باريس - (أ ف ب): يكشف طرح فرنسا للمرة الأولى إمكانية مشاركة قوات الرئيس بشار الأسد في مكافحة تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي عن منعطف جديد في سياسة باريس حيال الأزمة السورية بعد نحو 4 سنوات على قطع العلاقات مع دمشق.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس متحدثاً لإذاعة «أر تي أل» إنه من أجل مكافحة «داعش» «هناك مجموعتان من الإجراءات، عمليات القصف، والقوات البرية التي لا يمكن أن تكون قواتنا، بل ينبغي أن تكون قوات الجيش السوري الحر وقوات عربية سنية، ولم لا؟ قوات للنظام وأكراد كذلك بالطبع».
ورحب وزير الخارجية السوري وليد المعلم بتصريحات نظيره الفرنسي، وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو «إن كان فابيوس جاداً في التعامل مع الجيش السوري والتعاطي مع قوات على الأرض تحارب «داعش» فنحن نرحب بذلك»، مشيراً إلى أن ذلك «يتطلب تغييراً جذرياً في التعاطي مع الأزمة السورية». وأكد أن «جيشنا جاهز للتنسيق مع أي قوات تقوم بالتشاور معه في سبيل مكافحة الإرهاب».
وقال فابيوس لاحقاً إن إمكانية مشاركة قوات الأسد في مكافحة «داعش» لا يمكن طرحها إلا «في إطار الانتقال السياسي»، مشيراً إلى أن المشاركة ممكنة «في سياق الانتقال السياسي وفي سياقه حصراً». لكنه أكد مرة جديدة أن الأسد «لا يمكن أن يمثل مستقبل شعبه».
فبالنسبة إلى باريس إذاً، أي تعاون مع الجيش السوري يمكن أن يتم في حال الدخول في عملية انتقال سياسي لن تؤدي إلا إلى رحيل الأسد، وفقاً للتحليل الفرنسي.
ورغم ذلك، تأتي تلك التصريحات المثيرة للدهشة على لسان من يعرف بانتقاده الشديد للأسد الذي ينظر إليه على أنه «جزار» لشعبه والسبب في ظهور «داعش». ولطالما كرر فابيوس أن «الأسد والإرهابيين وجهان لعملة واحدة». وفي مواجهة أزمة اللاجئين والتهديد الإرهابي، غيرت فرنسا بشكل ملحوظ دبلوماسيتها تجاه سوريا منذ أشهر عدة.
كما أن الاعتداءات الدموية التي ضربت باريس في 13 نوفمبر الحالي تعمل على تسريع عملية التحول في السياسة الفرنسية، إذ أعلن الرئيس فرنسوا هولاند بوضوح أن الأولوية القصوى حالياً هي لمكافحة «داعش».
وأعلن هولاند أمام البرلمان الفرنسي بعد 3 أيام من الاعتداءات أن «داعش هو عدونا في سوريا». وتسعى فرنسا أيضاً بشكل كبير إلى التقارب مع روسيا، حليفة النظام السوري، في سياق تشكيل ائتلاف دولي موحد لمواجهة المتطرفين. وكانت موسكو تقدمت باقتراح تشكيل هذا التحالف في سبتمبر الماضي خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن تم رفضه حينها بسبب رغبة روسيا في إشراك النظام السوري بمكافحة «داعش».
تصريحات فابيوس صدرت غداة لقاء هولاند مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وقرار الطرفين «تنسيق» الضربات الجوية ضد «داعش» في سوريا، في تعاون هو الأول من نوعه. ووعد بوتين بأن روسيا التي يتهمها الغرب بالتركيز على مواقع الفصائل المقاتلة المعارضة للنظام بدلاً من المتطرفين «ستتبادل المعلومات حول المناطق التي توجد فيها المعارضة الصحيحة وليس الإرهابيين والامتناع عن قصفها»، مع التأكيد على أن الجيش السوري هو «حليفه الطبيعي في الحرب على الإرهاب». وأوضح فابيوس أن «الرئيس بوتين طلب منا وضع خارطة للقوى غير الإرهابية التي تقاتل داعش»، و«تعهد ما إن نرفع إليه هذه الخارطة، وهو ما سنقوم به، بعدم قصفها، وهذا في غاية الأهمية».
ورغم ذلك، لم يسفر كل ما سبق عن تجسيد فكرة «الائتلاف الواسع» في ظل استمرار الخلافات حول مصير الرئيس السوري في أي تسوية للنزاع السوري ومشاركة الجيش السوري في المعركة ضد المتطرفين.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لصحافيين إن «شركاءنا للأسف غير مستعدين حالياً للعمل معا ضمن ائتلاف موحد». أما بالنسبة إلى مصير الأسد، فأكدت موسكو أن القرار بيد السوريين.
وتأتي هذه التطورات، بعد خارطة طريق تم التوصل إليها للخروج من الأزمة السورية قبل أسابيع في فيينا خلال لقاء دولي جمع 20 دولة ومنظمة بينها روسيا وتركيا.
وتنص الخارطة على وقف لإطلاق النار في سوريا وإجراء انتخابات يشارك فيها الناخبون من الداخل والخارج، وصياغة دستور جديد للبلاد. كما تسعى الدول المشاركة إلى عقد مباحثات بين النظام والمعارضة بحلول الأول من يناير المقبل.