل على تحقيقها مع بذل كل الجهود الممكنة من أجل إحلال الأمن والاستقرار والوئام في المنطقة ودعم كل جهد مخلص لتحقيق السلام عبر الحوار وبالوسائل السلمية وبما يحقق المصالح المشتركة لجميع شعوبها ويمكنها في ذات الوقت من حشد طاقاتها لبناء حياتها على النحو الذي تريده هذه الشعوب دون تدخل في شؤونها على أي نحو.
إن ما يبعث على الاعتزاز بالنسبة للعمانيين أن احتفالات سلطنة عمان بالعيد الوطني الـ 45 تأتي كذلك مصحوبة بثلاثة إنجازات ذات ملامح خاصة ومميزة وتتضافر كلها لتنطلق بمسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة السلطان قابوس إلى آفاق أرحب يتحقق خلالها مزيد من مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار ومزيد من التطلعات نحو غدٍ أفضل ومزيد أيضاً من الإسهام العماني النشط والمسؤول في العمل من أجل السلام والاستقرار في المنطقة في ظل ترحيب إقليمي ودولي واسع بهذا الإسهام وتقديره.
خطة التنمية الخمسية الثامنة
إن أول هذه الإنجازات ذات الملامح الخاصة والمميزة أن الاحتفالات بالعيد الوطني الـ 45 في السلطنة تتزامن مع انتهاء خطة التنمية الخمسية الثامنة «2011 - 2015» وفي الوقت ذاته الانتهاء تقريباً من إعداد خطة التنمية الخمسية التاسعة «2016 - 2020»، التي سيبدأ تطبيقها اعتباراً من بداية العام القادم وتعد آخر خطة تنمية خمسية في استراتيجية عُمان 2020 التي بدأ تنفيذها منذ عام 1996. وبينما تركز خطة التنمية الخمسية التاسعة «2016 - 2020»، على الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والحفاظ على مستويات الدخل الحقيقية للمواطنين والعمل على زيادتها مع إعطاء دفعة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وللتنمية البشرية والانتهاء من المشروعات الكبيرة في القطاعات المختلفة لتعزز القدرات الإنتاجية للاقتصاد الوطني، فإنه يجري كذلك الإعداد لاستراتيجية «عمان 2040» وهو ما يقوم المجلس الأعلى للتخطيط «اللجنة الرئيسة لاستراتيجية التنمية العمانية «عمان 2040»، بالعمل على إنجازه بالتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى مع مراعاة إعطاء دفعة كبيرة لتنويع مصادر الدخل وزيادة دور القطاع الخاص والاهتمام بمشروعات الطاقة المتجددة خاصة الرياح والطاقة الشمسية والحد من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل وكذلك تنشيط قطاعات الصناعة والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والزراعة والثروة السمكية والاتصالات للاستفادة من الموقع المتميز للسلطنة وتحويلها إلى مركز لوجستي إقليمي يربط بين المنطقة والعالم من ناحية واستثمار الموارد المتاحة في السلطنة مادية وتراثية وعصرية لخدمة الاقتصاد العماني وتحقيق حياة أفضل للمواطنين من ناحية ثانية.
انتخابات مجلس الشورى
أما الإنجاز الثاني ذو الملامح الخاصة والمميزة والذي يتزامن مع احتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطني الـ 45 فإنه يتمثل في انتخابات الفترة الثامنة لمجلس الشورى التي أشاد الجميع بنجاحها والتي جرت يوم 25 أكتوبر الماضي حيث توجه الناخبون العمانيون – رجالا ونساء – من لهم حق التصويت «نحو 612 ألف ناخب وناخبة» إلى 107 مراكز للتصويت في ولايات ومحافظات السلطنة لانتخاب 85 عضواً وهم أعضاء مجلس الشورى لهذه الفترة وفي حين تجاوزت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشورى 56.6 % من إجمالي الناخبين، وفازت امرأة واحدة بعضوية المجلس للفترة الثامنة فإن الانتخابات اتسمت بالشفافية وسهولة عمليات الاقتراع وشهدت استخدام نظام التصويت الإلكتروني، وغطت العشرات من أجهزة الإعلام العمانية والعربية والأجنبية عمليات الانتخاب وأشادت بحسن سيرها، وإقبال المرأة العمانية على المشاركة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن انتخابات الفترة الثامنة لمجلس الشورى أدت إلى فوز عدد كبير من الشباب بعضوية المجلس مقارنة بالفترات السابقة، وهو ما سيسهم بالضرورة في تفعيل دور مجلس الشورى الذي يتمتع باختصاصات تشريعية ورقابية عديدة بموجب التعديلات التي تم إدخالها على النظام الأساسي للدولة «دستور البلاد» في عام 2011، كما إنه من المعروف أن عدداً من أعضاء المجلس من حاملي درجة الدكتوراه والماجستير ولا يقل المستوى التعليمي للأعضاء عن الدبلوم العام وفقاً للقانون. ومن خلال مجلس الدولة الذي يعين السلطان قابوس بن سعيد أعضاءه من بين أفضل الخبرات العمانية ومجلس الشورى الذي ينتخب المواطنون ممثلي ولاياتهم فيه يتاح للمواطن العماني حق المشاركة الفعلية في عملية صنع القرار في سلطنة عمان وبحكم الاختصاصات والدور الذي يقوم به مجلس عُمان بجناحيه «الشورى والدولة»، بالتعاون مع مجلس الوزراء ومع مؤسسات الدولة الأخرى أيضاً.
