وليد صبري

تحتفل قطر بذكرى العيد الوطني الذي تولى فيه باني نهضة قطر الحديثة الشيخ جاسم بن محمد مقاليد الحكم في عام 1878، بينما تعيش البلاد إنجازات على كافة المستويات في عهد صاحب السمو أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي شدد في أول خطاب له بعد مبايعته أميراً لقطر تمسكه بسياسة بلاده الخارجية والتزاماتها الدولية، مؤكداً أن قطر «ستبقى كعبة المضيوم»، تلك العبارة التي قالها مؤسس الدولة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، ورددها صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، «وسوف تبقى على هذا العهد في نصرة المظلومين»، مشيراً إلى «انحياز قطر لقضايا الشعوب وعدم انحيازها لأي طرف على حساب الآخر».
وفي هذا الصدد، تشارك مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، دولة قطر الشقيقة احتفالاتها بعيدها الوطني الـ«44»، تجسيداً للعلاقات التاريخية الأخوية الوثيقة القائمة بين البلدين منذ استقلالهما عام 1971، وسط اهتمام مشترك بمواصلة مسيرة البناء والتنمية ومد جسور المحبة والتعاون على جميع الأصعدة بفضل السياسات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، وأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر.
وتعد العلاقات البحرينية القطرية نموذجاً يحتذى به في التكامل ووحدة المصير بين الدول الخليجية والعربية من حيث متانتها وقوتها والروابط التاريخية والعلاقات الأخوية ووشائج القربى والمصاهرة التي تربط بين الشعبين الشقيقين.
ويحرص البلدان على توسيع آفاق العلاقات الثنائية، والارتقاء بها في شتى الميادين الاقتصادية والتجارية بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.
وتتميز العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي بالتوافق تجاه القضايا الإقليمية والدولية وتطابق الرؤى في العديد من القضايا التي تهم منطقة الخليج والأمتين العربية والإسلامية اعتماداً على منهج العقلانية والحكمة، فهما شريكان استراتيجيان وسياسيان في مجلس التعاون الخليجي، وفي الجامعة العربية، ومن خلال مشاركتهما في التحالفات الدولية، أبرزها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن «إعادة الأمل» بقيادة المملكة العربية السعودية، والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة «داعش» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيراً التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي أسسته المملكة العربية السعودية بمشاركة 34 بلداً عربياً وإسلامياً.
جسر المحبة
يشكل جسر المحبة بين البحرين وقطر مزيداً من التواصل والمحبة والتلاحم والتآزر والتعاضد، ورمزاً لكل معاني الأخوة والتعاون وتكريس مفاهيم القربى والجوار، ويأتي تجسيداً للمعاني والقيم الحضارية للإنسان القطري والبحريني، كما سيكون له دوره في تنمية وتطور التبادل التجاري، وإقرار المزيد من المشروعات المشتركة بين البلدين والمساهمة في سرعة الانتقال وتبادل الزيارات بين الشعبين. وقد عاد مشروع «جسر المحبة» إلى الواجهة من جديد بعد أن أرجئ لسنوات، حيث قرر البلدان إنشاء جسر يربطهما في عام 2009. وجسر المحبة، بالإضافة إلى أنه سيكون أطول جسر في العالم، أيضاً يحتوي على سكة للقطارات، وسيختصر مسافات لطالما كان يراها بعض المواطنين الخليجيين طويلة. الجدير بالذكر أن بعض التصاميم تم تعديلها عما كانت عليه سابقاً عندما طرح المشروع للمرة الأولى، والتعديل الجديد سيضم بناء ممرين إضافيين للسكك الحديدية على جانب طريق الجسر. ويعتبر الجسر، الأطول في العالم، إذ سيبلغ طوله 40 كيلومتراً، وبكلفة 4 مليارات دولار، وسيربط جزيرة البحرين بساحل شبه الجزيرة القطرية الشمالي الغربي، وسيكون نصف الجسر فوق مستوى البحر، والباقي سيمتد فوق أراضٍ مستصلحة، ويستغرق إنشاؤه نحو 4 سنوات. يذكر أن شركة «كوي» الدنمركية وضعت التصاميم الأولية للجسر، وكانت دراسة سابقة توقعت أن يصل عدد السيارات التي تمر على الجسر بعد إنشائه إلى 4000 سيارة يومياً، لتبلغ 5000 في العام الذي يليه، و12 ألف مركبة مع حلول 2050.
علاقات اقتصادية متميزة
على الصعيد الاقتصادي تشهد العلاقات بين البلدين تعاوناً مثمراً، خاصة على مستوى الزيارات المتبادلة من قبل كبار المسؤولين والاتفاقات الاقتصادية والتجارية، كذلك فإن رجال الأعمال في البلدين لديهم الحافز وتتوافر لديهم الإمكانات لتوطيد وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 827 مليون دولار، بينهم 740 مليون دولار صادرات من البحرين إلى قطر، و87.5 مليون دولار واردات البحرين من قطر.
