عواصم - (رويترز): يقول مسؤولون ومحللون إن الحلفاء المتشددين للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يشنون حملة على النشطاء والصحفيين والفنانين في محاولة لإحكام قبضتهم على الساحة السياسية قبل انتخابات مهمة تشهدها البلاد، فيما تنفذ السلطات حملة اعتقالات في صفوف المعارضين.
وقالت جماعات حقوقية ومواقع إلكترونية معارضة إن وزارة المخابرات استدعت العشرات للاستجواب وتم احتجازهم. ونفت الحكومة الإيرانية أن تكون هناك موجة اعتقالات ووصفت التقارير بأنها «لا أساس لها».
ويعتقد بعض المسؤولين والمحللين أن الهدف هو الحد من نفوذ الرئيس حسن روحاني وشعبيته بعد نجاحه في التوصل إلى اتفاق نووي تاريخي مع القوى العالمية الست في يوليو الماضي أنهى مواجهة استمرت لما يزيد على عقد من الزمن.
وقال مسؤول كبير مقرب من روحاني «المتشددون يشعرون بالقلق من نفوذ روحاني في الداخل والخارج. يخشون من أنه قد يضر بتوازن القوى في إيران».
وانتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان والأمم المتحدة إيران لما وصفته بأنها حملة على حرية التعبير ووسائل الإعلام. ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد من ألقي القبض عليهم أو تفاصيل عن الاتهامات التي وجهت لهم أو ما إذا كانت وجهت من الأساس وإن كانت أي محاكمات قد جرت.
ويقول محللون إن إسكات الأصوات المعارضة تصاعد منذ سبتمبر الماضي حين حذر خامنئي من «تسلل» أعداء إيران.
وأصدر القضاء الإيراني حكماً بسجن الأمريكي من أصل إيراني جيسون رضائيان الصحفي في جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية بعد إلقاء القبض عليه يوليو 2014 في اتهامات بالتجسس. ورفضت الحكومة الأمريكية وعائلة الصحفي الاتهامات. وصدر الحكم بعد إلقاء القبض على رجل الأعمال الأمريكي من أصل إيراني سياماك نامازي حين كان يزور أقاربه في طهران.
وأقنعت المصاعب الاقتصادية في إيران خامئئي بدعم جهود روحاني للتوصل لاتفاق نووي وافقت طهران بموجبه على الحد من أنشطة برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات على اقتصادها الضعيف.
ويقول المحللون إن المتشددين يأملون أن تساعد موجة الاعتقالات في إحكام قبضتهم على السلطة وحماية سلطة خامنئي من أن يتحداها الرئيس مع اقتراب الانتخابات التي تجري بعد أسابيع.
ويعتقد محللون ومسؤولون مقربون من الحكومة أن الاعتقالات أيضاً ستكشف عن حدود سلطة الرئيس في الداخل وتثبط الإيرانيين الذين يمكن أن يدعموا مرشحين من دعاة الإصلاح في الانتخابات القادمة.
ويعتقد المتشددون أنه إذا فاز فصيل روحاني في انتخابات البرلمان أو مجلس الخبراء وهو مجلس لرجال الدين له سلطة صورية على الزعيم الأعلى فإن هذا سيمنحه قدرا اكبر من اللازم من النفوذ والسلطة في البلاد. وقال المحلل المقيم في إيران سعيد ليلاظ «كان هذا هو الوضع دائماً في إيران قبل الانتخابات، بالطبع الاتفاق النووي والجهود لإنهاء عزلة إيران زادا من شعبية روحاني».
وأضاف «يشعر معارضو روحاني بالقلق من تأثيره على نتائج الانتخابات».
وقد يحقق روحاني ومؤيدوه من المنتمين لتيار الوسط والمعتدلين مكاسب كبيرة في صناديق الاقتراع من خلال وعودهم الانتخابية بمجتمع أكثر تحرراً.
ويقول المحلل السياسي حميد فرح فاشيان «ارتفاع مكانة روحاني في الداخل والخارج يعني سلطة أقل لخامنئي وكان هذا دائماً خطاً أحمر بالنسبة لخامنئي».
وأضاف «المزيد من المرونة في السياسة الخارجية يقود دوماً إلى مزيد من الضغوط بالداخل في إيران».
ودعت الأمم المتحدة إيران إلى وقف اعتقال ومضايقة ومحاكمة الصحافيين والنشطاء.
