كتب - وليد صبري:
رغم المرارة التي يعيشها المصريون هذه الأيام، وحالة الحزن التي تخيم على منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، جراء استباق الاستخبارات الغربية لنتائج التحقيق في أسباب تحطم الطائرة الروسية «إيرباص إيه 321»، ورغم مقتل 224 راكباً كانوا على متنها، وإعلان أن السبب هو عمل إرهابي نتيجة قنبلة مزروعة على متن الطائرة، وقرار شركات طيران غربية بوقف الرحلات إلى شرم الشيخ، وحظر بعضها الطيران فوق شبه جزيرة سيناء، إلا أن ما يخفف على المدينة السياحية تلك الآلام، توجيه خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، باستمرار تسيير رحلات الخطوط الجوية السعودية إلى شرم الشيخ من الرياض وجدة دعماً للسياحة في مصر. وتظهر الخطوة مدى الدعم الذي تقدمه الرياض للقاهرة، وكأن خادم الحرمين بتوجيهاته السديدة يجفف دموع مدينة السلام.
وأكد العاهل السعودي «ثقته التامة بالأمن المصري والجيش المصري وحكومة مصر في حماية أمن واستقرار جمهورية مصر العربية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي»، في وقفة أخوية مع مصر، رغم الشكوك الدولية باحتمال وجود قنبلة على متن الطائرة المنكوبة التي تحطمت مؤخراً.
ولاحقاً، أعلن المدير العام للخطوط الجوية العربية السعودية صالح بن ناصر الجاسر أن الرحلات من الرياض وجدة إلى شرم الشيخ ستزيد بنسبة 75% اعتباراً من فبراير 2016. وتسير الناقلة السعودية 8 رحلات أسبوعياً إلى شرم الشيخ نصفها من الرياض ونصفها من جدة. وبهذا يزيد عدد الرحلات إلى 14 رحلة أسبوعياً على مدى العام القادم.
وتحطمت الطائرة «إيرباص إيه 321» التابعة لشركة «متروجيت» الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في 31 أكتوبر الماضي، بعد 23 دقيقة فقط من إقلاعها من شرم الشيخ متوجهة إلى سان بطرسبورغ شمال غرب روسيا في أسوأ كارثة جوية في مصر.
وأعلن الفرع المصري لتنظيم الدولة «داعش» مسؤوليته عن إسقاط الطائرة، وقال إن ذلك يأتي رداً على التدخل الروسي في سوريا لكن دون أن يفصح عن كيفية إسقاط الطائرة. وإذا صح ادعاء «داعش» بإسقاط الطائرة، ستكون أول مرة يتمكن فيها التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق من إسقاط طائرة ركاب. ومنذ البداية، رجحت واشنطن ولندن فرضية حصول تفجير داخل الطائرة. وأوقفت شرطات طيران عدة في العالم رحلاتها إلى مطار شرم الشيخ.
وشكل تأكيد موسكو أمس الأول أن سبب تحطم الطائرة انفجار قنبلة محلية الصنع كانت على متن الطائرة، صدمة للمسؤولين في مصر، خاصة بعد أن أكدت واشنطن ولندن أن لديهما تقييمات مخابراتية بأن مسلحين فجروا الطائرة.
ورغم أن موسكو لم تحمل أية مجموعة أو تنظيم بما فيها تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي المسؤولية عن تفجير الطائرة إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد بتكثيف حملة القصف الجوي في سوريا رداً على تفجير الطائرة، بينما أعلنت وكالة الأمن القومي الروسية مكافأة بقيمة 50 مليون دولار لقاء أية معلومات تؤدي إلى القبض عن المتورطين في الحادث الأليم.
ويأتي تأكيد تفجير الطائرة، وهو الهجوم الأكثر دموية ضد هدف روسي منذ مجزرة مدرسة بيسلان التي ارتكبها مسلحون شمال القوقاز في 2004، في وقت قررت فيه روسيا وقف رحلاتها إلى شرم الشيخ، ومنعت شركة «مصر للطيران» من تسيير رحلات إلى موسكو، استناداً إلى تعليمات الوكالة الفيدرالية الروسية المكلفة بالنقل الجوي، الأمر الذي نددت به الشركة المصرية. كما قررت موسكو إجلاء الرعايا الروس من مصر. واعتبر رئيس شركة مصر للطيران شريف فتحي أن القرار الروسي «غير مبرر وغير مهني» معرباً عن «استغرابه الشديد» له و»اعتراضه» عليه.
وقالت وزارة النقل الروسية إنه تم إجلاء أكثر من 60 ألف سائح روسي من أصل 80 ألفاً في مصر.
وبعد إعلانها احتمال سقوط الطائرة بسبب قنبلة، حذرت بريطانيا من السفر جواً دون ضرورة إلى شرم الشيخ وأرسلت خبراء أمن إلى مطار المنتجع.
وكان نحو 20 ألف سائح بريطاني يقضون إجازتهم في شرم الشيخ عندما تحطمت الطائرة الروسية. وتمت إعادة العديد من السياح البريطانيين جواً على رحلات خاصة قامت بها الخطوط الجوية البريطانية «بريتش ايرويز».
وأعلنت مصر تعزيز إجراءات الأمن في مطاراتها بما فيها التعاون مع خبراء من بلدان وممثلي شركات الطيران لضمان «أقصى مستوى من الأمن»، فيما أكدت أن لجنة التحقيق لم تتوصل بعد لتحديد أسباب سقوط الطائرة الروسية. وقال رئيس الأمن الروسي ألكسندر بورتنيكوف إن الطائرة التي كانت عائدة بسياح روس من منتجع شرم الشيخ المصري في 31 أكتوبر الماضي، أسقطت بعد فترة وجيزة من إقلاعها فوق شبه جزيرة سيناء بقنبلة مصنعة يدوياً تحتوي على متفجرات تعادل قوتها 1 كلغ من مادة «تي ان تي» المتفجرة»، مؤكداً أن «تحطم الطائرة نتيجة عمل إرهابي».
