يوسف البنخليل


قصص نجاح الشخصيات البحرينية كثيرة، وليست موثقة، وهي تحمل بلاشك دروساً كبيرة بعيداً عن الأضواء الإعلامية، وعن مساعي الشهرة التي يحاول البعض تسويقها من أجل مزيد من الشهرة.
أجواء الألفية الجديدة خلقت فرصاً واعدة وصنعت العشرات من البحرينيين شخصيات بارزة في المجتمع، وصارت لديها أموال ضخمة، وقد تكون هذه الطفرة طبيعية ومشابهة لما عاشته البحرين في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، ولكنها تستحق الوقوف عندها أيضاً.
أحد رجال الأعمال دأب منذ سنوات، وتقريباً منذ العام 2005 على انتقاد ظاهرة من يملكون سيارات فارهة وفخمة قيمتها عشرات الآلاف من الدنانير ويقيمون في الوقت نفسه في بيوت الإسكان، حيث يقول: ليس منطقياً أن يسكن من يملك أحدث سيارات المرسيدس الفخمة وأغلاها ثمناً في مثل هذه المنازل، لأن المنازل هذه لا تناسب طبيعة دخله، أو السيارة لا تناسب وضعه المادي الحقيقي.
هذه الظاهرة فعلاً كانت موجودة قبل سنوات، ولكنها تراجعت كثيراً بسرعة، وهي تبين لنا كيف يدخل المجتمع في عالم الوهم ويفقد المنطق. وهي تذكرني بقصة شابين صديقين درسا خارج البحرين قبل أكثر من 20 عاماً. أحدهما كان ابن القرية، والآخر ابن المدينة. الأول حصل على بعثة دراسية حكومية، والآخر اضطر للدراسة على نفقة أسرته لتردي وضعه الدراسي.
بعد انقضاء العام الأول عاد الشابان إلى البحرين، وهناك التقى ابن المدينة بوالدته التي سألته عن أوضاعه الدراسية، فقال لها إن ظروفه الدراسية متواضعة، ولكنه على ثقة بقدرته على إنهاء دراسته الجامعية. لم تعلق والدته، بل سألته عن الوضع الدراسي لصديقه ابن القرية، فضحك وقال ساخراً: قبل عودتنا للبحرين أعلنت النتائج، فوجدته يبكي بحرقة كالأطفال وسبب ذلك تراجع معدله الأكاديمي.. وواصل ضحكاته أمام والدته.
بكل هدوء استنكرت والدته سخريته من صديقه، وقالت له: لماذا تسخر منه؟ الأولى أن تسخر من نفسك، لأن سبب بكائه أن لديه هدفاً ويخشى أن يفشل في تحقيقه، أما أنت فليس لديك هدف في الحياة ومن حقك أن تسخر وتضحك على نفسك، وانصرفت عنه.
وقعت تلك الكلمات البسيطة كالصفعة على وجه ابن المدينة من والدته، وعاش إجازة صيفية كئيبة كان الصراع مع النفس شعارها، وعندما عاد إلى جامعته تغير ابن المدينة تماماً، ولم يقبل منذ ذلك اليوم أن يكون الثاني قط في كل شيء، تخرج من الجامعة الأول على دفعته، وصدم بعدم وجود وظائف لتخصصه، ومع ذلك اضطر لأن يعمل عاملاً في إحدى الشركات بكل قناعة، ولكنه سرعان ما تطور واستفاد من كل فرصة مرت عليه، إلى أن صار اليوم رئيساً لإحدى الشركات الكبرى في البحرين، وبات يدير الملايين.