وتعتبر اللجنة البحرينية القطرية المشتركة التي أنشئت عام 2000 مؤشراً قوياً يعكس الرغبة الصادقة في تحقيق الوحدة والترابط الوثيق لما فيه خير ومصلحة الشعبين، وتحقيق طموحاتهما في المزيد من الاستقرار والرفاهية. ويعد الاتفاق البحريني القطري بشأن قيام قطر بتزويد البحرين بالغاز الطبيعي ثمرة لمسيرة العلاقات الاقتصادية. ونظراً لأن البحرين مركزاً مالياً دولياً هاماً في المنطقة فإن هناك فرصاً على جانب كبير من الأهمية للقطاع الخاص القطري في الاستثمار في القطاع المصرفي في البحرين، خاصة الوحدات المصرفية الخارجية للمساهمة في توفير جانب من التمويل اللازم لمشروعات التنمية الاقتصادية في قطر، وفقاً لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية القائمة.
إنجازات فريدة
في ظل احتفالات قطر بذكرى اليوم الوطني، فقد حققت الدولة العديد من الإنجازات في مختلف المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما تنتظر البلاد مستقبلاً زاهراً تحت قيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد. وعلى الصعيد الخارجي تضطلع قطر بدور بارز ضمن عضويتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة.
وتتميز قطر بعلاقتها المتطورة مع المجتمع الدولي، واستطاعت طيلة الـ 44 عاماً المنصرمة من تحقيق إنجازات جعلت منها دولة فاعلة في تحقيق السلم والأمن الدوليين، علاوة على دورها المتميز والرائد في تحقيق التنمية الدولية والشراكة العالمية فيها. وتساهم قطر في حل النزاعات المسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى المشاركة في قوات حفظ السلام التي شكلتها الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم، مثل لبنان، وإريتريا، والبوسنة، إضافة إلى حل النزاعات والمشكلات التي حصلت في بعض الدول العربية، كمشكلة دارفور، والأوضاع في اليمن ولبنان وفلسطين.
نهضة اقتصادية
وعلى الصعيد الداخلي فقد اختطت قطر لمسيرة إنجازاتها سياسة واعية اعتمدت على الخطط الطموحة المرتكزة على دعم وتطوير التنمية الصناعية وبناء الإنسان القطري. وتتمثل أهم الأهداف الاستراتيجية الصناعية لدولة قطر في استغلال الثروات والموارد الطبيعية إلى أقصى درجة ممكنة إلى جانب تنويع مصادر الدخل خاصة التنمية الصناعية بوصفها الشريان الثاني للاقتصاد القطري. وتشجع الدولة استغلال المدخرات والفوائض المالية للقطاع الخاص للاستثمار في التنمية الصناعية عن طريق الاكتتاب في المشاريع الصناعية الجديدة وخصخصة جزء من الصناعات الوطنية الأساسية القائمة. كما تسعى إلى تطوير الإنتاج في الصناعات الاستخراجية ليصل إنتاج النفط إلى مليون برميل يومياً وإنتاج الغاز الطبيعي الخام إلى أكثر من 12 مليار قدم مكعب يومياً إضافة إلى نصف مليون برميل يومياً من المكثفات المصاحبة لإنتاج الغاز.
وتعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي السائل، وتملك 12.7 % من احتياطات الغاز في العالم، و1.5 % من احتياطات النفط.
وسجلت قطر نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمالي كان لقطاع النفط والغاز جانب كبير في هذا النمو السريع.
وتعتمد قطر منهج التخطيط العلمي لاستثمار وتطوير الموارد البشرية وتحقيق الاستفادة القصوى من الخبرات والكفاءات الوطنية والأجنبية عبر وضع سياسات وخطط استخدام القوى العاملة ومتابعة تنفيذها.
وتماشياً مع رؤية قطر الوطنية 2030 تقوم قطر بزيادة تنويع اقتصادها خارج قطاع النفط والغاز من خلال تطوير قطاعات رئيسة بما فيها الخدمات المالية والرعاية الصحية والتعليم والرياضة وبفضل فوائض كبيرة في الميزانية تمكنت الحكومة من إعادة الاستثمار بكثافة في الاقتصاد.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية شهدت قطر تحولاً اقتصادياً كبيراً حيث أدت الزيادة الهائلة في انتاج النفط والغاز إلى تحقيق نمو قياسي اقتصادي وفوائض حكومية وبرنامج إنفاق واسع في مجالات البنية التحتية الطاقة والإسكان.
وتتمثل أهداف الاستراتيجية الصناعية لقطر في استثمار وتعظيم القيمة المضافة للثروات والموارد الطبيعية وتنويع مصادر الدخل وزيادة نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي وتسريع القوة الدافعة للتنمية المستمرة واستيعاب التطور العلمي والتكنولوجي.
