كتب - حذيفة إبراهيم:
قال الباحث في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في فرنسا د. برونو تيرتريه إن «سياسة باريس في المنطقة لم تشهد تغيراً نوعياً إذ لا زال موضوع الحرب على الإرهاب يتصدر أجنداتها، إلا أنه أخذ حيزاً أكبراً، نظراً لما حصل مؤخراً». مؤكداً أن تلك الحرب ستكون ذات تأثيرات طويلة المدى على فرنسا. وأشار إلى أن التدخل الروسي في سوريا أمر مثير للاهتمام.
فيما ذكرت الباحث في الإسلام السياسي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية د. نيللي لحود، أن اختيار تنظيم الدولة الإسلامية لفرنسا كي تكون قاعدة هجماته، ربما جاء بسبب مواقفها السياسية تجاه قضايا الشرق الأوسط، إضافة إلى رغبة التنظيم في «استعراض عضلاته».
وأوضحت أن الخطاب الإعلامي لداعش لم يستطع أن يبرر هجرة اللاجئين من المناطق التي تسيطر عليها بشكل رئيس، وتفضيلهم للمخاطرة في الهجرة والانتقال لأوربا على العيش في ظل ما يسمى بدولة الخلافة التي يروج لها التنظيم.
وأكدت أن داعش استطاع أن يضحك على عقول بعض الشباب، من خلال استغلال بعض الأزمات الموجودة في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لم يعد المشكلة الأساسية للتنظيم، وإنما هناك مشاكل أخرى تتعلق في التجنيد الذي خفت وتيرته بشكل كبير.
رؤية من باريس
وقال د. برونو تيرتريه خلال ندوة نظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS، بعنوان (رؤية من باريس، إيران وأمن الخليج والسياسة الفرنسية في الشرق الأوسط)، إن فرنسا ليست موالية لإيران، وهي كانت ربما الأكثر صرامة أثناء المفاوضات قبل الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما أدى إلى وجود ترحيب كبير من جانب دول مجلس التعاون.
وأضاف أن التدخل الروسي في سوريا، يمثل حالة مثيرة للاهتمام، في ظل ما تشهده روسيا من أزمات، إضافة إلى إعلانها للتدخل ضد فصيل معين، وضربها على الأرض فعلياً لفصائل أخرى، واقترابها من الأجواء في تركيا وغيرها مما تسبب به التدخل الروسي في سوريا.
وأوضح إن فرنسا تواجه عدة تحديات في سوريا، أبرزها وقوفها إلى جانب الشعب السوري، ورفضها لوجود نظام بشار الأسد، إضافة إلى وجود تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» واختلاطه بجماعات متطرفة أخرى، ما يصعب الموقف هناك، وكيف يتم دعم فريق على آخر.
وتابع إن فرنسا لديها مصالح في سوريا بكل تأكيد، ولكنها تقف مع الشعب السوري، ولا يمكن أن تتخلى عن مبادئها تجاه حقوق الإنسان، وما يحصل في سوريا أمر صعب ومريع. وأشار إلى أن فرنسا لا زالت تدعم باتجاه إزاحة بشار الأسد عن السلطة، رغم كل ما تواجهه من مشاكل، وقيود صعبة، إضافة إلى الرفض من بعض الجهات الدولية، فضلاً عن وجود الجماعات الإرهابية المتطرفة، والتي تعدى خطرها ليصل إلى فرنسا ذاتها.
وقال إن المعركة ليست سهلة في سوريا، إضافة إلى أن فرنسا لا تستهدف بشار الأسد بشكل شخصي، وإنما نظامه الذي انتهك حقوق الإنسان، ونحن نرى ضرورة دعم الجماعات غير الجهادية المقاومة للنظام الحالي، ولكن الأمور في سوريا صعبة.
وأكد أن المشكلة الأخرى في سوريا هي استخدام النظام للأسلحة الكيميائية تجاه شعبه، ويجب معاقبته عليها، وهو ما تريد فرنسا أن تقوم به إلا أنه هناك معارضة من جهات أخرى.
وأوضح برونو أن فرنسا تواجه تحدياً أيضاً في مراقبة المواطنين الفرنسيين المشتركين مع الجماعات الإرهابية، في ظل الهجرة وانفتاح الحدود وغيرها. مشيراً إلى أن «فرنسا هي الدولة الأكثر تضرراً في أوربا من داعش والإرهاب في سوريا، نظراً للهجمات الأخيرة».
وقال تيرتريه إن فرنسا كانت قادرة على استهداف وضرب أهداف لتنظيم داعش في العراق، إلا أنه لم يكن ممكناً بسبب القيود القانونية، والاختلافات الموجودة هناك.