وأعلن وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار «تعزيز الإجراءات الأمنية في جميع المطارات» في مؤتمر صحافي عقد في شرم الشيخ برفقة رئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزراء آخرين.
وفي أحدث تصريحاته، قال وزير الطيران المدني المصري حسام كمال في المؤتمر «حتى هذه اللحظة اللجنة لم تصل إلى أي نتائج تشير إلى أسباب سقوط الطائرة، واللجنة لم تصل إلى أي دليل جنائي في الحادث».
وفي بيان منفصل، نفت وزارة الداخلية المصرية اعتقال أي موظف في مطار شرم الشيخ بعد حادث تحطم الطائرة، إثر تقارير تحدثت عن اعتقال موظفين بمطار شرم الشيخ يشتبه في صلتهما بالحادث. وقال أحد المسؤولين إنه «تم القبض على 17 شخصاً يشتبه بأن اثنين منهم ساعدا من زرعوا القنبلة على الطائرة في مطار شرم الشيخ».
وقال مسؤول الآخر إن لقطات كاميرات المراقبة أظهرت أحد الموظفين يحمل حقيبة من أحد مباني المطار ويسلمها إلى المشتبه به الآخر الذي كان يضع الحقائب في مخزن الطائرة وهي تقف على الممر. وأكد موظف في العلاقات العامة في المطار إلقاء القبض على الموظفين مشيراً إلى أنهما يعملان في الخدمات الأرضية.
وتحدثت دول غربية عدة عن احتمال وجود قنبلة على متن الطائرة. ويطرح ذلك الاحتمال هواجس حول أمن المطارات المصرية.
ولايزال المسؤولون المصريون حذرين في تحديد سبب سقوط الطائرة. من ناحية أخرى، أحيا قرار بريطانيا بوقف رحلات الطيران إلى شرم الشيخ مرارات قديمة في مصر حيث يتهم مصريون كثيرون المستعمر السابق بالتصرف بدافع حقد دفين ويشكون في وجود مؤامرة خبيثة تحاك ضد بلادهم.
ورأى كتاب أعمدة في الصحف ومذيعون في قنوات التلفزيون ومواطنون أن بريطانيا استبقت التحقيق حين قالت إن الطائرة أسقطت على الأرجح بفعل قنبلة. كما جرحت التلميحات بشأن ضعف إجراءات الأمن في مطار شرم الشيخ الكبرياء الوطني.
لكن ما يؤخذ على أقطاب الإعلام المصري الهجوم العنيف على الغرب متجاهلين رد الفعل الروسي على تحطم الطائرة، رغم أن موقف موسكو لم يختلف كثيراً عن مواقف دول غربية أخرى.
وتركزت معظم الانتقادات للغرب في وسائل الإعلام، لكنها تجاهلت أن روسيا ذهبت أبعد من بريطانيا بمنع جميع الرحلات إلى مصر وهو قرار يرجح أن يستمر لأشهر.
لكن صحيفة «المصري اليوم» وهي كبرى الصحف المستقلة في مصر لخصت الصدمة من القرار الروسي في عنوان بصفحتها الأولى يقول «حتى أنت يا بوتين».
وكثيراً ما أشاد الإعلام المصري بالرئيس الروسي كحليف قوي لمصر في معركتها ضد المتطرفين ولتحقيق توازن أمام الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، ونهاية حكم جماعة الإخوان المسلمين وعزل الرئيس السابق المنتمي للجماعة محمد مرسي في يوليو 2013.
وانتقد وزير الخارجية سامح شكري بريطانيا والولايات المتحدة لعدم مشاركة مصر في معلومات مخابراتية يقول البلدان إنهما حصلا عليها وتشير لوقوع تفجير. وأيدت وزارة الخارجية المصرية تفسير وزيرها في موقعها الإلكتروني.
ونشرت صفحة الوزارة على موقع «فيسبوك افتتاحية» صحافية تقول «مصر في حرب ضد الإرهاب خلال السنوات القليلة الماضية دون أدنى قدر من المساعدة من القوى التي تتحدث الآن باستهانة عن أوجه القصور والخلل لدينا».
وأضاف المقال «سوء النية الموضوع تحت غطاء رقيق ظهر من بين تكهنات سابقة لأوانها من قوى غربية».
وتحظى فكرة أن مصر تواجه مؤامرة كبرى بدعم رئاسي. وعندما سئل السيسي عن قرار وقف رحلات الطيران ألقى باللائمة على قوى تعمل لإضعاف مصر.
وعلى المستوى الاقتصادي، يرجح أن يؤدي تعليق الرحلات إلى تضرر السياحة التي تشكل أحد الموارد الاقتصادية الأساسية لمصر، فيما أكد مسؤولون مصريون أن تداعيات سقوط الطائرة الروسية قد تقلص دخل السياحة من منتجع شرم الشيخ بمقدار النصف.
وأجبر الحادث إلى منح عشرات الموظفين إجازات بدون راتب بسبب تناقص أعداد السياح، في ظاهرة تهدد بخسارة عشرات الآلاف لوظائفهم خلال أشهر.
وبعد نحو 3 أسابيع من الحادث، بدأت تأثيرات القيود على السفر إلى المنتجع الواقع على البحر الأحمر تظهر جلية، حيث خفضت شركات السياحة والضيافة موظفيها لخفض النفقات. ويوظف قطاع السياحة واحداً من بين 9 عمال في مصر، وتعد السياحة مصدر رزق نحو 80 ألف شخص في شرم الشيخ فقط.