أوصاني والدي بالاهتمام بالأنتيك وأخبرني أنه يعكس حضارة الأجداد
لم أكن أتوقع أن مهنة بيع الأنتيك بهذا القدر من الثقافة والفن والجمال
عليك أن تدرس التاريخ والثقافة قبل أن تعرض أي قطعة في محلك
العمل ببيع الأنتيك يأخذك في رحلة إلى تاريخ العالم وثقافاته وعلومه
ساعدتني وسائل التواصل والأنستغرام في توسيع قاعدة زبائني وعملائي
البعض يستنسخ الأنتيك بـ«كوبي ون» ويبيعها كأصلية
نطالب المسؤولين بتشديد الرقابة ووقف ممارسات الغش والتقليد
خبراء متحف البحرين قادرون على كشف القطعة المزيفة من الأصلية
نتمنى تأسيس جمعية للأنتيك والمشاركة في فعاليات إدارة التراث
من مقتنياتي صحون «بواسد» و«الرحة» و«الحب» و«المرفاعه»
سافرت إلى الهند ونيبال ولندن لشراء الأدوات والمقتنيات القديمة
كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
التراث جزء لا يتجزء من عشق الإنسان لأرضه وماضيه وبلده وداره وأهله والفرجان التي تربى فيها.. والأنتيك الذي انتشر باعته وعاشقوه في البحرين يعملون من حبهم للبحرين ولتراثها رغم أن المسؤولين لم يطرقوا محلاتهم ولم يساعدوهم في تنظيم الدعاية لتلك المحلات أو العمل على دعوتهم لمهرجانات احتفالية في أعياد البحرين، ولهم الكثير من المطالب ولكنها دائماً تتوقف عند أبواب مكاتب المسؤولين في البلديات والتراث والإعلام، لكنهم مازالوا يمارسون مهنة ورثها بعضهم من والده وصرف عليها الكثير وجال وسافر ليعود بالأشياء التي يبحث عنها السواح والمواطنين ومن بين هؤلاء أحمد عيسى بلال من تجار السوق الشعبي الذي يبوح لـ”الوطن” عما بخاطره ويتمنى من كل قلبه أن تصل رسالته للمسؤولين بالاهتمام بأصحاب مهنة الأنتيك فهم جزء من تراث البحرين.
مهنة العشق
في البداية، يلقي بلال الضوء على مهنة العشق التي يقدمها للسواح والمواطنين بالبحرين، قائلاً “أنا من مواليد المحرق لكنني رحلت عنها وأنا في عمر السادسة لمدينة عيسى، وهناك عرفت “الربع” والأصدقاء والجيران، وعشت فترة جميلة من العمر سواء في الأيام العادية أو في شهر رمضان، ولن أنسى تلك الأيام التي تعد من أجمل أيام حياتي. كانت بدايتي مع “الأنتيك” عندما كان عمري 12 عاماً، كان الوالد رحمة الله عليه يمتلك محلاً في القضيبية، يبيع التحف والأواني والقليل من “الأنتيك”، وعمل ما يقارب الخمس سنوات بمحله ثم شعر أن السوق لا يشجع على الاستمرار ما جعله يتحول للبيع في “السوق الشعبي” القديم بمدينة عيسى في أول أيام افتتاحه.
احتراف الهواية
ويتحدث أحمد عن بداياته مع والده في دكانه بالقضيبية وكان عمره لا يتجاوز 12 عاماً، قائلاً “كنت في ذلك العمر المبكر أتردد على دكان الوالد بالقضيبية، وكنت أعشق هذه الهواية التي تحولت بتشجيع الوالد رحمه الله إلى عمل يومي لا أستطيع أن أتخلى عنه ولو للحظة، وعندما بلغت السادسة عشر من عمري طلب مني الوالد التفرغ للبيع، وكان يمتلك أكثر من محل للأنتيك، وقال لي “طالما أنك أحببت الشغلة أشرايك أعطيك واحد من المحلات تديره بنفسك”، وبدأت في المحل بعد تسليمي إياه من الوالد. وكانت تلك الفترة بداية شهرة التلفونات فركزت على التلفونات، والحمد لله نجحت في المحل وبدأت أثبت أقدامي من خلال المهنة، واستمرت علاقتي بالتلفونات لمدة ثلاث سنوات، بعدها توقفت بسبب حادث تعرضت له ما اضطرني إلى أن أغلق المحل.