استضافة المفاوضات النووية
وإذا كان الإنجازان السابق الإشارة إليهما يرتبطان بالأداء والإنجاز على الصعيد الداخلي، فإن الإنجاز الثالث ذا الملامح الخاصة والمميزة يرتبط بالسياسة العمانية الخارجية وبتحركات سلطنة عمان النشطة إقليمياً ودولياً نظراً لما تتمتع به من علاقات طيبة ووطيدة مع مختلف القوى والأطراف الإقليمية والدولية من ناحية ونظراً أيضاً لأن سلطنة عُمان أعلنت وبشكل واضح وعلني شفاف أنها دولة سلام وأنها تحرص وتسعى بكل السبل إلى تحقيق السلام والوئام لدول وشعوب المنطقة وحل المشكلات بالطرق السلمية وعبر الحوار الإيجابي لتحقيق التقارب بين مختلف الأطراف من ناحية ثانية، ولأن سلطنة عُمان تؤمن بشكل عميق بأهمية وضرورة تحقيق السلام والأمن والاستقرار كشرط لتحقيق التنمية والرخاء، ولأنها تحظى بالمصداقية لدى الدول الأخرى لأن مواقفها وسياساتها اتسقت والتزمت دوماً مع مبادئها وما فعلته فإن مما له دلالة عميقة أن احتفالات العيد الوطني الـ 45 تتزامن مع تقدير واسع ورفيع لجهود السلطنة الطيبة بالنسبة للعديد من القضايا الدولية والإقليمية، فإلى جانب التوصل لاتفاق نهائي بين إيران ومجموعة «5 1» حول البرنامج النووي الإيراني في 14 يوليو 2015، وهو ما ارتكز في الواقع على الدور الذي قامت به سلطنة عمان التي استضافت لقاءات أمريكية إيرانية، ولقاءات بين إيران ومجموعة «5 1» في سبتمبر ونوفمبر عام 2014 على التوالي، فإن عمان تضطلع بجهد إيجابي وبناء سواء فيما يتصل بالعمل على وقف القتال في اليمن واستئناف المفاوضات بين الأطراف اليمنية تمهيداً لاستعادة الأمن إلى ربوع الجمهورية اليمنية الشقيقة. كما إن المساعي الحميدة لعمان فيما يتصل بالتطورات في سوريا استمرت على مدى الأشهر الماضية.
تجدر الإشارة إلى أن سلطنة عمان تقوم بمساعيها بتجرد وبرغبة صادقة في تحقيق السلام والأمن لشعوب المنطقة وبعيداً عن أية استفادة ذاتية أو أجندة خاصة وهو ما أكسبها مزيدًا من ثقة واحترام كل الأطراف في المنطقة وخارجها.
وإذا كانت احتفالات العيد الوطني الـ 45 تتم في ظل هذا الزخم الوطني وبرعاية من السلطان قابوس بن سعيد فإن مما له دلالة عميقة أنه بالرغم من الانخفاض الشديد في أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ منتصف العام الماضي 2014، وانخفاض الإيرادات العامة للدولة بأكثر من 36% خلال الأشهر الماضية، فإن الحكومة العمانية تسعى جاهدة من أجل استيعاب هذا الانخفاض الشديد في الإيرادات من خلال خطوات وسبل متعددة مع الحرص على عدم المساس بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطن العماني مع العمل على تعزيز الإيرادات المالية للدولة وخفض الإنفاق الحكومي وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وهو ما بدأت نتائجه تتضح بالفعل خلال الأشهر الماضية حيث أكد السلطان على الاستمرار في الإجراءات الاحترازية تلك خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء يوم الأول من نوفمبر الحالي.
وفي الوقت الذي أدت فيه الجهود المبذولة إلى تحسين ترتيب سلطنة عمان بين دول العالم بالنسبة لسرعة إنجاز الأعمال حيث جاءت بالمرتبة الثانية على الصعيد العربي والمرتبة الثانية والعشرين على المستوى الدولي من بين 158 دولة شملها التقرير الثالث لمستوى السعادة حول العالم لعام 2015 وهو التقرير الذي أصدرته شبكة حلول التطوير المستدامة التابعة للأمم المتحدة، حققت السلطنة أيضاً المرتبة السابعة عالمياً وفق مؤشر جودة الحياة لعام 2015، حسب قاعدة البيانات الدولية الإلكترونية «نمبيو».