وتشجع الدولة استغلال المدخرات والفوائض المالية للقطاع الخاص للاستثمار في التنمية الصناعية عن طريق الاكتتاب في المشاريع الصناعية الجديدة وخصخصة جزء من الصناعات الوطنية الأساسية القائمة.
جسور وأنفاق
تستثمر قطر أكثر من 20 مليار دولار على مشاريع الجسور والأنفاق لربط السكك الحديدية ومشاريع الطرق داخل المدينة وباقي دول الخليج. وأقامت الدولة عدداً من المدن الصناعية ومنها مدينة رأس لفان الصناعية وهي أحدث المدن الصناعية في قطر، وتقع المدينة شمال شرق العاصمة الدوحة وتبلغ مساحتها 106 كيلومترات مربعة ويعمل فيها نحو 6500 موظف وعامل. وتضم المدينة مصانع إنتاج الغاز الطبيعي المسال، كما تضم مرفأ صناعياً وتجارياً، ومنشآت صناعية متعددة. ويعد الميناء أكبر مرفأ لتصدير الغاز الطبيعي في العالم، وتبلغ مساحته الإجمالية 5.8 كيلومتر مربع.
وعلى الصعيد الثقافي تتمتع قطر بثروة ثقافية زاخرة وتراث شعبي فريد وترعى الدولة هذه الثروة وتعمل على تنميتها واغنائها باستمرار بما ينسجم مع التطور الذي تشهده.
وتبدي اهتماماً كبيراً بإنشاء المكتبات والمتاحف والمسارح ومراكز الفنون ودعم دور النشر والمجلات الثقافية. ووضعت قطر في سلم أولوياتها الاهتمام بقطاعي الصحة والتعليم فتوسعت خدمات الرعاية الصحية وأنشأت مدينة حمد الطبية والعديد من المستشفيات المتخصصة والمراكز الصحية وفق رؤية واضحة تهدف الوصول بهذا القطاع إلى المستويات العالمية واصبحت في صدارة الدول على مستوى منطقة الشرق الأوسط من حيث الإنفاق على القطاع الصحي.
ودخل قطاع التعليم عهداً جديداً بانشاء المجلس الاعلى للتعليم وإطلاق مبادرة تطوير التعليم «تعليم لمرحلة جديدة» والتوسع في المدارس المستقلة وتأسيس المدينة التعليمية التي تضم فروعاً لجامعات عالمية مرموقة إضافة إلى إنشاء كلية المجتمع والتركيز على البحث العلمي الذي رصدت له الدولة ميزانية ضخمة تعادل 2.8 مليار من الناتج المحلي. ولم يكن المجال الاجتماعي بمنأى عن خطط التطوير والتحديث فأنشئت العديد من المراكز والمؤسسات التي تعنى بحقوق الطفل والمرأة والمسن وذوي الإعاقات وكافة شرائح المجتمع كما طالت خطوات التحديث الجهاز القضائي والإداري والأمني بالدولة. وشهد المجال الرياضي ثورة كبيرة أبرز محطاتها فوز قطر بتنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم في 2022 وتنظيمها للعديد من المؤتمرات والدورات الرياضية العالمية والخليجية والعربية والآسيوية آخرها دورة الألعاب العربية. وتنفذ قطر مشاريع ضخمة في إطار التحضير لاستضافة مونديال 2022، يتوقع أن تبلغ قيمتها 200 مليار دولار.
الأغنى عالمياً
هيمنت قطر على ترتيب الدول الأكثر ثراء في العالم في التصنيف الذي نشره معهد التمويل الدولي IIF، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. وحسب التصنيف، فقد حلت قطر في المرتبة الأولى بمعدل ناتج محلي إجمالي بلغ 106 آلاف دولار للفرد، لتتفوق بذلك على العديد من الدول في المنطقة وأوروبا وأمريكا الشمالية. يشار إلى أن قطر برزت كأغنى بلد في العالم العربي سنة 2012، كما صنفت أغنى بلد في العالم سنة 2011، بعد أن قفز ناتجها المحلي الإجمالي قفزة تاريخية ليبلغ 182 مليار دولار. وفي المجال العقاري يشهد القطاع ازدهاراً كبيراً، إذ من المتوقع أن يجلب هذا القطاع لقطر استثمارات تزيد على 22 مليار دولار من خلال العقود ومشاريع التطوير الجديدة.
من جهة اخرى، تتميز الموانئ البحرية بقطر بالتطور والحداثة حيث تحتوي على كافة المستلزمات والخدمات والمعدات الضرورية للقيام بمهامها على أفضل وجه. ومن أهم الموانئ البحرية بقطر ميناء الدوحة التجاري وميناء مسيعيد التجاري والصناعي وميناء رأس لفان الصناعي.