التراث والأصالة
ويستكمل بلال، قبل وفاة الوالد رحمة الله أوصاني أن أبقي على محلاته، وألا أبتعد عن الاهتمام بالتراث، فهو دائماً كان يقول “يعكس صورة أجدادنا، ويعرف العالم على طبيعة أهل البحرين وتراثهم الغني”، وفعلاً لم أتردد في تنفيذ وصية الوالد والعمل بها، ورغم صعوبة المهمة فالتراث بحر غزير، ويصعب السباحة فيه، وهو بحاجة للتدريب والدراية وأنا مازلت صغير على الدخول في هذا المجال، لكنني وحباً في والدي لم أرد أن أخذله، ودخلت السوق وواجهت الصعاب ولم استسلم، بل كانت المصاعب تزيدني قوة في كل مشكلة تواجهني.
سوق “الأنتيك”
ويواصل بلال، منذ أن عملت في المهنة قضيت ما يقارب ست سنوات في عملي الذي أشعر أنني يومياً ازداد معرفة ودراية وعشق له، وهناك أيضاً الكثير من الإخوان البحرينيين في السوق الذين رحبوا بتواجدي بينهم وعرفوني على كل قطعة بالسوق، وأهميتها واهتمام السواح بالجوانب التراثية البحرينية، وعلى أي الجوانب على أن أركز في عملي، وأنا لا أخفيك أنني لم أكن أتوقع أن المهنة بهذا الجانب الكبير من الثقافة والجمال، فقد تعلمت منها الكثير وكانت بمثابة المدرسة التي إن دخلتها عليك أن تنهل الكثير من العلوم والمعرفة، وذلك يتوقف على جدك واجتهادك وحبك للمهنة وكسبك للأصدقاء.
تجارة وثقافة
ويستطرد بلال قائلاً، كانت المهنة بالنسبة لي تشكل العديد من المحاور التي تعلمتها، فالعمل فيها يزيدك علماً بالماضي والدخول إلى الكثير من تواريخ العالم وثقافاته وعلومه، فعندما يزورك السائح ويبادرك بسؤال عن أي من القطع المعروضة في محلك عليك أن تكون جاهزاً لتشرح له عمرها ومن أي العصور ومن كان يستخدمها ولماذا؟ وأي العوائل التي كانت السبب في شهرتها وبقائها، والكثير الكثير عليك أن تدرسه قبل أن تفكر في عرض أي قطعة في محلك، ذلك بحد ذاته مدرسة عليك أن تنجح في فصولها وتتفوق وأن تكون محاضراً ومدرساً وطالباً ومرشداً سياحياً أيضاً. فأنت لن تكون مسؤولاً فقط عن معروضاتك لكنك ستعرف الآخرين على الجوانب السياحية والتراثية وتاريخها في بلدك، كل ذلك سيجعل منك إنساناً ملماً بتاريخه وتراثه والمحافظة على توصيله للآخرين بالطريقة الصحيحة التي تحفظ لبلدك مكانتها.
خزانة العملاء
ويضيف بلال، بعد أن ترسخت أقدامي في المهنة استطعت أن أزيد من رصيدي في زبائني من البحرين ومن خارجها، وعن طريق “الأنستغرام” بدأت في عرض بضائعي وهي كثيرة، فأنا أمتلك في البيت الكثير من الأنتيكات القديمة في مجلسي الخاص وبعض المقتنيات التي أحرص على عدم بيعها وتعود للوالد رحمة الله عليه، أما زبائني فقد توسعت دائرتهم من البحرين ودول مجلس التعاون وسنغافورة ومصر والكثير من الدول العالم.
«الغش» في الأنتيك
ويشير بلال، ما يحيرني أن الكثير من العاملين في المجال يأخذ القطعة الأصلية ويسافر بها للخارج ويستنسخها بقطعة مشابهة “كوبي ون” ويبيعها للزبون على أنها قطعة أصلية، وهو ما يضر بالتراث وبسمعة أهل السوق والعاملين فيه، لذلك فنحن في السوق دائماً نحاول فضح هذه النوعيات من الباعة الذين يفكرون في غش الآخرين، وندعو المسؤولين بالتردد على المحلات في زيارات دورية ومفاجئة لكشف ألاعيبهم وتوقيفهم عن ممارسة الغش على الآخرين.
خبراء المتحف
ويوضح بلال، عندما تريد معرفة القطعة الأصلية من المزيفة فهناك مسؤولون بمتحف البحرين وحدهم من يمكنهم التعرف على أن القطعة تعود للسنوات التي تحمل عمرها، فمثلاً الراديو بإمكانك أن تفتحه من الداخل وكذلك “الصحون” والأختام التي عليها لتعرفك على عمرها وبلاد المنشأ، لكن هناك بعض الوثائق لا يمكن التعرف على الأصلي منها إلا بأخذها للمتحف والتعرف على عمرها والسنة التي صدرت فيها والأسماء التي تتحدث عنها.
