يخشى البعض أن يؤدي الخوف الذي سيطر على فرنسا إثر اعتداءات باريس إلى دفع المجتمع الفرنسي للتخلي عن القيم التي يبني عليها قوته.
ويظهر هذا الخوف بشكل ملموس في شوارع باريس حيث تثير أدنى شائعات عن وقوع اعتداءات جديدة ردود فعل من الذعر، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”.
وفي شارع شارون حيث قتل 19 شخصاً على رصيف مقهى “لا بيل إيكيب” يعبر فريديريك إيتا “48 عاماً”، صاحب محل للمأكولات عن إحساسه بعدم وجود “حماية” له ويقول “يجب أن يدرك الفرنسيون فعلياً أننا في زمن حرب”.
وقالت جارته حميديش دورية “سوف نغير عاداتنا بشكل كبير بدءاً بعدم الخروج كثيراً في الليل”.
ودعت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو مواطنيها إلى عدم الاستسلام للخوف من “أعدائنا” مضيفة “ما يجب أن نخشاه هو المشاعر التي قد يزرعوها فينا، الخوف الذي يشوه طبيعتنا، والغضب الذي يشوه صورتنا والشك الذي يقسمنا”.
وأدلت إيدالغو بهذه التصريحات في كلمة ألقتها أمام مجلس بلدية باريس المجتمع بكامل أعضائه قبل أن تلزم فرنسا دقيقة صمت حداداً على ضحايا الاعتداءات وتعبيراً عن وحدة الأمة في وجه الإرهاب.
وفي وقت يخشى مسلمو فرنسا أن يؤدي هذا الوضع إلى استهدافهم قال المفكر ميكايل فوسيل “يجب ألا ننساق على الإطلاق لرغبة الإرهابيين في دفع المجتمع الفرنسي إلى نزاع مسلح”.
وتابع أن “ما تم استهدافه هو الحلقة الضعيفة في مجتمعنا الذي ضربته الاعتداءات السابقة والخطابات الأمنية، وهي الحلقة التي لا تزال متمسكة بالمساواة في مجتمعنا، ولا تزال مختلطة وديمقراطية”.
ورأى في مقابلة أجرتها معه “فرانس برس” أن “إستراتيجية الإرهابيين تقضي بتصفية نقاط المقاومة التي أضعفها أساسا خطاب صدام الحضارات”.
وعلى إثر اعتداءات يناير الماضي على صحيفة “شارلي إيبدو” الهزلية ومتجر يهودي وقعت حوادث متفرقة خلال دقائق الصمت التي جرت في مدارس بعض الأحياء الشعبية حيث غالبية من الفرنسيين المتحدرين من أصول مهاجرة والمسلمين. غير أن هيئات التعليم لم تسجل هذه المرة أي حوادث مماثلة.
وقال فيليب تورنييه رئيس نقابة أرباب العمل إن “أي شاب يشعر بأنه معني بإطلاق النار على رصيف مقهى أو على حفل موسيقي”.
وكان ضحايا الاعتداءات على مسرح باتاكلان ومقاه تغص بالرواد في أحياء رائجة من شرق العاصمة بغالبيتهم من الشبان العاملين أو الطلاب من أصول وانتماءات اجتماعية متنوعة.
وقال عالم الاجتماع ميشال فيفوركا إنهم “قتلوا بأيدي أشخاص يكرهون نمط العيش هذا، يتحدرون من مجتمعنا الذي أنتج أشخاصاً مهمشين ضمن قسم صغير من الشباب تحركهم مشاعر الحقد والنقمة”.
كما فجر 3 انتحاريين أنفسهم قرب ملعب ستاد دو فرانس شمال باريس في محاولة فاشلة لإثارة مجزرة بين الحشود التي كانت تشاهد مباراة لكرة القدم بين منتخبي ألمانيا وفرنسا.
وأبدى ميكايل فوسيل وميشال فيفوركا قلقهما حيال الخطاب الأمني الذي تبنته السلطة السياسية والذي قد يقود بنظرهما إلى النيل من قيم الحرية والديمقراطية التي يقوم عليها المجتمع المسيحي.
وقال فوسيل “حين تفرض كلمة “الحرب” نفسها لا يعود من الممكن قول أي شيء آخر” مضيفاً “لكنها ليست حرباً. إنها أعمال إرهابية يريد منفذوها من خلالها أن يفرضوا علينا الحرب، إنه إجرام سياسي يمت إلى القانون الجنائي ولو كان قانوناً استثنائياً، وكل ما يسيء إلى الحرية يأتي بنتيجة عكسية”.
وقال ميشال فيفوركا إن “معجم الحرب على الإرهاب هو معجم خطير لأنه يذكر بأخطاء الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير” في تبريرهما اجتياح العراق.
واستخدم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كلمة “حرب” عدة مرات في كلمة ألقاها أمام البرلمان المنعقد في جلسة طارئة بمجلسيه فقال إن “فرنسا في حرب” و”إننا في حرب على الإرهاب الجهادي الذي يهدد العالم بأسره وليس فرنسا فقط”.
ورأى ميشال فيفوركا أن “المجتمع بحاجة إلى التأمل والمناقشة جماعياً” حتى لا يقع في فخ الحرب.
وجمع برنامج تلفزيوني واسع الشعبية في فرنسا عدداً من السياسيين والمثقفين والفنانين على مدى أكثر من ساعتين متفادياً طرح أي جدل يمكن أن يثير انقساماً في المجتمع الفرنسي.
وبلغ عدد متابعي هذا البرنامج غداة اعتداءات باريس 3.2 ملايين مشاهد أي ضعف عددهم عادة وقال فيه المثقف رافايل غلوكسمان ملخصاً الشعور العام الذي ظهر بين المشاركين “لن ننتصر إلا إذا امتنعنا عن التضحية بما نحن” داعياً إلى “عدم إنجاز عمل “داعش””.