عواصم - (وكالات): تدحرجت أزمة «السوخوي 24» بين روسيا وتركيا لتأتي على الكثير من عوامل التقارب بين البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي، ولتعزز الاختلاف الكبير في الملف السوري، ليحتد النزال السياسي وفصول أولى من النزال العسكري على أرض سوريا. وانتظر المتابعون للمؤتمر الباريسي المكرس لأزمة المناخ العالمية في يومه الأول مصافحة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان تبرد الأجواء الساخنة وتهدئ مناخ التصعيد بين البلدين وفي المنطقة، لكن الأمل تبخر لتستمر الأزمة في التفاعل. وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين أن بوتين لا يعتزم لقاء الرئيس التركي أردوغان خلال قمة المناخ في باريس، وذلك بعد توتر بين البلدين جراء إسقاط أنقرة مقاتلة سوخوي 24. وفي المقابل رفض رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو - بعد اجتماع مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في بروكسل - أي اعتذار من تركيا عن إسقاط طائرة سوخوي، لكنه عبر عن أمله بأن تعيد روسيا النظر في الإجراءات العقابية ضد تركيا. في الوقت الذي نقلت فيه جثة الطيار اللفتنانت كولونيل أوليغ بيشكوف الذي قتله مسلحون سوريون لدى نزوله بالمظلة، صباح أمس من تركيا إلى موسكو، بينما ما زالت مشاعر العداء لتركيا مستمرة في روسيا، حيث توجه وسائل الإعلام انتقادات حادة إلى تركيا التي كانت حتى الأمس القريب شريكاً مميزاً. وبعد أسبوع على إسقاط طائرتين مطاردتين تركيتين من نوع «أف 16» القاذفة «سوخوي 24» الروسية لدى عودتها من مهمة فوق الحدود التركية السورية، لم تشهد الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين روسيا وتركيا أي مؤشرات إلى حلحلة ما. وترفض أنقرة الاعتذار وتؤكد أنها تصرفت بصورة شرعية لحماية مجالها الجوي.
ونقلت جثة الطيار اللفتنانت كولونيل أوليغ بيشكوف الذي قتله مسلحون سوريون لدى نزوله بالمظلة، صباح أمس من تركيا إلى موسكو.
وعلى خط مواز، تضع السلطات الروسية اللمسات الأخيرة على مجمل العقوبات الاقتصادية التي أعلنت ضد تركيا، على أن يكون حجمها محدوداً وتأثيرها فعلياً.
وقد استبعد الكرملين بصورة قاطعة صباح أمس أي لقاء بين فلاديمير بوتين ونظيره التركي، الموجودين في بورجيه قرب باريس للمشاركة في قمة حول المناخ.
وما زالت موسكو ترفض تلبية طلب أنقرة على رغم الطلبات الملحة من الرئيس التركي للقاء الرئيس الروسي «وجهاً لوجه». وإثر الحادث، اتهمت موسكو الغاضبة تركيا بإقامة صلات مع تنظيم الدولة «داعش» وطالبتها بالاعتذار.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، في ختام لقاء أمس في بروكسل مع ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا، «لن يعتذر أي رئيس وزراء تركي، وأي رئيس، وأي سلطة». وأضاف «لا يمكن لأي بلد أن يطلب منا اعتذاراً لأننا لم نفعل إلا واجبنا»، أي «حماية مجالنا الجوي وحدودنا».
وإذ كرر داوود أوغلو القول إن تركيا «لا تريد أبداً التصعيد» مع روسيا، دعا موسكو إلى «إعادة النظر» في عقوباتها الاقتصادية، مشيراً إلى أنها «تتناقض» مع مصالح تركيا ومصالح روسيا على السواء.
ودعا الأمين العام للحلف الأطلسي من جديد إلى «الهدوء»، لكنه أشار إلى أن دفاع تركيا عن مجالها الجوي «حق سيادي تتمتع به». واتخذت الحكومة الروسية عقوبات دبلوماسية واقتصادية، شملت إعادة العمل بنظام التأشيرات، ومنع رحلات التشارتر بين البلدين ومنع الشركات الروسية من توظيف أتراك ومنع استيراد بعض البضائع التركية.
وصرح مسؤولون حكوميون أن الحظر الذي تعتزم روسيا فرضه على تركيا سيقتصر على الفواكه والخضر لكن يمكن توسيع نطاقه.
وقال رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف محذراً «إن هذه التدابير (...) ليست سوى خطوة أولى»، مضيفاً أنه يمكن توسيعها إن دعت الضرورة.
وينص مرسوم وقعه بوتين على جملة تدابير عقابية تراوح بين قيود تجارية وحظر توظيف عمال أتراك، وبات الآن على الحكومة تحديد تطبيقها.
وفي ما يتعلق بالمنتجات المحظورة «سيكون هناك مجموعتان رئيسيتان، الأولى الخضر بما فيها الطماطم، والثانية هي الفواكه» كما أوضح نائب رئيس الوزراء أركادي دفوركوفيتش. وتستورد روسيا من تركيا خصوصاً الطماطم والحمضيات واختفاء المنتجات يثير القلق من ارتفاع الأسعار أكثر خاصة في فترة الأعياد. وفي ما يتعلق بالبضائع الصناعية لم يتقرر أي تدبير عقابي «في الوقت الحاضر» على ما أوضح المسؤول الثاني في الحكومة إيغور شوفالوف. ويتوقع الخبراء أن تعاني تركيا بشكل خاص من القيود المفروضة على القطاع السياحي. فمنذ إسقاط الطائرة الروسية أوصت موسكو مواطنيها بعدم التوجه إلى تركيا، ما أدى إلى توقف وكالات السفر عن بيع بطاقات الرحلات. ويحتل الروس المرتبة الثانية بعد الألمان ممن يقصدون تركيا للسياحة.
ونقل جثمان طيار «السوخوي 24» التي أسقطت الأسبوع الماضي من تركيا إلى روسيا بعد أن تسلمته السلطات التركية في حضور مندوبين عن السلطات الروسية، إثر نقله من منطقة هاتاي الحدودية الجنوبية إلى أنقرة.
وقتل اللفتنانت كولونيل أوليغ بيشكوف «45 عاماً» لدى نزوله بالمظلة بعدما قفز من الطائرة. أما مساعده، الكابتن قنسطنتين موراختين، فقد تم إنقاذه في عملية قامت بها القوات الخاصة الروسية والسورية. وأسفرت محاولة إنقاذ أولى عن مقتل جندي روسي من مشاة البحرية.
وسيوارى الطيار الثرى في بلدته ليبستسك جنوب شرق موسكو كما ذكرت وسائل الإعلام الروسية. وأشارت إلى أن هذا الضابط قد شب في أوسكيمين التي تقع شرق كازاخستان. وكان بيشكوف الذي درس في مدرسة عسكرية في إيكاترينبورغ «الأورال» متزوجاً وله ولدان في الثامنة والسادسة عشرة من العمر.
وفي 25 نوفمبر الحالي، غداة مقتل الطيار، وقع الرئيس الروسي مرسوماً منح بموجبه أوليغ بيشكوف، بعد الوفاة، وقنسطنتين موراختين، لقب «بطل الاتحاد الروسي».
ويعالج موراختين حالياً في مستشفى بموسكو، كما ذكرت وكالة ريا نوفوستي الروسية للأنباء.