التواصل مقطوع
وينوه بلال، نتمنى أن يقوم المسؤولون بالمتحف بزيارتنا واللقاء معنا حول مشاكلنا والقضايا التي نعاني منها، فمثلاً نحن بحاجة إلى جمعية كجمعية “الطوابع”، ونريد المشاركة في الفعاليات التي تنظمها إدارة “التراث” داخل وخارج البحرين لأننا نمتلك الكثير من الأشياء التي تعرف بالبحرين وتراثها، كما إننا بحاجة إلى برنامج تلفزيوني أو على الأقل حلقة من برنامج تراثي تجول في السوق الشعبي بصورته الجديد والجميلة لتقوم بالتالي بتعريف السائحين الأجانب والتعريف على مهنتنا لأهلنا في البحرين وأشقائنا بالمنطقة كذلك هناك المشاركات التي تنتدبها إدارة السياحة لمهرجان “كنتارا” بالدوحة، وطالبنا كأصحاب “الأنتيكات” أن تكون هناك مشاركة دورية كل مرة محلين أو ثلاثة تشارك وتقدم ما تمتلكه وليس التركيز على أشخاص معينين، وكأن كما يقول المثل “ما في البلد إلا هالولد”، كذلك أيام الأعياد الرسمية والوطنية بالإمكان إقامة فعاليات في السوق لجذب الزوار والسواح والتعريف بالمحلات، فنحن نشعر في أغلب الأحيان كأننا في منطقة مقطوعة عن العالم لا يزورك فيها أحد إلا نادراً، طالبنا أيضاً المسؤولين في البلدية بتكييف المداخل وإغلاقها بأبواب لأن في فترة الصيف يتحول السوق إلى جهنم ولا يشجع أحداً على المرور به، وكنا في بداية توزيع المحلات طالبنا بأن نوضع في منطقة واحدة تسمى ركن التراث، لكننا الآن موزعين كل واحد في منطقة بعيدة عن الآخر حتى عندما يزورك سائح أو مشترٍ ويسأل عن محل آخر يصعب عليك أن توصله إليه.
لا استجابة لندائنا
ويواصل بلال، ليس هناك تجاوب من المسؤولين مع مطالب سوق “الأنتيك”، وهم أكثر من سبعة محلات كل في زاوية بعيدة عن الآخر، وبعضهم تعب من المناشدة، وتعب من الانتظار وتعب من الوعود وترك المهنة وأغلق محله، وهناك آخرون في طريق هجر المهنة والبحث عن درب أكثر مدخولاً وفائدة، فأغلب ذوي الدخل المحدود يسترزقون من المهنة وليس لهم مصدر رزق آخر لهم ولأولادهم لذلك فإن البقية الباقية في تناقص، وقد يأتي اليوم الذي يخلو السوق من محلات “الأنتيك” والتراث وهو ما لا نتمناه، لكن الخسارة قد تدفع الباقين على ترك المهنة.
سوق بلا فعاليات
ويستكمل بلال، المشكلة أن السوق الجميل أفضل من السوق القديم وأكثر تنظيماً، إلا أنه يعيبه أنه بدون فعاليات كبقية الدول الخليجية، فعندهم تجد هناك فعاليات أسبوعية في “الويكند “ الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، إضافة لأعياد الفطر والأضحى والأعياد الوطنية، ويتم تنظيم الفعاليات ما ينشط الزيارات لهذا السوق الجميل، ولا أخفيك أننا في السوق القديم كانت مداخيلنا أفضل من الآن رغم أن هذا المكان أجمل بكثير لكن دون اهتمام ورعاية من المسؤولين الذين دائماً ما يطلقون وعودهم بزيارتنا وتقديمنا للجمهور سواء في الإذاعة أو التلفزيون وهذا لا يتعدى الوعود التي كما قلت من كثرها ترك البعض المحلات لعدم الوفاء بها.
