لو تمعنا في تاريخ نشأة وتطور التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية، لوجدنا أن جمعيها يعود للدول الغربية، ابتداء من إنجلترا وفرنسا وأمريكا، ثم اتفاقات حماية المصنفات الأدبية والفنية «برن» التي عقدت في سويسرا وتم تعديلها في استوكهولم وباريس، إضافة إلى المعاهدات التي تشرف عليها منظمة «الويبو».
إن توقيع الدول العربية على اتفاقات «الملكية الفكرية» لا يمنع من التساؤل حول مبادرة الغرب في إبرام هذه الاتفاقات أولاً.
لو ركزنا على جانب المصنفات الأدبية وحقوق المؤلف من هذه الاتفاقات، هل نستنتج أن الغرب سبق العرب في ذلك لاحتكاره الإرث الثقافي والأدبي على الرغم من أن الأدب العربي هو أغنى الآداب؟! أم دلالة على أن الغرب أولى اهتماماً أكثر للاستقلالية العقلية التي لابد أن تتحرر من العبودية الفكرية لتساهم في بناء نظامٍ يحفظ للمجتمع قوميته؟!
إن تاريخ التمدن الأدبي لدى العرب يعود للعصور الجاهلية، وليس بالشيء المستجد.
غالباً، لو أردت التحدث عن تاريخ نشأة العلوم الأخرى في المجتمعات والتي أدت إلى التطور، ستستشهد بالبراهين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم تنتهي بالأدبية، لكن لدى العرب كان الأمر مغايراً، حيث إن القبائل العربية توحدت أدبياً قبل أن تنتظم في المجالات الأخرى، ورأت أن الأدب هو المسلك الأول نحو النماء، حتى التجارة اتخذوا منها وسيلةً لإثراء اللغة لكونها محطاً للتبادل الثقافي والمبادهة بالشعر والتباهي بالفصاحة لكونها موضع التقاء الناس من كل فج. يقودنا ذلك لسبب رئيس وهو الحضارة المستقلة التي عاصرها العرب في العصور الجاهلية.
ولأن الاستقلال يعد العامل الرئيس للحفاظ على الصنعة، تمسك العرب به عن طريق الفتوحات الإسلامية وردع الحروب والاستعمارات الثقافية عن طريق التمسك بالتقدم السياسي والاجتماعي والأدبي، مما أدى بهم إلى حذق اللغة.
ولأن الاستقلال بكافة أشكاله يدعم الحفاظ على الإرث الأدبي، أدت التنازلات السياسية والاجتماعية في العصور الحديثة إلى تراجع التراث الفكري، لاسيما أن الملكية الفكرية هي أمر يتعدى الحدود الوطنية ويصل للعالمية، وأدت إلى زعزعة الوحدة الأساسية التي قام عليها الأدب في العصور السابقة، حيث إن لكل موروث بنية رئيسة تحتاج إلى ترميم وصيانة، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق تنمية شاملة متكاملة تتضمن جميع الأصعدة. لذلك، أدى التهاون والتنازل عن الموروثات السياسية والتراثية والاجتماعية إلى التهاون في مبادرة الحفاظ على الإرث الأدبي.
صديقة أمين
فريق البحرين للإعلام التطوعي