وقال مير جاويدانفار المحاضر المتخصص في السياسة بمركز الدراسات المتخصصة في هرتزليا «من المرجح أن يستمر ذلك على الأقل حتى الانتخابات القادمة وربما بعدها، يشعر المتشددون بالقلق من شعبية روحاني الأعلى نسبياً بسبب الاتفاق النووي.»
وأضاف «من خلال إلقاء القبض على الصحفيين والنشطاء يحاولون أن يظهروا روحاني ضعيفاً وغير كفء».
وحقق روحاني فوزا كاسحا في انتخابات 2013 ببرنامج تقدمي وينتقد الحملة على الصحفيين والنشطاء والفنانين من حين لآخر لكنه لم يبذل جهداً يذكر لوقفها.
وبدأ صبر بعض أنصار روحاني ينفد فهم يخشون من أنه الآن ربما يفتقر إلى السلطة التي تمكنه من إقامة مجتمع أكثر تحرراً.
وقال صحفي في طهران «يلقي روحاني باللوم على المتشددين في القيود لكن الكلمات لا تكفي. مازلت أؤيده لأنه لا يوجد خيار آخر». وأضاف «شاغله الوحيد هو الاقتصاد والحفاظ على منصبه».
ويقول محللون إن روحاني لا يتمتع بالصلاحيات الدستورية التي تتيح له اتخاذ إجراءات عملية لوقف القمع. وبموجب الدستور الإيراني فإن خامنئي له القول الفصل في كل شؤون الدولة.
لكن البعض يشكون في أن روحاني الذي مثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي لأكثر من 20 عاماً ستكون لديه الجرأة لمواجهة الزعيم وأنصاره المتشددين لتحسين سجل إيران في مجال حقوق الانسان.
وقال فرح فاشيان «إنه جزء من المؤسسة. حقق مكانته بسبب إيران. لماذا يجني على نفسه بإضعاف النظام؟».
وإذا كافأ الناخبون حلفاء روحاني في الانتخابات فإن وجود أغلبية موالية للرئيس في البرلمان يمكن أن تساعده في توسيع نطاق الحريات الاجتماعية والاقتصادية.
ويسيطر خامنئي على القضاء والقوات المسلحة ومجلس صيانة الدستور الذي يدرس القوانين ويفحص المرشحين للانتخابات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية الحكومية كما يتمتع بولاء الحرس الثوري الإيراني الذي أخمد احتجاجات حاشدة أعقبت انتخابات الرئاسة عام 2009.
ومنذ عام 1989 حين تولى المنصب بعد وفاة آية الله روح الله الخميني عمل خامنئي دوماً على ألا تحصل أي مجموعة ويشمل ذلك حلفاءه المتشددين على ما يكفي من النفوذ لتحديه. وقال دبلوماسي كبير في طهران «روحاني سياسي ذكي، يعلم أن خامنئي لن يتهاون أبداً مع أي تحد لسلطته. وبالتالي لن يرتكب روحاني هذا الخطأ ويواجه خامنئي».
وأضاف «مثل هذه المواجهات ستعرض مستقبل روحاني السياسي للخطر. إنه لا يريد أن يصبح رئيساً صورياً لبقية ولايته الرئاسية».
وقال قريب لخامنئي «زعيمنا لا يفكر إلا في مصالح شعبنا الشجاع وبلدنا وإيران. إنه أكبر من المعارك السياسية».
و قام النظام الإيراني في تصعيد لافت، بحملة اعتقالات واسعة طالت صحافيين ومثقفين معارضين.
ودافع خامنئي عن ممارسات التضييق على الحريات هذه، وبرر المرشد الهجمة على الصحافيين باتهامه الولايات المتحدة استخدام المال والإغراءات لاختراق نخبة صانعي القرار على حد قوله.
من جانبهم، رأى معارضون إيرانيون وأقارب معتقلين أن خامنئي يرد على تصاعد الانتقادات الشعبية الذي بدأ يتعاظم حتى في دوائر إعلامية وسياسية نافذة في طهران.
يأتي هذا بعد ما شهدته إيران من احتجاجات وسط الآذريين الأتراك والعرب والأكراد في الأقاليم المختلفة بسبب سياسات النظام التي وصوفها معارضون بالعنصرية.
ويبدو أن مخاوف النظام الإيراني تتصاعد من التعاظم المحتمل للنفوذ الغربي في إيران، عقب الاتفاق النووي ما قد يزيد من الضغوطات لدفع طهران إلى احترام القوانين الدولية.