“كابات” الأسد
ويضيف بلال، أن ما جذبني للعمل في المهنة إعجابي الشديد “لكابات” الأسد، وكنا نراها ونحن صغار في مسلسلات زري عتيج، ويحدثنا عنها الوالد، وعن شخصية زري عتيج وكيف كان يستبدل تلك الصحون بالماووخياش العيش، وكل ما هو مستخدم في المنزل وقديم، وأمتلك من صحون “بواسد” أو “بوسبع” الكثير من الألوان والأنواع والأحجام وتراها معروضة في المحل، ومن ممتلكات الوالدة “الرحة” لطحن الحب و”الحب” لتبريد الماء، والسفرة اللي كنا نتجمع ونأكل عليها و”المرفاعه” لحفظ الطعام ليوم ثاني، عوضاً عن الثلاجات والراديوات والتلفونات القديمة حتى التليفزيون “ناشنال” و”سيرا” فأنا في البيت امتلك مجلس خاص بي كله من “ الأنتيكات “ القديمة، بعدها تحولت إلى الزجاجيات، ومنها المرشات، بعدها الراديوات، كنت أجلبها من الخارج واشتريها لعشقي لها.
سفريات عمل
ويذكر بلال، من كثر عشقي للمهنة لم أتوقف على الشراء من داخل البحرين فقد كنت أسافر كثيراً وكانت أكثر الدول التي بإمكانك الحصول فيها على هذه الأدوات القديمة هي الهند، ثم النيبال، فلندن وهناك “سوق الأحد” لبيع الأنتيكات، رغم أن تراثهم أوروبي وليس كالهند تجد فيه الأدوات القريبة من الشرق، فتراثنا في الخليج دائماً مصدره الهند حتى الذهب وأدوات القيس وملابسه وحتى طبخات أهل البحرين جاءت من الهند، والخشب الذي نصنع منه “البوانيش”، فالآن حتى في الهند خلص القديم وتجد صعوبة في الحصول على الأشياء القديمة.
ديكور قديم
ويستطرد بلال، أقوم بعمل الديكور القديم للمجالس والغرف والمنازل، فهي جزء من اهتماماتي وهذا ما تراه في محلي كله من صنعي ، واحتفاظي بالبيت القديم والمجلس القديم وترى “المنقرور والدنجل” من أساسيات هذا السقف والألوان التي نشاهدها هي جزء من ماضٍ لازلنا نعشقه، وإذا سئلت عن عدد القطع التي امتلكها سأجد من الصعوبة أن أعدها قد أكون بدأت بعشرات القطع لكنها الآن أكثر من أربعة آلاف قطعة، وأمتلك مخزونين واحد في البيت والثاني قمت بتأجيره والاثنين تتكدس فيهما القطع القديمة، ولا أستطيع أن أعرضها لأن بعضها يحتاج إلى موقع أكبر من الموجود منها الكتب، الأسطوانات، الصور، والسيوف، والخوذ والبدلات أشريتها من تركيا، هناك سراير وجلسات ومفارش والعديد من الأشياء القديمة والجميلة.
مشاركات بمجهودي
وحول المشاركات الخارجية، يقول بلال، إن مشاركاتنا الخارجية والمحلية كانت بمجهودات ذاتية نقوم بها من خلال معرفتنا بالناس والمنظمين فقد شاركت في معرض الطيران، وحصلت من خلال المشاركة على جمهور لم أتوقع أن أحصل عليه من مواطنين وعرب وأجانب، رغم أنه معرض بالأساس للطيران فقد تحول الكثير من السواح لتصوير محلي وشراء الكثير منه كذلك في الفورمولا شاركت من خلال معارف وسطتهم وهو المفروض أن يكون من الجهات المنظمة، حتى سوق البسطة طالبت أكثر من مرة أن أشارك فيه وأقوم بعمل الديكور القديم، فأنا أشارك أيضاً في معرض “الحرس الوطني” و”دار العز” سنوياً يطلبوني للمشاركة في الملتقى لأنني قمت بعمل ديكور قديم وجميل أعجبهم، وأصبحت الآن من المشاركين فيه سنوياً بطلب من المنظمين للمعرض، وبالتالي عملنا لا يتوقف على العرض للأنتيك، لكننا نعمل على صنع ديكور للمجالس والغرف حتى إن أردت الأسقف القديمة وغرف نوم وليوان وبيوت نجهزها بديكورات تراثية، ونطالب إدارة الثقافة أن تهتم بمحلات الأنتيك.
أنتيكات بحرية
وفي الختام، يقول بلال أكثر معروضات الأنتيك طلباً بالسوق هي الأنتيكات البحرية، وملابس الغواص، والديين، وصندوق الطواش، والمشاخيل والميزان وحجر الميزان وبشت النوخذة، وفطام الغيص لأنها جزء من التراث البحريني وما يعيدهم لتلك الأيام الجميلة رغم الحياة الصعبة التي كان يعيشها أهلنا من غاص في البحر وما يواجهونه من صراع مع الموت.