أبوذر حسين

جاء إعلان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في أكتوبر الماضي خلال تفضله بافتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى، بتحديد يوم 17 ديسمبر من كل عام مناسبة للاحتفاء وتكريم الشهداء تقديراً واعتزازاً لما قدموه لوطنهم وأمتهم من تضحية وفداء وتخليداً لذكراهم العطرة على مر تاريخ المملكة.
ويقترن استذكار الشهداء البررة الذين ستبقى أسماؤهم وتضحياتهم علامة خالدة ومضيئة في تاريخ البحرين، بالتحية لأبطال البحرين الذين قاموا بواجباتهم الإنسانية والوطنية على أكمل وجه وصورة من خلال الدفاع المستميت على أمن وسلامة الوطن وترابه.
صور البطولة والتضحيات
لم تزل ذكرى الشهداء حية في ضمير الشعب البحريني، وستظل صور البطولة والتضحيات كل الذين قدموا أرواحهم رخيصة، خالدة في الأذهان، بدءاً من يوم إعلان استشهاد أحمد المريسي في 15 مارس 2011 كأول شهيد منذ بدء الأزمة ومروراً برفاقه الثلاثة الميامين الذين ارتقوا في ذات العام، والشهداء الـ 14 الذين استبشروا بهم من بعد ذلك.
وشهد عام الأزمة التي مرت بها البحرين (2011) ارتقاء أربعة من الشهداء (أحمد المريسي، محمد فاروق، كاشف منظور، وغلام مصطفى)، غير أن الخطط والاستراتيجيات التي اتبعتها وزارة الداخلية في العام التالي للأزمة (2012) استطاعت أن تحد من العبث بالأمن وزعزعة الاستقرار، إذ سقط عمران أحمد شهيداً في هذا العام متأثراً بإصابة تعرض لها إثر عمل إرهابي مدبر استهدف دورية أمنية على أحد مداخل منطقة العكر الشرقي بالمحافظة الوسطى.
وارتفع عدد الشهداء في 2013 إلى ثلاثة (محمد عاصف، ياسر خان، وعامر عبد الخالد)، في أعقاب الدعم والتمويل والتدريب الذي تلقاه إرهابيين خارج البحرين. بينما رفعت العملية الإرهابية النوعية المنظمة التي حدثت في الدية العام 2014 عدد الشهداء في هذا العام إلى 6 شهداء كأكبر عدد في عام واحد (طارق الشحي، عبد الوحيد سيد محمد، محمد ارسلان، عمار عبد الرحمن، محمود فريد، وعلى الزريقات)، ويعود ذلك لتلقى الإرهابيين أشكالاً تدريبية وتنظيمية من جهات خارجية عرفها العالم أجمع، حيث وزع الإرهابيون الأدوار ما بين مصنعي متفجرات وموزعي مهام ومشرفين ومنفذ، فضلاً عن مصور.
وخلال العام الجاري استشهد كل من (حامد رسول عارف، ناويد أحمد نظير) في تفجير إرهابي استهدف حافلتهم قرب مدرسة غرناطة الابتدائية في سترة، وتطابقت المتفجرات المستخدمة في التفجير، مع متفجرات تم الكشف عنها خلال عملية إحباط تهريب مواد متفجرة وأسلحة مصدرها إيران إلى المملكة. وأعطت هذه العملية، أبعاداً أخرى لحجم المؤامرة في استهداف أمن المملكة وسلامة مواطنيها والقاطنين فيها، ما يعطي مؤشرات واضحة لسعي النظام الإيراني بشكل مستمر لزعزعة أمن البحرين، من خلال تجنيدها أفراداً وجماعات وتدريبهم ودعمهم لتنفيذ عمليات إرهابية داخل المملكة.
وجاء استشهاد وجدي صالح بلغيث، كآخر شهيد في قوافل الشهداء البررة، إثر تفجير إرهابي بقرية كرانة ، تمثل في تفجير عن بعد لقنبلتين محليتي الصنع، حيث وقع في الوقت الذي كانت فيه الدوريات الأمنية تقوم بواجبها في تأمين الشارع الرئيس بالقرية.



عزم لا يلين
حظي الشهداء على الشهادة والارتقاء ذوداً عن أراضي البحرين كافة، إذ استشهد 3 من رجال الأمن بكل من (الدية وسترة)، فيما استشهد 2 في كل من (ساحة الدانة، والعكر، والدير). بينما شهدت مناطق (المعامير، كرانة، السهلة، كرزكان، ودمستان) شهيداً واحداً في كل منها.
ولم يثن سقوط الشهداء وحظوظهم الوافرة في نيل شرفها، رجال الأمن عن أداء واجبهم في اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية والقانونية، تجاه كل ما من شأنه تهديد أرواح المواطنين والمقيمين، أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. فضلاً عن اتخاذ عدد من التدابير الأمنية والإجراءات القانونية، تتمثل في الانتشار الأمني وتفعيل القوانين الرادعة بحق المجرمين.
الجبهات الأمامية
لم يكن استشهاد أبناء البحرين الخمسة في اليمن الشقيق (محمد نبيل حمد، محمد حافظ يونس، عبدالقادر حسن العلص، حسن إقبال محمد، وعبدالمنعم علي حسين)، إلا تأكيد على مبادئ المشاركة الفاعلة في حملة الأمانة والمسؤولية الوطنية المتمثلة بانضمام البحرينيين إلى جانب إخوانهم في صفوف المقاتلين في الجبهات الأمامية، وحرصاً على «بقائهم في مقدمة تلك الصفوف سيراً على نهج الآباء والأجداد في مثل هذه المحطات المصيرية الهامة والمدونة بأحرف من ذهب في سجلِ تاريخنا الوطني العسكري المشرّف». وفقاً لما ذكره جلالة الملك المفدى في خطابه خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع للمجلس الوطني.
ويتجلى اهتمام جلالة الملك المفدى، بأداء الواجب العسكري والإنساني مع الدول الشقيقة والصديقة خارج البلاد، في مشاركة نجليه سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة في مهام قوات التحالف العربي للدفاع عن الشرعية في اليمن. فضلاً عن أمر جلالته «بأن توثق هذه المهام والمشاركات وأن تدرس لأبنائنا والأجيال القادمة ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم». لما تحمله من معانٍ سامية ومقدسة.
وعبر أبناء البحرين على اختلاف فئاتهم عن تقديرهم الكبير للشهداء، فكانت مواكب الشهداء صورة معبرة عن هذا الالتفاف حول رموز التضحية والفداء. فيما يعتبر البحرينيون هذا اليوم من أيام الوطن الخالدة، التي يترحم فيها على من قضوا في سبيل الواجب، ويستذكر فيها بكل فخر والاعتزاز تضحياتهم الجليلة ومآثرهم الخالدة.
الحفاوة البحرينية
وتخرج البحرين اليوم في احتفالاتها بالشهداء إجلالاً و وفاء وتكريماً لذكراهم الغالية، واضعة تضحياتهم الغالية في المنزلة التي يستحقونها من التوقير والاحترام، وتحفظ لهم العهد باحتضان أسرهم وذويهم، فهم موضع العناية والرعاية على الدوام من القيادة الرشيدة. فيما تمثل سير شهدائنا الكرام قصصاً للفداء والتضحية على هذه الأرض الطيبة.
الرحمة للشهداء الأبرار، تقديراً ووفاءً لما قدموه من تضحيات، بذلوا فيها أرواحهم الطاهرة في سبيل أداء واجبهم الوطني بأسمى صور، والأمن والسلام والطمأنينة لمملكة البحرين في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.