وشدد على أن سياسة فرنسا في المنطقة «لم تشهد تغيراً نوعياً» إذ لا زال موضوع الحرب على الإرهاب يتصدر أجنداتها، إلا أنه أخذ حيزاً أكبراً، نظراً لما حصل مؤخراً، مشيراً إلى أن تلك الحرب ستكون ذات تأثيرات طويلة المدى على فرنسا.
وتابع «وبالرغم من كافة الشكوك التي تدور حول الاتفاق النووي الإيراني، الذي جرى مؤخراً بين دول مجموعة 5 +1 مع إيران، إلا أنه وبعد أن أصبح أمراً واقعاً، يجب أن يكون هناك تطبيقاً كاملاً من إيران له بكافة بنوده.
وألمح إلى «نحن في فرنسا نعاني أيضاً من قلة عدد رجال الأمن والشرطة، ففي الفترة الأخيرة تم تقليص أعدادهم، وهو ما يؤدي إلى صعوبة المهمة الأمنية في الداخل الفرنسي». وبيّن أن فرنسا تفخر في كونها حاولت تجنب الأضرار الجانبية للهجمات على أراضيها، وهي لا زالت تحاول حشد المزيد من الأصدقاء والحلفاء، في حربها على الإرهاب.
وقال إن بريطانيا وبعض أوربا لم يصل إليها تحدي الإرهاب بعد، ولذلك ربما خطواتهم تكون أقل من الباقي، إلا أن ذلك لا يعني وجود مشكلة في الدعم.
أزمة «داعش»
أكدت الدكتورة نيللي لحود إن تنظيم داعش اتحذ من فرنسا مسرحاً لعملياته الأخيرة المتطورة، نظراً لمواقف فرنسا في الشرق الأوسط، إضافة إلى رغبة التنظيم في استعراض عضلاته هناك.
وقالت إن طبيعة هجمات داعش تجاه فرنسا، بينت القدرات المتطورة للتنظيم، ورغبته في شق صفوف المجتمع الغربي، واستهداف الأمن والاستقرار هناك، ما أدى بشكل أو آخر إلى تصدع في المجتمع الغربي.
وحول طبيعة التنظيم، أكدت لحود إن داعش تواجه مشاكل داخلية في التنظيم، من بينها عدم توافق خطابها مع توجهات الناس في المناطق التي يحكمونها، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الذين فروا من بطش التنظيم هناك. وتابعت «الخطاب الإعلامي لداعش لم يستطع أن يبرر هجرة هؤلاء من المناطق التي تسيطر عليها داعش بشكل رئيس، وتفضيلهم للمخاطرة في الهجرة والانتقال لأوربا على العيش في ظل ما يسمى بدولة الخلافة التي يروج لها التنظيم. وأكدت أن داعش استطاع أن يضحك على عقول بعض الشباب، من خلال استغلال الأزمات الموجودة في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لم يعد المشكلة الأساسية، وهناك مشاكل أخرى تتعلق في التجنيد الذي خفت وتيرته بشكل كبير. مبينة أن وجود نظام سياسي قوي هو العنصر الأهم الذي يمكن من خلاله القضاء على داعش، وهو ما يؤدي إلى عدم تكافؤ القوى وانتصار النظام هناك. وأشارت إلى أن معاناة شعبي سوريا والعراق، ليس من داعش فحسب، وإنما من أنظمتها أيضاً.
ليس «داعش» فقط
من جانبهم، أكد حضور في الندوة أن المشكلة الرئيسة لا تكمن في داعش فحسب، وإنما باقي الجماعات الإرهابية المتطرفة، والتي قد لا يلتفت إليها المجتمع الأوربي كحزب الله والمنظمات الشيعية العراقية، وغيرها من المنظمات.
وطالبوا بأن تكون تلك المنظمات أيضاً ضمن قوائم الإرهاب، وأن يتم استهدافهم في التحالف الدولي ضد الإرهاب، نظراً لكونها تقتل وتنكل بالشعوب في سوريا وحتى العراق، ولا يوجد أي التفاتة لها.
وبيّنوا أن وجود داعش وانضمام عناصر لها بسبب المشاكل الموجودة في الشرق الأوسط، ورغبة العديد من الشباب أن يدافعوا عن بلدانهم، فيما تستقطب تلك الجماعات هؤلاء المدمرين نفسياً، ولذا فإن الحل هو في إعادة الأمن والاستقرار.
وتساءل الحضور عن مدى الخطر أو الفائدة من التدخل الروسي في سوريا، وما إذا كانت ضرباتها موجهة ضد داعش بالفعل، أم أنها لتقوية النظام السوري المزعزع، فيما تساءل الحضور عن الموقف الفرنسي الواضح وتفسيرها للتدخل الروسي في سوريا. وأشاروا إلى أنه وفي مثل تلك النزاعات المسلحة يذهب العديد من الضحايا، إلا أن استمرارها الآن وبعد كل تلك السنوات، إنما يمثل مشكلة حقيقية يجب إيجاد الحل لها.